ثقافه وفكر حر
الثقافة الفلسطينيّة تاريخٍ كفاحيّ متراكم، قوامُه استعادةُ الوطن (أ.د. حنا عيسى)
(ليست الثقافة أن تقول شيئاً جميلاً، وتعمي غيرك بنورك الذي تملكه، انما أن تكون أنت النور الذي يجعل غيرك يهتدي بخير ما تملكه. لهذا السبب، تمنحنا الجدران الخصوصية وتقينا من البرد وتحافظ على الدفء، لكنها كذلك هيكل الثقافة، عليها توضع رفوف الكتب وتعلّق اللوحات.. إن تلك هي وظيفة الجدار الأساسية: خدمة الثقافة، أما البرد فله المعاطف)
تعريف الثقافة:
الثقافة هي كلمة عريقة في العربية، تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس: وثقف نفسه، أي صار حاذقاً خفيفاً فطناً، وثقفه تثقيفاً أي سواه، وثقف الرمح، تعني سواه وقومه. ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. وإجمالاً فإن الثقافة هي كل مركب يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
والثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع. ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع ، تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه كنوع الطعام الذي يأكلون ، ونوع الملابس التي يرتدون ، والطريقة التي يتكلمون بها ، والألعاب الرياضية التي يمارسونها والأبطال التاريخيين الذين خلدوا في ضمائرهم ، والرموز التي يتخذونها للإفصاح عن مكنونات أنفسهم ونحو ذلك .
والثقافة بمفهومها العام عملية تفكير جماعية، ومنها يبرز أحد أدوار المثقف، الباحث والمجتهد، في الجماعة السياسيّة، فتدرك الأمّةُ أهميّته، وتفْهم جانبًا من صنعته المرهقة. ونتيجةً لذلك تنفتح على جديد الثقافة، وتتقبّل بشكل أفضل ما تجريه من تغيير على وعيها بالعموم ووعيها لذاتها بالخصوص.
وتعرف الثقافة بأنها التراث الفكري الذي تتميز به الأمم عن بعضها البعض بشكل أو بآخر وذلك لما يتمتع به كل مجتمع من خصائص وظروف جغرافية وتاريخية ومناخية وعقائدية. فثقافة أي مجتمع تعتبر هوية له في التعامل مع الثقافات الاخرى وهي التي تجعله قادر علي الحضور والتواصل مع مختلف البيئات وقابل للتحاور والتماهي مع الثقافات العالمية.
اما تعريف الثقافة الوطنية هي المعتقدات والقيم والتعبيرات التي هي محصلة ما هو موجود في المجتمع فعلاً، فهي نتاج للواقع الذي يعيشه هذا المجتمع، فهي حقيقة اجتماعية معاشة ومشاهدة.
فالثقافة الوطنية تجمع ولا تفرق وتوحد الناس على حب بلدهم وتعزز الانتماء لهم وعلى التفاني في العمل لرفعته لان رفعته هو رفعة لكل إنسان في المجتمع.
والأوطان جميعاً تتكون من قوميات وأديان ومذاهب ومعتقدات كونته وتكونت فيه على امتداد الالاف السنين فليس من المنطق أو من الممكن أن نلغي كل هذه المكونات أو نجبر أي مجتمع كان على تركها، فالمواطنة هي ظاهره وعلاقه اجتماعية. فالمثقف الوطني يتحمل أعباء كبيرة فيما يفسده المجتمع ويعمل على إصلاحها ولا يمكن ولا يليق به كمثقف وطني أن يكون نشاذاُ لابد أن يبتعد عن الدعوة للقبلية والمحسوبية وينادي بالقومية الوطنية وحقوق المواطنة التي يتساوى فيها المواطنين جميعً دون تمييز، لا بد أن يكون حديثه ذو أهداف وطنيه ويعمل على إحياء الثقافة الوطنية حتى لا تكون وليمة للفتن والأطماع الدولية.
فإنه يمكن استخدام كلمة “ثقافة” في التعبير عن أحد المعاني الثلاثة الأساسية التالية:
• التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
• نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
• مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرني الثامن عشر والتاسع عشر، حيث كان يشير إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة. أما في القرن التاسع عشر، أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو تعديل المهارات الفردية للإنسان، لا سيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومي وقيم عليا. إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح “الثقافة” للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم، وبحلول القرن العشرين، برز مصطلح “الثقافة” للعيان ليصبح مفهوما أساسيا في علم الانثروبولوجيا، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية.
*خصائص الثقافة:
1. الثقافة اكتساب إنساني عن طريق مفهوم التنشئة الثقافية.
2. أن الشخص يحصل على الثقافة باعتباره فرد في المجتمع. فالحياة الاجتماعية تُصير صعبة ومستحيلة من غير العلاقات والتبادل والتواصل والتفاهم والممارسات المتبادلة التي يشارك فيها الأفراد والمجتمع جميعاً.
3. أن الثقافة حقل معقد تتمثل وحداته بما يطلق عليه الصفات أو السمات الثقافية. وهي قد تشتمل على أماكن المقابر المتعارف عليها، أو بعض الماكينات والآلات، كالمحراث مثلاً، أو إيماءة، كالمصافحة بالأيدي. وتسمى الصفات المتقاربة بالنمط الثقافي. كالتقاليد السابقة للزواج كالتعارف والتودد.
4. الثقافة ذات خاصية مادية ومعنوية معا: ثقافة المجتمع تحدد نمط وأسلوب الحياة في هذا المجتمع والعناصر المادية هي عبارة عن تلك العناصر التي أتت نتيجة للجهد الإنساني العقلي والفكري وفي نفس الوقت لا تكتسب الثقافة وظيفتها ومعناها إلا بما يحيطها من معاني وأفكار واتجاهات ومعارف وعادات هذا فضلا عن أن العناصر المادية تؤثر بدورها في مفاهيم الأفراد وقيمهم واتجاهاتهم وعلاقاتهم أي أن الإحالة متبادلة بين العناصر المادية واللامادية داخل البناء الثقافي ومن ثم فإن البناء الثقافي يشمل العنصرين معا في آن واحد.
5. الثقافة عضوية: إذا كانت الثقافة تشتمل على العناصر المادية واللامادية معا فإن كلا من العناصر المادية وغير المادية يرتبط بعضها ببعض ارتباط عضوياً فيؤثر كل عضو في غيره من العناصر كما يتأثر به فالنظام الاقتصادي يتأثر بالنظام السياسي والعكس صحيح كما أن النظام التعليمي يتأثر بالنظامين معا ويؤثر فيهما ومن جهة ثانية فإن العادات والتقاليد تؤثر في نظام الأسرة من حيث طريقة الزواج والعلاقة بين الكبير والصغير وإذا تغير أي عنصر من هذه العناصر فإنه سيتبعه تغيراً حتمياً في النظم الأخرى أضف إلي هذا أن التغير في أساليب المعيشة يتبعه تغييرا في القيم والعادات ومن ثم فإن عناصر الثقافة يرتبط بعضها بالبعض ارتباطا عضويا يتسم هذا الارتباط بالديناميكية وليس بالاستاتيكية .
6. الثقافة مكتسبة: الثقافة ليست فطرية في الإنسان بل يتعلمها الأفراد وينقلونها من جيل إلى جيل ويخطئ من يذهب إلى اعتبار الثقافة فطرية في الإنسان يكتسب الثقافة منذ سنواته الأولى حتى تصبح جزءا من شخصيته كما يصبح هو عنصرا من عناصر هذه الثقافة.
7. الثقافة تراكمية: تتميز بعض عناصر الثقافة بالتراكم ذلك أن الإنسان يبدأ دائما من حيث انتهت الأجيال الأخرى وما تركته من تراث وبتراكم الجوانب المختلفة تتطور بعض جوانب الثقافة وتختلف درجة التراكم والتطور من عنصر إلي آخر.
8. إمكانية انتقال عناصر الثقافة بالاحتكاك: فكلما زاد الاحتكاك والتعامل بين مجتمع وآخر كلما زادت درجة الانتقال الثقافي بين هذين المجتمعين ولكن المجتمع ذو الثقافة الأقوى والأفضل يؤثر بدرجة أكبر في المجتمع ذي الثقافة الأقل نجاحا وقوة وبالتالي فالثقافة ديناميكية متغيرة.
مكونات الثقافة:
1. المكونات المادية: وهي كل ما يستعمله الإنسان في حياته اليومية من أساس ومسكن وملبس ومباني وغيرها.
2. المكونات الفكرية: وهي تشتمل على اللغة والفن والدين والعلم وغيرها.
3. المكونات الاجتماعية: وهي البناء الاجتماعي وهو هيكل المجموعة الاجتماعية من الناس.
فوائد الثقافة:
1- تكسب أفراد المجتمع شعورا الوحدة وتهيئ لهم سبل العيش والعمل دون إعاقة واضطراب.
2- تمد الأفراد بمجموعة من الأنماط السلوكية فيما يتعلق بإشباع حاجاتهم البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس ليحافظوا على بقائهم واستمرارهم.
3- تمدهم بمجموعة القوانين والأنظمة التي تتيح لهم سبل التعاون والتكيف مع المواقف الحياتية وتيسر سبل التفاعل الاجتماعي بدون أن يحدث هناك نوع من الصراع أو الاضطراب.
4- تجعل الفرد يقدر الدور التربوي الذي قامت وتقوم به ثقافته حق التقدير خاصة إذا اختبر ثقافة أخرى غير ثقافته من عادات وتقاليد تطغى على وجوده.
5- تقدم للفرد مجموعة من المشكلات التي أوجدت لها الحلول المناسبة وبذلك توفر عليه الجهد والوقت بالبحث عن حلول تلك المشكلات.
6- تقدم للفرد تفسيرات تقليدية مألوفة بالنسبة لثقافته يستطيع أن يحدد شكل سلوكه على ضوئها فهي توفر له المعاني والمعايير التي بها يميزون بين الأشياء والأحداث صحيحة كانت أم خاطئة عادية أو شاذة وهي أيضا تنمي لدى الفرد شعورا بالانتماء أو الولاء فتربطه بمجتمعه رابطه الشعور الواحد.
ويعتبر شعبنا الفلسطيني من أكثر الشعوب ثقافة وطنية، لأننا بثقافتنا الوطنية وبمعرفتنا الكاملة بموروثنا الثقافي نستطيع محاكاة الجميع، فالاحتلال الإسرائيلي سرق جزء كبير من موروثنا الثقافي وعمل على تهويدها وتغيير أسماء الأماكن المقدسة حتى يجد له مكاناً على هذه الأرض ويثبت للعالم أن هذه الأرض ملك أجداده منذ الاف السنين، خاصة وأنه يمتلك وسائل إعلامية تعمل على تزوير الحقائق، فنحن لا نخشى من اندثار تراثنا الوطني بقدر ما نخشى سرقته من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وتعتبر الثقافة الوطنية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني على مر التاريخ والعصور، مما لابد من الإشارة إليه أن بدء ظهور المجلات والملاحق الثقافية في فلسطين يعود إلى عام 1905؛ حيث الاهتمام بنشر كتابات المثقفين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي الشتات، إضافة إلى ما ينتجه الكثير من المثقفين وكبار الكتاب والشعراء والأدباء العرب المناصرين للقضية الفلسطينية.
وقد شكلت الديانات السماوية التي ظهرت أو انتشرت منذ بداياتها على أرض فلسطين وكذلك المساهمات الحضارية للشعب الفلسطيني في التجارة عبر البحار والزراعة المتطورة عناصر هامة في نشر الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية، وكذلك في امتزاجها بثقافات مختلف الشعوب في العالم. حيث كانت فلسطين محط أنظار المؤمنين من المسيحيين من شعوب العالم قبل ألفي عام والقبلة الأولى للمسلمين قبل ألف وأربعمائة عام ونيف. وصارت فلسطين غذاء الروح والعقل والفكر لأعداد هائلة من الكتاب والشعراء والمفكرين والعلماء، وحطت الرحال بأعداد كبيرة منهم في مدن فلسطين وقراها، في وديانها وقمم جبالها وسهولها وشواطئها. وعلى مر العصور عانت فلسطين من الغزو والاحتلال والحروب، والتقت على أرضها في يوم واحد جيوش دول غريبة عن بعضها البعض، جمعتها أطماع واحلام وطموحات، وتفرقت مهزومة امام صمود الشعب الفلسطيني والمؤمنين من حوله بعروبة فلسطين. حيث حدث هذا في التاريخ مراراً وتكررت الهزائم وتكرر الفوز وبقيت فلسطين أرضاً ومهداً للديانات والحضارات والتقدم ومنهلا للفكر والعقيدة وقلباً مفتوحاً للتآخي والتسامح والسلام.
وتعرّف الثقافة الفلسطينيّة بتاريخٍ كفاحيّ متراكم، قوامُه استعادةُ الوطن الذي كان، والبرهنةُ على أنّ “ما كان” قابلٌ للاسترداد. ومع أنّ التعريف يمرّ على “الأرض التي أورق فيها الحجر،” كما قال محمود درويش الشابّ، فإنّه يبدأ من “القضيّة” قبل أن يشير إلى المكان المشتهى، ذلك أنّ معنى الوطن من معنى الإنسان الذي يدافع عنه، وأنّ القضايا الكبيرة جميعَها تبدأ من الإنسان، لا من الأرض أو الحجر.
وكانت فلسطين بأرضها وشعبها ودياناتها وثقافتها ملهماً ومنهلا لكبار الكتاب والشعراء والرحالة، ومنهم الروس الذين وصل إليها منهم كثير، كتبوا فيها قصائدهم الخالدة ومذكراتهم الشيقة المثيرة – وكتب عنها غيرهم كثر ممن حلموا بها ولم تسعفهم الحياة بزيارتها. (بوشكين، ليرمونتوف، تولستوي وراسبوتين…الخ) وكتاب وأدباء من مختلف بلدان أوروبا ومن أسيا وأفريقيا. وفي ظل الثقافة الفلسطينية وفي حضنها نشأ أروع وأصدق الشعراء والكتاب من أبنائها … محمود درويش وسميح القاسم وإميل حبيبي وعبد الرحيم محمود وتوفيق زياد وغسان كنفاني وابراهيم طوقان وغيرهم الكثير الكثير.. ومن المفكرين ايضا الكثير الكثير وليس ادوارد سعيد اولهم او اخرهم.. وترجمت أعمالهم الشعرية والنثرية إلى العديد من لغات العالم فأغنوا بها ثقافات تلك الشعوب وعمقوا بها لغة الحوار والسلام.