عالم المراة

القاضية أميرة العمري الأمينة العامة للإتحاد العربي للقضاة تكتب لـ ” وكالة أخبار المرأة ” في الإتحاد قوة

الإنسان وليد حلم ..بل ما الإنسان إلا حلم هو كنه وجوده ومعنى حياته..هكذا هو بالنسبة لي..
من السهل أن نحلم..أن نتمنى وأن نرجو..من الهيّن التأمل في الفراغ وملؤه بسراب من الإنجازات التي نأمل تحقيقها..
لكن من الصعب التمسك بتلك الأحلام..ومن الأصعب تجسيدها واقعا ملموسا..
لكني لم أؤمن يوما بالمستحيل..ولم أقتنع أبدا بأننا عاجزون أو غير قادرين على إفتكاك الحلم من بين ثنايا الخيال وانتزاعه من الأشواك التي زرعت عمدا حوله وغرسه على أرض الواقع..
وما الإتحاد العربي للقضاة إلا حلم عزيز تشاركته مع ثلّة من القضاة الأفاضل وعملنا سويّة على تحقيقه..وهو ما كان بالفعل ..وتحقق الحلم ” القضائي العربي ” يوم 22 سبتمبر 2018..
هذا الإتحاد العربي للقضاة هو رابطة متينة جمعت الهياكل القضائية العربية لعدّة دول تمثلت في تونس وفلسطين والمغرب ولبنان والسودان وموريتانيا وليبيا والعراق واليمن مع حضور قاض مفوض من سلطنة عمان ، وهو أول هيكل قضائي عربي إقليمي مقره الرسمي في تونس.. وهذا حتما فخر للدولة التونسية أن تكون منارة قضائية عربية وأن تكون وجهة للقضاة العرب المُنادين بالإستقلالية والمتمسكين بقيم الحق والعدالة والحرية .. وهنا لا يفوتني أن أشكر كل زملائي القضاة العرب على ثقتهم في الدولة التونسية وعلى تأمينها طموحاتهم ومجهوداتهم في تحقيق الأهداف القضائية والحقوقية التي يعملون لأجلها صلب الإتحاد.
وحقيقة لا أبالغ إن قلت أن تأسيس الإتحاد كان تحدّيا لكلمة مستحيل وتمرّدا على الإدعاء السائد بأن القضاة الشباب غير قادرون على تغيير الواقع والموجود وبأنهم لا يملكون من الكفاءات والمهارات والخصال التي تخول لهم تحقيق ما لم يتمكن من سبقوهم من فعله..
كنت مؤمنة من الأول أننا سننجح..تحدّيت وبشدّة كل العراقيل والعوائق البشرية والمادية سواء في تونس أو خارجها..فالغاية التي أطمح إليها عظيمة لكن إرادتنا أعظم وآمالنا أكبر..
كنت من بين مجموعة من القضاة الذين سافروا بدءا لليبيا سنة 2018 رغما عن الحرب والأوضاع الأمنية غير المستقرة هناك..تحدّيت كل الظروف ولم أتراجع للحظة عن حضور ورشة علمية هناك حول دور الهياكل القضائية في دعم إستقلال القضاء التي تمخضت عنها توصية فكرة تأسيس إتحاد عربي للقضاة..فحماسي للمشروع هو الذي حدا بي إلى السفر وإيماني بأنني قادرة على تحقيق الفكرة والخروج بها إلى أرض الواقع هو الذي حثّني على التواجد…
واُنطلق الحلم بعدها مع زملائي القضاة وعملنا دون هوادة على سن نظام أساسي للإتحاد وتنظيم مؤتمر تأسيسي له رفضنا تمويله من أية دولة ومن أية جهة كانت داخلية أو خارجية حتى يكون الإتحاد مستقلا منذ ولادته لا رقيب ولا سلطان عليه غير تلك الأهداف السامية التي تظمنها نظامه..
وهكذا كان التأسيس من المساهمات الخاصة للقضاة العرب الذين تنقلوا إلى تونس على نفقتهم الخاصة وانعقد المؤتمر التأسيسي ليوم واحد على امتداد إثني عشر ساعة تقريبا دون إنقطاع وكان ختام أعماله الإعلان عن ولادة الإتحاد العربي للقضاة الذي يمثل صفحة مضيئة في تاريخ القضاء العربي وعلامة فارقة في مسار النضال القضائي العربي المشترك..فالهمّ واحد والمطلب واحد والوجع واحد والأمل المنشود واحد..لذا باُتحادنا سنعمل على تعزيز خبراتنا والنهل من تجارب بعضنا البعض وتوحيد التصورات القضائية وفقا لخصوصية المنطقة العربية ..
لا جدال أن صوت القاضي العربي ،بفضل الإتحاد العربي للقضاة ، أصبح اليوم مدوّيا ومسموعا من المحيط إلى الخليج..وهو ما يفضي بالضرورة إلى مزيد تسليط الضوء على العراقيل والضغوطات التي يعيشها القاضي الوطني والخروج به من بوتقة الإنغلاق وتحريره من أغلال الإنعزال عما يحدث في القضاء العربي..
إنها الآن مسؤولية عربية مشتركة وهو حلم قضائي واحد في تكريس قضاء عربي مستقل وقوي وعادل..
نجحنا ولأول مرة في التاريخ القضائي العربي في تجميع القضاة من المحيط إلى الخليج وفي إعلاء راية الوحدة القضائية العربية ، ولن أخفيكم سرّا لما أفصح أن طريق التأسيس كان ملأى ألغاما وعراقيل لكن الإرادة الصادقة والإيمان الحق بما نفعل جعلنا لا نتراجع ونمضي قدما في مسار نبيل ، مشرّف وشجاع..
وصدقا لا أخفيكم فخري واعتزازي الكبيرين بأن أكون جزءا من هذا الإنجاز التاريخي ولا أن أحجم سعادتي بنيل ثقة جميع الزملاء العرب في التكليف الذي نلته بأن أكون الأمينة العامة للإتحاد العربي للقضاة ، فهذا حتما شرف لي بأن أكون أول قاضية تونسية شابة تنال هذه المسؤولية على المستوى العربي الإقليمي..وحقيقة أشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي ، فأنا لا فقط الأمينة العامة للإتحاد العربي للقضاة بل في جزء ما و بطريقة ما أشعر بأني أمينة على أحلام وتطلعات زملائي القضاة العرب وبأني أتحمل بمعيتهم مصير هيكل قضائي عربي ولد عملاقا بأفكار وآمال وتطلعات القضاة فيه..
الطريق لا تزال طويلة ولأننا نؤمن فعلا بما نفعل ونعي ما نقول سننجح وسنحقق ما نصبو إليه من أهداف نبيلة ولو بعد حين..
لا أؤمن بكلمة مستحيل ولا مكان لها في معجمي وقاموسي..غامرت في شرف مروم..ولن أقنع بما دون النجوم…
* قاضية ناحية تونس والأمينة العامة للإتحاد العربي للقضاة
وكالة أخبار المراة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق