نشاطات
وجهان ورجل واحد بقلم دلال احمد الدلال
وجهان ورجل واحد
ارتدت ثوبا أسودا من الدانتيل للسهرة وتألقت بخاتم وسوار من الماس ،على صدرها ترنح عقد ثمل من رائحة عطرها أبعطرها سَكِرَ؟ أم من جمال جيدها تبعثرت حباته على صدرها فبدا يحاكي لؤلؤ ثغرها وقرط يتوسد أذنها كعاشق مستسلم للنوم ترخي عليه ستائر شعرها اﻷسود الطويل لتفوح منه رائحة أزاهير صغيرة زاهية نبتت به ،وضعت القليل من مساحيق التجميل لتزيدها جماﻻ ،وبحذاء ﻻمع جذاب يبرز أصابعها الدقيقة خطت خطوات رشيقة نحو المنضدة المحجوزة لعائلتها بأكبر فندق بالعاصمة لحضور حفل زفاف ابنة أحد القادة ،جذب زوجها الكرسي لتجلس عليه فكانت كفراشة حالمة تجذب نظر الحضور نحوها وبنظرة سريعة أخذت عيناها تجوب القاعة لتتعرف على الموجودين فتومأ برأسها لتلك وذاك كتعبير عن التحية وتمد يدها برقة لتسلم على هذا وتقف لتسلم على هذه وسط موسيقى هادئة وهمهمات المدعوين الذين مَلّوا لتأخر العروسين ،بلفتة غير مقصوده وقع نظرها على رجل يجلس بالمنضدة المجاورة لها مع ثلاث سيدات جميلات أنيقات واضح أن المرأة التي بجواره هي زوجته ثرثارة ﻻ تكف عن الكﻻم وحينما توجه له الكلام ﻻ يعيرها انتباها فتستدير نحو السيدتين وتوجه لهما الكلام فتتعالى ضحكاتهن بينما هو صامت كتمثال رخامي ﻻيعبأ بالحديث أو كشاهد قبر تصلبت يداه على هاتفه وشخصت عيناه على شاشته وكأنه بعالم آخر غير الذي نعيشه ، شعر زوجها بشرودها فمد يده وأخذ وردة من المزهرية التي أمامه وأهداها أياها فابتسمت برقة وعذوبة وبررت شرودها لملل أصابها بسبب تأخر العروسان بدأت القاعة بالازدحام واﻷصوات تعلو ومازلت تختلس النظرات نحو هذا الشخص الساكن بكوكب آخر بينما من يجلسن معه يتصورن “سلفي” وتتعالى ضحكاتهن ،وفجأة تذكرته عندما لمحت صورة “بروفيله”وصورة الغلاف ،أخذت تتفرس فيه بنظرات قاسية وقد زمت شفتيها وكأنها توصلت لحل لغز صعب ..نعم إنه هو (شاعر اﻷحزان) هذا لقبه على “الفيس بوك “ولكن كيف ذلك وهذا الشاعر إنسان رقيق ﻻ يكتب إﻻ برقة متناهية عن المرأة ؛قطع تفكيرها دخول العروسان للقاعة وسط التصفيق والزغاريد التفت الجميع نحوهما وبدأت الموسيقى الهادئة تعزف ليرقص العروسان رقصتهما اﻷولى ،خفتت اﻷضواء وبدأت كل واحدة تتمتم بأذن اﻷخرى عن جمال العروس وثوبها اﻷنيق وكم تكلف وعن سفر العريس بعد أيام قلائل أحاديث وهمهمات وسط ابتسامات مصطنعه وأيادي تخبئ شفاه يتسلل منها أفاعي تغتاب ،كل هذا لم يعنيها فعينيها شاخصتين نحوه في عجب من أمره فهو لم ينتبه لدخول العروسين وﻻ للموسيقى التي بدأت في الصخب،حضرت أم العروسة لترحب بالمدعوين وحينما وصلت لمنضدتها قبلتها بوجنتيها فهما صديقتان وكان من الطبيعي أن تسألها عن المدعوين فسألتها عن هذا الرجل الصامت المنشغل بهاتفه فقالت لها أنه مسؤول كبير بالدولة فقالت لها : ولكني أظنه شاعرا فضحكت ضحكة ساخرة وقالت :هو أبعد ما يكون عن الشعر والغناء فمنصبه يجعله حادا في التعامل ؛هو جاد ويكره التواجد بالحفلات لوﻻ أن العريس ابن زميل له ، عادت لتجلس بمكانها وعينيها مسلطتين عليه كمرآة في نور الشمس تثير انتباهه ،التفت فجاة نحوها ثم عاد لشاشة الهاتف ؛التي جذبته أكثر من مرآتها فقررت أن تتأكد من ظنها، أخرجت هاتفها من الحقيبة وأرسلت له رسالة بها كلمات بسيطة تشيد فيها بإحدى قصائده كمعجبة من المعجبات بفنه ،وفجأة سقط هاتفه من بين يديه على اﻷرض فمد يده يتناوله وإذا بعينيه تلتقي بعينيها فابتسمت له مما جعله يرتبك ويسقط الهاتف مرة آخرى وكأن صاعقة أصابته فاستدارت ناحية العروس وهي تخفي ابتسامة خبيثة لتقرأ رده على رسالتها واعتذاره عن كتابة الرد لسقوط هاتفه على اﻷرض فردت عليه بضحكه هههههههههه لم يفهم معناها ثم كتب ماذا تعني تلك الضحكة؟ من أنت؟أين انت؟ فهو ﻻ يعرف سوى اسمها على “الفيس بوك”(ساحرة الكلمات) ثم أغلقت “الشات “واختفت فبدا عليه الارتباك والعصبية حتى نهاية الحفل وحينما بدأ الجميع في الانصراف استدار زوجها ليسلم على معالي ” الباشا…!!!!!!!” بينما هي تسلم على زوجته ثم مدت يدها لتصافحه فهمست برقة ليسمعها وحده تشرفت بوجودى بينكم (شاعر اﻷحزان) أنا (ساحرة الكلمات) القت الكلمات كقنبلة موقوته ثم ابتسمت واستدارت ناحية زوجها تتأبط ذراعه بخطوات واثقة فقد كشفت له عن وجهه اﻵخر الوجه الباسم والقلب النابض باﻻحساس المرهف أما هو فقد اتسعت حدقة عينيه وتعثرت الكلمات على شفتيه ووجد نفسه شبه عاري ﻻيستطيع خلع الزي الرسمي الذي لم يعد يستر مشاعره ولا يستطيع الإختباء خلف تلك الشاشة الزجاجية التي تفضح كل من خلفها وبدأت الأوراق في التساقط لتبدو الشجرة عارية حين زارها الخريف
النهاية