الدين والشريعةمقالات

قراءة في كتاب: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (98)

بقلم: د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* تأملات خاصة بالنحل والعناكب والطيور
يقول الكاتب الباحث الناقد موريس بوكاي تحت هذا العنوان الذي جاء في الصفحة رقم: (225): عندما يريد أخصائيوا الجهاز العصبي أن يعطوا أمثلةً أخاذة عن النظام المُعجز الذي يتحكم في السلوك الحيواني، فإن الحيوانات التي ربما تُذكر أكثر الأمر هي النحل والعناكب والطيور (وخاصّة الطيور المهاجرة) وعلى أي حال فيمكن التأكد بأن هذه الجماعات الثلاثة تشكل أمثلة غاية في الجمال عن النظام الراقي.
إذن فذكر النص القرآني لهذه الثلاثية المُثلى في عالم الحيوان يستجيب تمامًا للطلب الهام بشكلٍ فريد من وجهة النظر العلمية لكل حيوان من تلك الحيوانات المذكورة هنا.
– النحل
النحل موضوع أكثر تعليقًا في القرآن
﴿وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 69-69) من العسير أن نعرف ما المقصود بالتحديد بالأمر باتباع سبل الله بتواضع، مالم يكن ذلك من وجهة نظر عامة، وكل ما يمكن أن يُقال بالاعتماد على المعرفة التي نملك اليوم عن سلوك النحل، هو أن هناك نظامًا عصبيًا رائعًا هو قاعدة السلوك، يمثل ما في حالات الحيوانات الثلاثة المذكورة في القرآن كمثل، المعروف أن النحل يملك وسيلة للتخاطب وذلك عن طريق الرقص، إن النحل قادر على أن يعرف بهذا الشكل الاتجاه الذي يجب أن يتخذه، والمسافة التي توجد عليها الزهور التي سيمتص رحيقها، وثبتت تجربة (فون فريش) الشهيرة دلالة حركات الحشرة التي يقصد بها نقل المعلومات بين النحل العامل وبعضه.
– العنكبوت
يشير القرآن إلى العنكبوت للتأكيد على دقة مسكنه فهو من بين جميع المساكن أكثر وهَنًا، يقول النص القرآني إنه ملجأ غير مأمون، كذلك الذي يتخذ من الناس ممن اختاروا ألهًا من دون الله، ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: 41)
الواقع أن نسيج العنكبوت يتكون من خيوطٍ حريرية تُفرزها غدد الحيوان، وعيار هذه الخيوط ضئيل متناهٍ في الضآلة، ولا يستطيع الانسان ان يقلد دقة هذا النسيج، ويتساءل علماء الطبيعيات عن خطة العمل الخارقة التي سجلتها الخلايا العصبية للحيوان، والتي لا تسمح له بتكوّن نسيجٍ ذي هندسة كاملة، ولكن القرآن لا يتحدث عن هذا.
– الطيور
لموضوع الطيور توجد إشارات متعدّدة في القرآن، وهي تدخل تحت حوادث حياة إبراهيم، ويوسف، وداود، وسليمان، والمسيح -عليهم السلام- وليس لهذه الإشارات صلة بالموضوع المعالج هنا.
لقد عرضنا الآية الخاصة بوجود جماعات الحيوانات الأرضية والطيور، ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام: 38) وهناك آيتان أخريان تُبرِزان خضوع الطيور المطلق لسلطان الله، ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (النحل: 79) وكذلك قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾
(الملك: 19)… ويمكن تمامًا أن نقرّب بين هذه الآيات التي تبرز الارتباط الوثيق جدًا لسلوك الطائر في علاقته من سلطان الله وبين المعطيات الحديثة التي أوضحت درجة الكمال التي وصل إليها بعض أنواع الطيور في التخطيط لبرامج تنقلاتها حيث وصلت رحلة بعض الطيور الى مسافة (25000) كم ومن المقبول الان أن التوجيهات المعقدة جدًا لمثل هذه الرحلة مسجلة بالضرورة على خلايا الطائر العصبية، ولا شك أنها خُطِّطَت في برنامج، فمن المخطط إذًا؟.. وانتظروا في مقالتنا القادمة الحديث عن: “أصول مكونات لبن الحيوان” صبيحة الغد بمشيئة الله تعالى، فكونوا على موعدنا المتجدد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1690)
07. صَفَر. 1446 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق