مقالات
قَلْبِي مَعَهُ! أ. د. لطفي منصور
هَجَرَ الْحَبِيبُ وَصَمَتَ، لَكِنَّ قَلْبِي مَعَهُ.
قَسا وَجَفا وَشَكا لَكِنَّ قَلْبي مَعَهُ.
سافَرَ وَأَبْعَدَ وَاخْتَفَى لَكِنَّ قَلْبِي مَعَهُ.
أَبْغَضَ، كَرِهَ، مَلَّ، شَغِبَ لَكِنَّ قَلْبِي مَعَهُ.
سَبَّ شَتَمَ، عَيَّرَ، سَخِرَ لَكِنَّ قَلْبِي مَعَهُ.
سِنُونَ مَرَّتْ مَلَكَ بِها قَلْبِي، فَقَفَزَ مِنْ صَدْرِي وَتَبِعَهُ في حِلِّهِ وَتَرْحالِهِ، في نَوْمِهٍ وَيَقَظَتِهِ، في نافِجَةِ قَلَمِهِ، وَبَيْنَ أَسْطُرِ كُِتابِهِ قَلْبِي مَعَهُ.
أَصْبَحْتُ بِلا قَلْبٍ. لَوْ وَقَفَ الْأنامُ أَمامي لا أُحِسُّ بِهِمْ، وَلَوْ تَقَرَّبُوا وَأَكْبَرُوا وَداعَبُوا لا أَكْتَرِثُ بِهِمْ.
أَتَعْرِفُونَ ما مَعْنَى إنْسانٍ بِلا قَلْبٍ كَسَفينَةٍ بِلا ماءٍ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ جَريرٍ عِنْدَما سُلِبَ قَلْبُهُ:
– يا أُمَّ عَمْرٍ جَزاكِ اللَّهُ مَغْفِرَةً
رُدِّي عَلَيَّ فُؤادِي حَيْثُما كانا
– لا تَأْخُذِينَ فُؤادِي تَلْعَبِينَ بِهِ
فَكَيْفَ يَلْعَبُ بِالْإنْسانِ إنْسانا
مَهْما تَجَهَّمْتَ أَيُّها السّارِقُ قَلْبِي، وَعَقَدْتَ طَيّاتِ جَبِينِكَ،
وَتَنَكَّرْتَ لِمَشاعِرِ وَلِهٍ، وَأَصْبَحَ أَداةً بِيَدِكَ، تَلْهُو بِهِ كَما يَلْهو طِفْلٌ بِعُصْفُورٍ أَوْقَعَهُ الْقَدَرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَلْبُهُ مَعَكَ، وَعَذابُهُ يَتَفاقَمُ كُلَّ يَوٍمٍ، وَكُلَّ ساعَةٍ، فَهُوَ دَنِفٌ مُضْنًى. أَفَلا تَرْعَوِي؟
أَلا قاتَلَ اللَّهُ الْعِشْقَ الَّذِي يُذِيبُ الْقُلُوبَ، وَيُلْهِبُ الْحَشايا وَيُذِلُّ النُّفُوسَ. لَكِنَّ اللَّهَ خَلَقَ فينا قُلُوبًا مُتَقَلِّبَةً، مُتَمَرِّدَةً عَلَى الْعَقْلِ ، وَخَلَقَ لَنا نَظَرًا. فما ذَنْبُنا إنْ كانَ فينا قُلُوبٌ وَذَوْقٌ وَنَظَرْ؟