مقالات

الشكر لله

عبد الحفيظ الندوي

الشكر لله تعالى عبادة عظيمة ومقام رفيع يليق بالمؤمن الذي يتأمل في نعم الله التي لا تُحصى ولا تُعد، قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18]. فالمؤمن حين يستحضر هذه النعم الجليلة يجد نفسه مدفوعًا إلى الاعتراف بفضل الله قلبًا، والثناء عليه لسانًا، وتسخير الجوارح في طاعته عملًا. وهذا هو معنى الشكر الجامع الذي بيّنه أهل العلم: فهو معرفة القلب للنعمة ومنعمها، ونطق اللسان بالثناء والاعتراف، واستعمال النعمة في مرضاة الله.

وقد وعد الله تعالى الشاكرين بالزيادة والبركة، فقال في كتابه الكريم: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]، وهذا وعد صادق من رب كريم لا يتخلف. بل إن أعظم النعم التي تستحق الشكر هي نعمة الهداية إلى الإسلام، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. ومن هنا كان الفرح بالدين والقرآن والشريعة هو ذروة الشكر وأساسه.

وقد بيَّن النبي ﷺ منزلة الشكر حين قال: «مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللَّهَ» [رواه الترمذي]، فشكر الخلق باب من أبواب شكر الخالق، إذ فيه اعتراف بالجميل ورد للإحسان. كما قال ﷺ في حديث آخر يبيّن موقف المؤمن: «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّه له خيرٌ؛ إن أصابته سرَّاءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له» [رواه مسلم]. فهذا الحديث يبرز أن حياة المؤمن دائرة بين الشكر والصبر، وكلاهما خير له في الدنيا والآخرة.

إن الشكر ليس مجرد ألفاظ تُقال، بل هو منهج حياة متكامل يربط العبد بربه ويجعله يعيش في رضا دائم. فهو يحول النعمة إلى وسيلة قرب، والبلاء إلى سلّم رفعة، فيظل المؤمن شاكرًا ذاكرًا مطمئن القلب. ومن ثمرات الشكر أنه يجلب رضا الله ويفتح أبواب مزيد من عطائه، كما يورث صاحبه محبة الناس وقبولهم.

فيا من أنعم الله عليك بنعمة الإسلام والصحة والأمن والرزق، لا تنس أن تحفظ هذه النعم بالشكر، فبالشكر تدوم النعم وتزداد، وبالغفلة والجحود تزول وتتحول. نسأل الله أن يجعلنا من عباده الشاكرين الذاكرين، وأن يرزقنا الفردوس الأعلى بفضله ورحمته.

إغلاق