مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مال البخيل يأكله المرتاح الجزء الرابع
قالت خديجة كانت أمّي تحكي أن الشّكر على القليل يقي من السّوء ويزيد في الخير ،والآن فهمت ما تقصده، فذلك الرّجل حرمني ،و لمّا مرض لم يجد ما يشفع له عند الله من حمد على النّعمة، ،فأعطى ما جمعه من مال لمن شكر ،وصبر على مرّ العيش !!! أجابها :سبحان الله ،وأنا كانت أمّي تدعو لي وتقول :اللهم أعطيه دارا تحميه ،وامرأة بنت حلال، فإنّي أخشى عليه من إخوته من بعدي وحقّق الله أمنيتها. في الصّباح نزل إلى السّوق واشترى دكّانا ،نقل إليه آلات الكيمياء ، وصار يصنع العقاقير كما تعلم من الكتب التي قرأها ،وبرع في تلك الصنعة ،وبعد أشهر أرجع لخديجة كل ما أعطته له من مال لشراء الدّكان ،أمّا جاره منصور، فبدأت تجارته تكسد حتى أفلس، وباع بضاعته أبخس الأثمان ثم بدأ يبيع أثاث داره ليأكل ،فقالت له امرأته :اذهب لجارك عبد الله ليقرضك مالا ،فإني لم أعد أطيق هذا الفقر !!! لكنّه قال : أموت جوعا ولا أذهب لذلك المتشرّد !!!
وفي الغد جمعت المرأة ثيابها ،وأخذت إبنها، وقصدت دار أبيها ،أمّا منصور فجاءه الدّائنون ،وطالبوه بتسديد ديونه فباع الدّار ،واشتراها عبد الله، وبقي منصور في الشارع يدور على أصحابه وأهله مرة عند هذا ومرة عند ذلك وساءت أخلاقه حتى ملوا منه وطردوه ،أحد الأّيام ذهب عبد الله لصلاة الجمعة ،فوجد رجلا قذرا يسأل الصّدقة، وقد طالت لحيته ،لمّا إقترب منه إستغفر الله، فلقد كان جاره منصور ،نظر إليه، وقال له :والآن من منّا الجائع والعريان ؟كنت أسمع شتائمك ،فينزل الله على قلبي السّكينة ،وكنت أجوع فأدعو الله، وأحسّ بالشّبع ،وأنت لم تتّعظ بما جرى لزوج خديجة ،والآن جاء دورك !!! نظر إليه منصور ،وقال له : هل جئت هنا لتشمت في حالي ؟ أجابه عبد الله : ويحك ألا يعرف لسانك سوى قول السّوء !!! تعال إرجع لدارك وسأعطيك شغلا معي ،بكى منصور حتى تبللت لحيته ،وقال: خديجة لها الحقّ لما تناديك سي عبد الله .
وبعد شهر صلحت حال الجار ،وأثّث بيته ،ثمّ أرجع امرأته وابنه ،وتاب عن قول السّوء في جيرانه ،وبقي زمنا وهو لا يتكلم ،يشتغل كامل اليوم ،يرجع لداره ويتعشى، ثم ينام. أحد الأيام سألته إمرأته: حالك لا يعجبني يا رجل ،أنا أعرفك لمّا تصمت ،فأنت تدبر شيئا !!! فصاح في وجهها: هل أعجبك أن نكون خدم عبد الله ؟ أنا أفكر كيف أستعيد داري وتجارتي ،ولقد إدّخرت بعض المال،لكن ذلك لن يكفي !!! أجابته المرأة : إياك أن تفكّر في تجويعي ،فأنا لست خديجة ،هل فهمت ؟ لم يردّ عليها وانصرف حانقا ،فقالت: كنت أعتقد أنك تغيّرت أيّها اللئيم، لكن من فيه عيب يبقى فيه .
أحد الأيّام مرضت إبنة الملك ولم يعرف الأطباء لها دواء ،وأشرفت على الموت ،فمزج عبد الله بعض الأعشاب، وقال في نفسه: ما صنعته لها لن يشفيها ،لكنّه سيخفّف من آلامها ،ويساعدها على النّوم ثمّ طلب من منصور أن يصبّ الدّواء في قارورة ،ويأتيه بها إلى الدّار ،وغدا سيذهب لقصر الملك ،نفّذ الجار ما طلبه منه ،لكن دسّ فيه سمّا، وضحك ،ثم قال: حين تشرب الأميرة ما قدّمته لها تموت ،وعندئذ سيحبسه الملك ،وربّما قتله وأسترجع أنا داري ،ويصير لي الدّكان وحدي ،وفي المساء أتى لعبد الله بالقارورة فوضعها على الطاولة ،ثم دخل لينام ،في الليل خرج الفأر ،ورفع رأسه، وتشمّم الهواء ،ثم قال :دون شك إنّها رائحة السمّ ،فدحرج القارورة ،وأدخلها إلى حفرة في الحائط ،ووضع مكانها واحدة أخرى تشبهها …
…
يتبع الحلقة 5 والأخيرة غدا
من قصص حكايا العالم الاخر