مكتبة الأدب العربي و العالمي

مقال نقدي حول كتاب”جبر الخواطر” للكاتبة والباحثة وفاء داريبقلم الأكاديمية د. نوارة نور ناقدة في الأدب العربي الحديث من فلسطين

ناهض زقوت

“جبر الخواطر” الكتاب الذي كاد أن يربت بالجبر على الكتف ويحتاجه الكثيرون.
تعتبر الكاتبة وفاء شاهر داري من الكاتبات الواعدات فيْ مجاليّ البحث العلميّ والأدبيّ والنثر . وبعد أن خط القلم والفكر والخيال عملين متتاليين “صورة البطل في قصص أطفال فلسطبن والتي سبق وقدّ كَتبتُ عن هذةِ الدِراسَة المُوسَعة والعَميقة لأهميتها البحثية والوطنية على صعيد القضية الفلسطينة والعربية ومن ثم كِتاب “العنقاء تروي قصصًا وعبرًا”، حيث شاركا في معرض الكتاب الدولي في كل من فلسطين، الشارقة، القاهرة، العراق، مسقط عام ٢٠٢٣/٢٠٢٤. وَثَالِثْهُمَا “جبر خواطر” وَرَابِعُهُمَا فِي الأفقِ القريب الجزء الثاني لكتاب (جبر الخواطر) بعنوان ” إطلالات” و خامِسُهُما “العقد الثمين مِنَ الحكمة والوعظ المبين ، كما أُصدِرَ لها العَدِيد من المَقالات حوّل قِراءاتٍ تَحليليةٍ لِعَددٍ من الروايات والمَجموعات القِصَصِية في عِدة مَجالات أدبيّة ، والتي نُشِرَت على صَعيد واسِع في وَسَائل الإعلام والصُحُف والمَجلات الوَرقِية والمواقع الإلكترونية والأدبية، أَجِدُ نَفْسِي اليوم أُقَدِّمُ للقاري بَاكُورَةً من إبداع كاتبة وباحثة أكاديمية متفردة وأيقونة تُغردُ خارجَ الِسرب من الخطرات النثرية يَسِيلُ شُعَاعًا، ويتدفق وجدًا رَقِيقًا.
“جبر الخواطر” وهو عبارة عن جزئين ، نشر الجزء الأول بعنوان “جبر الخواطر” والثاني في الأفق القريب بعنوان ” إطلالات”. وبعد الاطلاع وقراءة كلاهما ، وجدتُ في كلا الجزئين ، أغلَب الخَطرات النَثرية جَاءت بِصياغات عَديدة ، شَملت الجِندر ومن جَميع الشَرائِح ، فَمَثَلَت الزوجة ، الأم ، الأخت ، الأب ، والصديق ، الإبن البار والضال ، الحبيبة والحبيب ، وأوجاع الوطن ، ولامَسَت حالات اجتماعية إنسانية شتى ، مثلت الفرحَ والحزنَ والخذلان والأمل ، يحتضن الثكالى والحزانى، المنكوبين المتلعثمين من ثقل الحياة ، المتفائلين رغم مرارة العيش ، المبتسمين والعاشقين للحياة ، تَضُمُ حروفه أوجاع آدام وأنين حواء . في توليفة إبداعية جَمعت شَتى أشكال الورود في بستانٍ أدبيٍ واحدٍ بتركيبة متناسقة بلغة سلسة ، تحاكي الواقع والخيال دون ارباكٍ للقارئ ، يجمع الكثير من ثمار الأجناس الأدبية ، يشمل الومضة و الخطرات النثرية و الشذرات والقصائد ، وهي أفكار ذات بعد أخلاقي وتوعوي ونفسي والوطني وغيره . يستسيغها المتذوقون للأدب بكل أجناسه ومناهجه وأساليبه ،حيث كل نص يمثل لوحة فنية معبرة ، وقصة سردية نابضة ، محملة أفكارًا متجددة تحاكي حالات عدة. يربتُ كل منهما على كتف هذا وتمسح دمعة تلك ، وتُصَبّر هؤلاء وتشدُّ على أيادي الأبطال وترفع رايات النصر المرتقبه رغم محاولات بترها والتي لا زالت صامدة “. “جبر الخواطر” ذلك الكتاب…القلب الذي كاد أن يتسع و يربت بالجبر على كتف الجميع ، ويأمل أن تَسعه رحمة الله و تملئ بالجبر صفحات كاتبته الأجر والثواب ، كما ذكرت الكاتبة في مقدمته كتابها .
العنوان: للعنوان دلالات واضحة لا تحتاج لأبعاد أو عمق لتفسيرها لبساطتها ، ودائمًا تسعفني الأخت ويكبيديا في تبسيط المعانِ، حيث تقول في جبر الخواطر ،هي إصلاح النفوس بالمعروف ماديا و معنويا ، وتطيب القلوب بالكلمة الطيبة وإدخال البهجة عليها و السرور ، وأعمارها بالحياة والمؤازرة ومنها والروحية ، والنفسية وتقديم الخدمة الاجتماعية ، والدعم الإنساني لكل محتاج . ومن هذا المنطلق القريب جدًا لرسالة الكاتبة الجلي في طرحها ونصوصها في كتابها و الموجز في عنوانه.
حرصت الكاتبة على شفافية اللغة وبساطتها ، مع ترك المجال مفتوحًا لأسلوب التأويل لاسيما الكثير من النصوص لا تحدد مخاطبًا بعينه ، تنزع بجانب منها إلى الغموض الذي يستفز القارئ للبحث في دواخل النص وفهم المعاني التي تحتملها الجمل تارةً ، وفي شفافيتها ووضوحها وسلاستها تارةً أخرى ، لتترك القارئ في متعة التحليل والخيال ، في توليفةٍ مميزةٍ في جمع أجناس وأساليب أدبية خططتهُ الكاتبة بإبداع دون تشتيت القارئ . تميزت الجوانب اللغوية بالإلمام باللغة وإخضاع النص لمعايير أدبيه من ناحية المضمون والتراكيب اللغوية . أهمّها الأسلوب المستحدث واللّغة السّلسة المنمّقة بالمحسّنات اللّغوية ، الصّور الشّعرية المبتكرة بمواضيع جذابة لإهتمام المتلقّي ، برزت في أغلبها عناصر التأويل والتكثيف والإبهار والإدهاش وإستعمال الرموز . قَدَمت الكاتبة للقَارِئ بَاقَةً مِنْ نفحات الأشعار والخطرات…مِنْ باقات زَهْر يَتَفَتّح ناشرة أريجها بين المَلَأ فَتُصْبِح مُلْكًا للجميع … كتاب الجزء الأول “جَبر الخَواطِر” والذي يحمل ما يقارِبَ ثمانُون خاطِرة من الخَطرات النَثرية، بُستان ورود عبقها مُغاير، يغرد خارج سرب المألوف والرتابة التي أُتخِمَ القارئ مِنها ، فأصبح القارئ المُتذوق يفَتش عن نص مدهش وأدب فيه أصاله ، فجاء هذا الكتاب…فَبَعْدَ أن انعَقَدَتْ خمائره، وما انبثق عنه من الحكمة ، والمنطق ، والصور الرائعة ، وترجمة رقيقة لنجوى الخواطر ، بَعْدَ أنْ أَعْيَتِ الوجدان، وَدَغْدَغَت المشاعر ، تَآلَفَتْ فيها عناصر الواقع والخيال معًا لِتَنْقُشَ لوحةً مزخرفةً ، وعطرًا لِلْمُستَنْشِقِ، ولونًا بَهِيًّا للمبصرِ…أصبح للخواطر النثرية والومضَةُ والشَذرةُ مَعانٍ أُخرى .

اماً الجزء الثاني “اطلالات” فتطرق بشكل موسع للأدب الوعظي التوعوي والنفسي الشعوري والنسوي ، والتي تجلت في الإسهام النسائي البارز في المجال الأدبي وشملت محاور كثيرة منها الذي يكتبه الرجل و المرأة على حد سواء، و الذي يكشف بشكل واضح عن كافة أشكال المشاعر من القمع و التهميش للمرأة في المجتمع الذكوري . كما تطرقت بلسان الذكوره من مشاعر اضطهاد وخذلان ، فأنصفت الرجل والمرأة في على حد سواء في كتاباتها، فكانت نموذج مميز للمساواة الفكرية والأدبية من جانب الجندر. والتي تجلت في الخواطر النثرية للجزء الثاني . للمساعده في تميز مشاعر و نوايا الآخرين وهي المهارة التي تشكل جوهر فهم العلاقات الاجتماعية.
أما أهم الجوانب التي تركزت ايضًا عليها الخطرات النثرية ، الجانب النفسي والروحي ، فان الأدب في حقيقته عبارة عن عملية إستقبال حسية تعقبها عملية أرسال نفسية بين الأديب و المتلقي و التفاعل المتبادل بينهما. و هنا يحدث الفرق بين قصيدة نثرية أو شعرية وأخرى ، فبعض هذه الخطرات لا تهز غير الحواس الخارجية للمتلقي ، وأخرى تهز الحواس الخارجية و تطرق أبواب الشعور بصدق وأصالة والنوع الأخير هو المطلوب . إن استطاعَة الكاتب/ة أو الشاعر/ة أن يمتلك موهبة الأداء النفسي فهو قد ملك القدرة على التعبير الصادق ليبلغ هدفه المنشود ، أن الأداء لا يكمل معناه إلا من خلال (الصدق الشعوري والصدق الفني) . أما الصدق الشعوري فهو ذلك التجاوب بين التجربة الحسية و بين مصدر الإثارة، أحدهما نفسي منطلق من أعماق الشعور ، و الآخر حسي منطلق من أفاق الحياة و الواقع . وهذا ما أبدعت فيه الكاتبة في كثير من نصوصها الأدبية ، أما الصدق الفني فميدانه التعبير عن دوافع هذا الإحساس بحيث يستطيع الكاتب/ة أن يغلف تجاربه الشعرية/ النثرية بغلاف ملائم ويجعل من ضمن نصه ذلك البناء المناسب من إيحائية الصور بأنواعها المتعددة (البصرية و السمعية و التذوقية والحسية ……وغيرها)، وهذا ما أجادته أنامل الكاتبة في خطرات هذا الكتاب وكان فيه أيضًا من الجرأة والصراحة ونقاء السَّجِيَّة ، وَصِدْق النِّيّة… فكان هذا الكتاب عَزْف موسيقى عَلى أوْتَار السِّحْر ، ونغمات أجراس الحقيقة في فَضَاءَات الصّحَارِي، ومحاولةً لاستِنْبَات أشجار بَاسِقَةٍ على أنْقَاضِ شَظَف العيش وقسوة الحياة.

سلبيات كتاب “جبر الخواطر” كان في صفحاته القليلة والتي لم تتعدى ثمان وثمانون صفحة للمحتوى الفعلي للنصوص الأدبية (الخطرات النثرية) ، والتي دمجت الوطني والحسي والاخلاقي والتوعوي والوعظي والنسوي والخاص والعام والجندر والحالات الاجتماعية . كان كمن يقضم قضمة صغيرة من كعكة لذيذة المذاق فلا يكتفي . ومن جانب آخر كان يجب عنونت الأجناس بفصول وليس الاكتفاء بعنوان عام لكل جنس من الأجناس الأدبية مثال للعنواين: (شذرات قلم / القريبون من القلب / أجراس الحرب ).والذي لربما لا يميزها جميع القراء بشكل واضح.

وأخيرًا …
فِي هذا الكتاب يتَفَجّرُ نبع آخر فِي قلب شرقي القُدس وتَحملهُ من وطنيةٍ وانتماءٍ لِيَمُدَّ اللغة العربية بِمِدَادٍ من الإبداع الراقي، ع جَنَى أدبي فِكْرِي ، وثمرة يَانِعَةٌ، فيه من اللغة الشعرية، واهتزازاتٍ وجدانيةٍ، وَجُمَلٍ مسبوكةٍ سَبَكَهَا الخيال وَدَبَّجَتْهَا العاطفة والعقل والحكمة وانطلق بها الْفِكْرُ الشَّرُودُ . وأقول :
لَنْ نكتفي كباحثين ونُقاد وقُراء بهذا الإِبْدَاع ،وننتظر بشوق نشر وإصدار الجزء الثاني “إطلالات” بشوق ، و نتمنى أنْ تَفيضَ الكاتبة بكثير مِن التَميز وأن يكون دومًا ما زال في جُعْبَتِها الكثير مِنَ الإِبْدَاع تُقدمه وتَتَفَتَّح براعمه ، و نغُوص فِي أعماق بحر لُغُتِها، ومكنونات وُجْدَانِها وتُُضِيفَ من اللآلِئ تََنْثُرُهَا في بحر الإبداع من جَنى أَفْكَارهاِ وَخَيَالَاتِها. أرجو أن يَحْتَلَّ هذا الكتاب مكانته المرموقة التي يستحقها على المَنَصَّات الشعرية وفي مَحَافِل الأَدَب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق