مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #هارون الرّشيد #وابنة ملك الجنّ الجزء الاول والثاني
الجزء الاول
كان هناك ملك يسمّى هارون الرشيد يحكم بلادا بعيدة ،في أحد الأيّام ، أعلن في المدينة أنّ كل من يخرج للشّارع ليلاً سيقطع رأسه .
وفي أحد الليالي خرج مع وزيره في منتصف الليل .ليرى إن امتثل الناس لأمره، فلما حاول دخول المسجد مع رفيقه ليرى هل هناك أحد ، جاء الحارس بعصاه وأخرجهما إلى الشارع. ولما مرا أمام متجر بائع الفطائر سمعا صوت عزف جميل على العود ،فطرق هارون الرشيد الباب ،فتح له الخباز ،وسأله ويحك ماذا تفعل في هذه الساعة المتأخرة ألم تسمع بأمر الملك ؟ أجابه هارون الرشيد نحن غريبان عن البلد ونحس بالتعب ،فقال لهما تفضلا ، فأنتما ضيفاي هذه الليلة ولما دخلا وسط المتجر، وجدا قصرًا من الزّجاج ؛ فتعجب الملك ،وسأله: “من أين لك العلم السحري الذي لا نملكه ؟” أجابهم : أنا نديم ملك الجن، وأعزف له كل يوم على العود .
مكثا عنده ساعة حتى غلبهما النعاس، وناما بجانبه وهو لا ينقطع عن العزف ،بعد قليل. أرسل ملك الجن أحد الخدم في طلبه ،وقال : تعال سيدي في إنتظارك،
أخذ الخباز ضيفيه النائمين تحت ذراعه. وبقوة السحر قطع مسيرة أربعين شهرا في ربع ساعة،ى حتى وصل إلى جزيرة وسط البحر فيها قصر كبير وضع الرجلين على أقرب شرفة ،وفي ذلك الجناح كانت تسكن فيه ابنة ملك الجن، وتركهما هناك، وذهب إلى مجلس ملك الجنّ ، ووجده قد أعدّ لوازم السّهر وجلست حوله الجواري ،فبدأ يعزف وقامت قينة بارعة الحسن ،فبدأت تغنّي بصوت رخيم على أنغام العود .
فجأة شمّ هارون رشيد رائحة عطر شذيّ ،فترك الوزير نائما ،واقترب من النافذة المفتوحة ،فشاهد فتاة ذهبيّة الشعر بقربها سبعة وصيفات سبحان الله فيما خلق ،يمشطن شعرها، فدخل ،وسلّم عليها ،وقد أدهشه جمالها،و قال لها: أنا ملك الإنس ،لا أعلم كيف وصلت هنا،ولقد تركت ورائي مملكتي ،لكن أراد القدر أن أراك ،وأحبّك من أوّل نظرة ، إسمعي أريد أن أتزوّجك الليلة هل توافقين على ذلك ؟ نظرت إليه الأميرة وأعجبها شبابه ،ولهفته عليها، فسألته : لكن أين الشّيخ الذي سيكتب عقدنا، وأين مهري؟ أجابها هارون الرّشيد : أنا من أعظم الملوك ،لذلك سأكتب عقدك بيدي، وأكون شاهدا على نفسي ،أمّا مهرك فهو معي فأعطاها سيفاً من الفضّة مرصّعا بالجواهر وخاتمه ،وقلادة ذهبية كانت على صدره .
في الفجر جاء الملك ، واستلقى بجانب الوزير ،هو يفكّر في امرأته ،فقد أخبرته أنّ أباها لن يتركها ترحل معه، ولذلك وعدها بالمجيئ كلما تسنح الفرصة لزيارتها .وبعد قليل جاء الخباز للشّرفة ووضع الرجلين تحت ذراعه ، وأعادهما إلى الدّكان. كان الصّباح قد طلع. فأيقظهما وقال: ” قوما، واخرجا الأن !!! فلا خوف عليكما من الملك، في الطريق للقصر. قال هارون رشيد للوزير: إسمع يا إبراهيم ،لقد تزوّجت البارحة !!! وسأنزل إلى السّوق لشراء هدية لإبنة ملك الجنّ فتعجّب الوزير: ،وقال هل يمزح مولاي؟ عن أي جنّ، وزواج يتحدث ؟ لقد نمنا في دكان الخباز ،وأيقظنا منذ دقائق .
أجابه :أنا أيضا لا أفهم ما حصل ،لقد سافرنا في الليل إلى جزيرة ،وهناك رأيت فتاة جميلة سحرت عقلي فتزوجنا، أعترف بأنها قصة عجيبة ،لكن تلك الحقيقة لم أزد علها حرفا واحدا !!! سأله إبراهيم ،وكيف ستراها ،فأنت لا تعلم مكانها ؟ أجابه الملك: سنأتي هذه اللية لدكّان الخبّاز ،وهو من سيحملني إليها . أمّا الآن كفّ عن طرح الأسئلة، وهيا بنا إلى السّوق .لمّا وصلا إشترى لها الملك عقدا من اللؤلؤ لا مثيل له في جماله و،ثوبا من الحرير مطرّز بخيوط الذّهب ،وصار لا يرى شيئا أعجبه إلا إشتراه لها ،فقال إبراهيم : أرى أن مولاي يحبّ جاريته !!! فقال : والله لم لم أر أرقّ،ولا أنعم ملمسا ،ولا أشدّ بياضا منها ،وإنّي أشعر بالشّوق لها في كلّ لحظة .
أمضيا اليوم ،وهما يدوران حتّى حلّ الظلام ،فذهبا إلى دكّان الخبّاز ولمّا طرقا الباب فتح لهم عجوز الباب فسأله هارون الرّشيد أين الرّجل الذي كان يعزف على العود البارحة ؟ فتعجب العجوز ،وقال أنا أشتغل بمفردي، ولا أعرف عن ماذا تتحدث يا رجل !!! دخل الملك الدّكان، ونظر حوله، لم يكن هناك لا موسيقى ،ولا القصر الزجاجي الذي رآه البارحة . فقال لإبراهيم : ربّما أخطأنا المكان، تعال نبحث في مكان آخر !!! أجاب الوزير: هذا هو الخباز الوحيد في هذا الزّقاق ،لقد إختفى ذلك المغنّي ،ولو لم أر بعيني القصر الغريب وسمعت غناءه لما صدقتك .
إغتم هارون الرشيد وعاد لقصره مهموما وتوقف عن الطعام حتى مرض وأرسل الوزير رجاله يجوبون المدينة في الليل لعلهم يسمعون ضرب عود من أحد الدكاكين لكن لم يجدوا شيئا ،بعد مدة بدأ الملك ينسى أمر تلك الفتاة فقد كان له جناح كامل من البنات الجميلات اللواتي يذهبن العقول ،وأغرم بالعود وكانت كل يوم تحظر جارية تعزف وتغني له …
…
الجزء الثاني من القصةً
دخل ملك الجنّ لحجرة ابنته ،ورأى السّيف الفضّي المرصّع بالجواهر ،فأعجبه ،وقال لها : من أين أتيت به ؟ ردّت عليه : لقد قابلت البارحة أحد ملوك الإنس، وطلبني للزّواج فوافقت وهذا السّيف مهري مع القلادة والخاتم ،فقال ويحك !!! كيف تتزوّجين دون علمي ؟ أجابت : لقد كان ذلك الرجل هناك بالصّدفة ،ووعدني بالرّجوع ،فكّر ملك الجنّ . ثم قال: إسمعي يا ابنتي. إذا حضر زوجك فالحمد لله !!! ولكن إذا غاب ، فلا تقل شيئًا حتى لا ينفضح أمرك في كل المملكة. »بعد عام ، أنجبت البنت ولدًا في غاية الجمال ،ووضعت قلادة أبيه في رقبته ، كبر الطفل وأصبح شابًا. في أحد الأيام ، ذهب للعب ،بينما هو يجري صدم امرأة عجوزا كانت تحمل دلوا فانقلب ،وسال الماء على الأرض، فقالت له: لعن الله على من لا يعلم من أبيه !!!
قام الفتى من حينه ، وذهب إلى أمّه ابنة ملك االجان ،وقال لها: والله إن لم تخبرني من أبي سأضربك بهذا الحديد الذي في يدي.، فأجابت : أباك ملك من أعظم ملوك الإنس لكن نسيت أن أسئله عن إسمه، وصفته كذا وكذا ،فارتدى ملابس الدراويش وطار إلى بلاد الإنس، وبدأ يدخل من بلد ويخرج من بلد وهو يسأل الناس لكن لم يعرفه أحد حتى وصل بغداد ،وبدأ يدور دون أن يعثر على غايته . تعب الفتى ،وجاء إلى الخبّاز ،وجلس أمام دكانه ،فلما رآه أشفق عليه ،وأعطاه قرطاسا من الكعك ،فأكل الفتى ،وأعجبته .فطلب من الخباز أن يعلمه صنعها ،وكان صاحب الدّكان عجوزا ،فوافق ،وقال له : تعال معي ،وسأعلّمك .وصار الفتى يراقبه ،ويسمع كل ما يقوله العجوز حتى أتقن العمل، وأصبح الناس يتزاحمون أمام الدّكان ،وخاصة البنات ،فقد كان الولد حسن المنظر والأخلاق.
ذات يوم إنزعجت احدى الجارات منه ،بعد أن لاحظ أن إبنتها لا تفارق النافذة وهي تنظر إليه ، فنزلت إليه، وسألته بكم قطعة الكعك؟ أجابها :بدرهمين ،فصاحت: هذا ا كثير، وأنت وسيدك محتالان!!! ثم ذهبت إلى قصر هارون الرّشيد ،وطلب رؤيته، فأذن لها . وكان الوزير وإبنته حاضران في مجلسه ،فاشتكت من صانع الخباز الذي يبيع الكعك بضعف ثمنه ،فقال الملك : أحضروه لأنظر في أمره !!! بعد قليل جاء الفتى وفي يده طبق الكعك، وقال يا مولاي تذوّق من هذا الكعك ،وقل لي هل يستحق أن أبيعه بدرهمين ؟ أخذ الملك قطعة ،ورماها في فمه ،ثمّ هتف ما ألذّ طعمها !!! أجاب لقد علمني سيدي لكن أضفت شيئا من معرفتي ،لن تجدوه في بلادكم .
كانت إبنة الوزير حنان تنظر للفتى خفية ،وقد أعجبتها وسامته وفصاحته ،وفي الغد قابلت صديقتها بنت الملك ،وحكت لها عن قصتها ،فقالت لها: سأطلب من أبي أن يسمح لي بالنزول إلى السّوق ،وآخذك معي لكي ترينه !!! ولمّا وصلتا ،إقتربت منه ابنة الوزير ،وقالت له : ما رأيك أن تأتي للعمل عندنا في القصر ؟ أجاب الفتى : لا أقدر، لأني أبحث عن أحد، وفي السّوق يأتي الناس من كل البلدان ،وأنا أسألهم لعلّ أحدهم يهديني لما أبحث عنه . فرجعت الفتاة حزينة ،وقالت لإبنة الملك :إني أحببت هذا الولد في اللحظة التي رأيته فيها ،وسأمرض إن لم أراه كل يوم ،وأصبحت تتنكّر وتخرج دون علم أبيها. وفي أحد الأيام نادى الوزير حنان، فلم ترد عليه كعادتها ،وبحث عنه في كل مكان. وسمع هارون الرشيد ،فانزعج ،فلم تجد صديقتها بدّا من إخبار أبيها عن الحقيقة .
فخرج في حرسه مع الوزير حتى وصلا إلى الدكان ومن بعيد شاهدا حنان والفتى جالسين وهما يضحكان، وقد بدت عليهما السّعادة . فغضب الوزير وأمسك إبنته من أذنها ،وقال :ألم يكفك كلّ ما عندك في القصر من خير ونعمة ،لتبحثي عن صانع خباز !!! ثم إلتفت إلى الملك ،وقالّ لا بد من عقاب هذا الولد اللعين . لكنّ الملك تذكّر هذا الدّكان ،وقال :سبحان الله ،بعد سنوات ها أنا أرجع إلى هذا المكان ،هل هي مصادفة يا ترى ؟ إقترب الولد من الملك ،وقال له : يا مولاي أنا من أغريت حنان بالخروج ،ولا ذنب لها فيما حصل . ثم خلع قميصه ،وقال : مر رجالك بجلدي، فأنا أستحقّ العقاب !!! ولمّا رفع أحد الحرس سوطه، صاح هارون الرشيد: توقّف !!!
ثم طلب من الفتى أن يقترب، وقال له: أصدقني القول ،من أين حصلت على القلادة التي في عنقك ؟ أجاب الولد : إنّها لأبي أعطاها لأمّي ليلة عرسها ،ولقد خرجت أبحث عنه ،وقادتني قدماي إلى دكّان الخباز ،وباقي الحكاية تعرفونها !!! حضن الملك الولد، وقبّل رأسه ،وقال له : أنا أبوك ،والله لم أحزن قط أكثر من حزني على فراق أمّك ،و أنا لم أراها منذ أربعة عشر عاما ،وفي هذا الدّكان وجدنا ذلك المغني الذي حملني إليها ،وبعد ذلك إختفى ،ولم نعثر له عل أثر .
قال الولد: ذلك الرجل يظهر كلّ مرّة في مكان، وقد تجده مرّة في بغداد، ومرّة في الهند يسمع أغاني الإنس وعزفهم، وبعد منتصف الليل يذهب لمجلس ملك الجنّ، ويغنّي له ما سمع ،سأله بلهفة هل يمكنك أن تحملني إلى أمّك ؟ نظر إلى حنان ،وقال له : بشرط أن تزوّجني من تلك الفتاة . أجاب الملك :أعدك بذلك !!! قال الولد : والآن أغمض عينيك ،ولا تفتحهما حتى أقول لك ،بعد ساعة ،وجد الملك نفسه على شرفة القصر، والأميرة تنظر إليه والفرحة لا تسعها ،فأخيرا يمكنها أن ترفع رأسها أمام أبيها ،وقومها من الجنّ .وتزوج الولد من إبنة الوزير، وعاش الجميع في سعادة وهناء، وكلّ شيئ يفنى وينتهي إلا الحبّ فإنه يدوم مادام القلب لا يزال ينبض
…
إنتهت