مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #التّفاح_الحباري الجزء السابع والنهايه

لمّا رأى قادة الجيش ما حلّ بالملك وإبنته ،قالوا هذه لعنة من السّاحرة وإبنتها !!! ولمّا ذهبوا إلى الخيمة ليقتلوهما ،وجدوا الجنود نياما على الأرض، ولا أثر لهما .فقالوا : سنقتسم المملكة فيما بيننا ،ونرحل بسرعة ،قبل أن تظهران من جديد وتنتقمان منا ،أمّا الملك وسميّة فسنتركهما هنا ،فهما ملعونان ،ولم يكن المجيئ إلى هنا لمطاردة السّحرة فكرة جّيدة .
ثم قلعوا خيامهم ،ورحلوا بسرعة ،كان جمال الدين وأباه يتفرجان من فوق الأسوار ،وقد لاحت عليها الغبطة لانتصارهما ،قال الأب: هذه المرة لن يرجعوا لغزونا ،فلقد تبعثر أمرهم ،ودون ملك قوي لا يمكنهم أن يتجمّعوا من جديد!!! أمّا الآن فأريد  رؤية جاريتك قمر لأشكرها ،فلقد قامت بمفردها بما عجزت أنا عليه ،وبعد عدّة حروب معهم ،اضطررت لمهادنتهم، وتزويجك إبنة ملكهم، حقا إنّها صبيّة رائعة، فلقد أحببتها منذ أن رأيتها أوّل مرة !!! إسمع: لقد كان لجدّتك قلادة ثمينة من اللؤلؤ ،احتفظت بها طول حياتي ،سأهديها لها ،فلا أحد يستحقّها غيرها .
في الليل رأت قمر في حلمها امرأة تغنّي ،ولمّا أفاقت في الصّباح ،قالت: يا له من حلم غريب ،فلقد كان وجهها حزينا ،ولم أنس ذلك اللّحن، فلا يزال صداه في آذنيّ ،لكن من تكون ؟ ذهبت إلى السّاحرة ،وسألتها عن تلك الامرأة ،فقالت لها :سيحدث شيئ متعلّق بالماضي ،لا أقدر أن أقول لك بالضّبط ماهو !!!
بعد أيام كانت قمر تتجول في حديقة القصر ،وإذا بها ترى حمامتين واقفتين على أحد الأغصان ،وقد لاح عليهما التّعب ،قالت الأولى للثانية :لقد إمتلأت الغابة بالعقبان والحدأ، ولم يعد يمكننا أن نأكل طعامنا بسلام !!! سألتها الثّانية :ماذا حصل لتكثر هذه الجوارح عندنا ؟ أجابتها: لقد قطع أهل قرى الجبل الأبيض الأشجار العالية ،ليزرعوا مكانها الزيتون ، لذلك جاءت  ،وعشّشت هنا .
إستمعت قمر باهتمام،فلقد صارت تفهم لغتهم، وقالت :قد يكون لذلك علاقة بالحلم ،وبالماضي الذي سيعود، فلقد ربّتني حدأة على شجرة عالية ،غدا أذهب للغابة ،وأرى هناك ،ربما أجدها ،ومن السهل العثور عليها فهي لصّة تسرق كلّ ما تجده.
في الصّباح الباكر خرجت إلى الغابة ،وتعجبت من كثرة أعشاش الحدأ ،وقالت في نفسها :يبدو أنّ القوم أفرغوا الجبل من الأشجار ،لتأتي كلّ هذه الطيور إلى هنا !!! عليّ أن أطلب من جمال الدّين إرسال بعض غلمانه لينظروا وسط الأعشاش،فإن وجدوا أشياء لامعة في أحدها، فهو عشّها ،لكن لا شيئ مأكّد ،فرّبما ذهبت لمكان آخر ،أو ببساطة لم ترحل !!!
ولمّا كانت غارقة في التفكير سمعت من بعيد أصواتا غاضبة ،وأقدام تجري، ثم شاهدت طيرا يحمل شيئا في منقاره ،ويختفي بين الأشجار ،وبعد قليل شاهدت الناس يصيحون : ويحك أيّتها اللعينة، لو قبضنا عليك لنتفنا ريشك !!! لما إقتربوا منها ،سألوها إن مرّت بها حدأة ؟ فقالت : نعم ،لقد ذهبت من النّاحية الأخرى . ولمّا إبتعدوا جاءت إلى الشّجرة التي إختفت فيها الحدأة ،وقالت لها :بإمكانك الخروج ،فلقد أنقذتك منهم .
أطلّت الحدأة من العشّ ،ثم قالت : وهل تنتظرين مكافئة ؟ هيّا اغربي عن وجهي ،ردّت قمر :لم تتغيري ،فلسانك بقي قبيحا كعادته ،قالت الحدأة : صوتك ليس غريب عليّ، كأنّي أعرفك !!! دعني أفكّر قليلا، ثمّ قالت : هل يمكن أن تكونين قمر التي ربّيتها في عشّي ؟ تساقطت دموع البنت من عينيها ،وأجابت: نعم يا أمّي الحدأة ،أنا هي إبنتك….
…نزلت الحدأة من الشجرة ،وقبّلتها، وحضنتها ،ثم قالت :لقد ندمت لمّا طردتك وبحثت عنك في البراري كان من الأفضل لو أخذتك ورحلنا ،فلقد كثر الناس ،وانتهى بهم الأمر إلى قطع الأشجار ،ونبش أعشاشنا، وقتل فراخنا ،لقد مضت بضعة أشهر منذ فراقنا والآن أخبريني ماذا تفعلين فهنا ؟أجابتها قمر أنا سيّدة هذه الغابة وكل الأراضي والجبال التي حولك ،أجابت الحدأة إذن أنت الأميرة قالت قمر نعم ،وسأعرّفك على السّلطان جمال الدين ،والآن هيا اتبعيني إلى حديقة القصر .
لمّا وصلت نادت زوجها ،فأطل من الشرفة وسألها ما الأمر ؟ أجابته هناك مفاجأة في إنتظاك ولما نزل قالت له هل تتذكّر الحدأة التي أخبرتك أني كبرت في عشها ؟ رد نعم أذكرها جيدا ،قالت إنها هناك فوق ذلك الغصن وقد عثرت عليها في الغابة ،ثم قصّت عليه حكاية الحلم،تعجب السلطان وقال لها : إذن ستقودك إلى قريتك، وسترين أمك وأباك بعد كل هذه السنوات ؟ أجابته بفرح : نعم ،وقد وعدتني بذلك على شرط!!! سألها ما هو ؟ أجابت : أن تصنع لها عشا كبيرا في حديقتك ،وتملأه بالقطع الفضيّة ،ضحك، وقال: حسنا أنا موافق ،سآمر غدا بإعداد عربة ،ونتبع الحدأة .
في الفجر إنطلق الموكب ،كانت قمر متحمسة ،وتتساءل هل سيعرفان أنّني إبنتهما ؟ لا شك أنّهما نسياني بعد كل هذه السنوات !!! بعد الزوال وصلوا إلى الجبل الأبيض ،ولاحظت قمر أنّ الأشجار لم تعد كثيرة كما قبال وهناك كثير من المزارع الصغيرة ،واصلو تقدمهم حتى دخلوا أحد القرى وكانت الناس تنحني لتحية السلطان والأميرة ومن أحد النوافذ شاهدت قمر امرأة تغني بحزن :
أين أنت يا ابنتي
يا طعم التفاحة
يا وردتي الفوّاحة
خطفتك الحدأة
لم أرك تكبرين في داري
وتلعبين في السّاحة
حزينة من أجلك أنا
لم أعرف البهجة
لم أعش يوما مرتاحة
ليتني أراك يا قرة عيني
يا قمر الليل الجميل
والنّجمة الوضّاحة
لما إقتربت منها شهقت ،فلقد كانت نفس المرأة التي رأتها في حلمها ،وهذا اللحن كانت تسمعه في الظلام مع كلمات غامضة ،ولم تكن تعرف من أين تأتي هذه الأغنية ،والآن علمت أنّ أمّها هي من كانت تغنّيها كلّ ليلة ،وتسيل دموعها الحارّة على الأرض ،صاحت قمر :أمّي أنا هنا!!! لقد سمعت نداءك وجئتك ،توقفت المرأة عن الغناء ،وشاهدت أمامها بنتا جميلة، ومعها حدأة سوداء ،ففتحت الباب، وخرجت إليها، وهي تصيح إبنتي ..إبنتي، الحمد لله أنّني رأيتك قبل أن أموت .
ثمّ خرج رجل يتوكّأ على عصا ،ولما رآها ،وقف فجأة ،ورماها من يده ،وقال: منذ فراقك ،وأنا أعاني من المرض ،لكن اليوم شفاني الله. سمع أهل القرية بالقصة ،وجروا ليشاهدوا أميرتهم قمر التي حمل بها أبوها في جنبه ،وربّتها الحدأة ،رجعت قمر إلى القصر ،وأخذت معها أباها وأمها ،والحدأة التي ربتها وعاشوا معا في حبّ ووئام.
لكن في الغابة تسلّل شبح ،إنها سميّة اللعينة ،فلمّا تركها الجيش ،ومات أبوها من الهرم ،ذهبت إلى كوخ السّاحرة وسط الغابة،وفي مخبأ سري وجدت ذات يوم كل كتب السّحر القديمة ،فبدأت بقرائتها ،وبعد أشهر تعلّمت كلّ شيئ ،وقالت في نفسها : لقد حان الوقت للإنتقام يا قمر!!! هذه المرّة لن تهربي منّي …

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق