مقالات

شهية الإمبريالية من العثمانيين الجددمتابعة د بدران زيدان

  1. الخلفية والبعد التاريخي (مصر والهوية العربية):

بادئ ذي بدء وقبل البحث في خفايا الاتفاق الإسرائيلي- التركي أعود تاريخياً للوراء قليلاً، لنتذكر حكم الاتحاد والترقي لبلادنا العربية. ذلك النموذج المفتت للهوية العربية، ضمن كل ما تعنيه العروبة بطابعها المتماسك من معنى، الذي استبدل العصبية الدينية بالعصبية القومية الطورانية التركية.

وتستدرجنا الخلفية التاريخية إلى أول مشروع نهضوي وحدوي في التاريخ الحديث رسمه محمد علي باشا الألباني، الذي لم يُكتب لولادته بالظهور ورؤية الشمس رغم المخاض العسير. لقد أحبطته بريطانيا وفرضت عليه معاهدة لندن الأولى والثانية بين عامي (1840-1841)م، التي يمكن أن تكون الخليفة الأساسية لاتفاقية كامب ديفيد الثانية، لذلك من الممكن تسميتها (بكامب ديفيد الأولى).

جاء الزعيم جمال عبد الناصر وأعاد لمصر هويتها العربية، ليس برمزيتها بل بتطبيقها على أرض الواقع، فسماها الجمهورية العربية المصرية. ثم عاد من جديد لربط مشروع النهضة بالوحدة، فكانت الوحدة بين سوريا ومصر (الجمهورية العربية المتحدة عام 1958)م.

لكن هذا النهج وهذا التأسيس للهوية العربية وللقومية العربية، نسفه الرئيس أنور السادات بتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد الثانية (المعروفة بالأولى عام 1978م).

ومنذ ذلك الحين بدأ يسقط المركز المدافع عن حق العرب وحق مصر، لذلك اخترت البداية مصر، لأن الصهاينة بمشروع تفتيتهم “للشرق الأوسط”، يسمونها “رأس الافعى”، وهذا المشروع المعروف بوثيقة “كونفيم” أو مشروع برنارد لويس لتقسيم الأمة العربية الإسلامية كـ”إستراتيجية إسرائيلية للثمانينيات”.

كان واضحاً من خلال ما كتبه برنارد لويس عام 2004 ونشرته صحيفة “وول ستريت” أثناء دعوة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007 لمؤتمر أنابوليس للسلام قائلاً: “يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية الإسلامية، ووضع الأتراك والعرب والأكراد والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل”.

إذاً الهدف هو تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية الإسلامية: العراق، سوريا، لبنان، مصر، السودان، إيران، تركيا، أفغانستان، باكستان، السعودية، ودول الخليج العربي، وكذلك دول الشمال الإفريقي إلى مجموعة من المكونات والدويلات العرقية والدينية المذهبية والطائفية.

وقد أرفق بهذا المشروع مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه، تشمل جميع الدول العربية الإسلامية المرشحة للتفتيت، بوحي من مضمون تصريح بريجنسكي مستشار الأمن القومي، في عهد الرئيس جيمي كارتر، الذي اعتمد السياسة الناعمة في المنطقة العربية، بحجة تحقيق الديمقراطية ونشر السلام.

ولاتزال حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد هذه السياسة حتى يومنا هذا. حيث ظهرت  مدارس فكرية صهيو- أمريكية تدعو إلى سياسة الاحتواء عن طريق عقد صلح مع كيانها المصطنع لتضمن أمنه، ومتابعة تحقيق مصالحها باسمه وبفعله التطبيقي على أرض الواقع فكان الاتفاق “الإسرائيلي” –  التركي الذي شهده العالم مؤخراً.

2- وثائق أنونيموس شاهد تحضيري معاصر للاتفاق “الإسرائيلي”- التركي:

مجموعة من الوثائق التي نشرتها وكالة الأمن القومي الأمريكي “وثائق أنونيموس أو أنانيموس” 6/7/2013 الوثيقة الأولى عن بنيامين نتيناهو: “الإنجاز الأكبر لدولة إسرائيل اليوم هو بناء الأمل الفلسطيني بالسلام مع دولتنا، وبحسب شروطنا لا بد من شن حرب جديدة على قطاع غزة، تظهر مدى قوتنا وتعيد ميزان الرعب إلينا، فتقوي نظرية فتح للسلام مقابل حماس للحرب”.

في الوثيقة الثانية بين الموساد وتركيا: “إن استرجاع دور تركيا العظيمة، هدف لكم، لا بد من تذويب كل العصابات التي تدعو إلى التحرر وتحارب مبدأ تركيا”.

والهدف من ذلك حسب قول نتنياهو: “حماس تستطيع أن تصمد بوجهنا إذا استمر دعم الإرهابيين اللبنانيين لها” يقصد حزب الله، وهؤلاء لن يتركوا حماس إذا أصبحوا أعداداً. وعندها ستكون تركيا الملجأ الأساس لكل العرب بما فيهم الجانب الفلسطيني، وسيسر الجانب الإسرائيلي بالتفاوض معكم بشأن حليفتنا”.

والهدف من تفريق حزب الله وحماس من الجانب التركي، يكون بضم حماس لسلطته، وإبعادها عن خط الجهاد بمفاوضات مع “إسرائيل”.

وقبل البدء بالحديث عن الاتفاق وشروطه، لابد من التنويه إلى أن هناك مصادر عبرية كانت قد كشفت النقاب وللمرة الأولى، عن عمل حثيث ومكثف من أجل التوصل إلى تفاهمات بين كيان الاحتلال وحماس، تتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة، الذي دمرته آلة الحرب الصهيونية في العدوان الأخير صيف عام 2004م، وأن وسطاء عرب ودوليين يعملون على تهدئة طويلة الأمد، بين الكيان الصهيوني وحماس.

والمسؤول الذي ذكرته المصادر العبرية، هو قطري مكلف من حكومة بلاده للإشراف على ترميم وبناء مئات الشقق السكنية في قطاع غزة، إضافة إلى فتح قناة اتصال بين حماس والكيان، للاتفاق على تفاهمات مستقبلية بشأن مستقبل الحركة في قطاع غزة، حيث مصادر حماس تمثلت بفك الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة، علاوة على إعمار القطاع، وإنشاء ميناء بحري وبناء مطار.

وتظهر سياسة حماس في إجرائها اجتماعات عدة، مع دول غربية تضع الحركة على مكافحة الإرهاب.

إن التغيرات الأخيرة التي أجرتها حماس على أجهزتها الأمنية في غزة، محدثة للمرة الأولى جهازاً جديداً تحت مسمى المخابرات العامة، ويعرف ضمنياً أن جهازاً كالمخابرات العامة يقوم بأدوار داخلية وخارجية، وهذا يعني أن حماس ماضية في فصل منظومتها الأمنية عن تلك التابعة للسلطة في الضفة الغربية، وكل ذلك مرتبط بالتطورات الأمنية في سيناء، والحالة السلفية التي تهدد حماس في غزة، إضافة إلى أنها بداية لتشكيل كيان دولة في القطاع، مفصول عن ذلك الموجود في الضفة الغربية.

إذا هو مخطط مدروس منذ سنين لتلك الحرب العالمية الثالثة، التي يحاولون إشعالها، والثمن مال عرب الخليج، ودماء أبنائنا في البلاد العربية، التي يكبر احتمال اندلاعها على المستوى الدولي مع “كل يوم يمر” كما يقول جورج سوروسن، في آخر مطالعة له حول شكل “الصراعات الدولية المحتملة”، باتت تركيا قاب قوسين أو أدنى، من حريق محتمل يطيح بكل ما أنجزته النيولبرالية الاقتصادية العالمية، التي أتت بحزب العدالة والتنمية، ونفخت باقتصاد زائف قائم على رساميل مستأجرة من الغرب، إذاً لابد من استبعاد قطر واحتواء تركيا من خلال الاتفاق “الإسرائيلي” – التركي، أمريكياً وصهيونياً (سياسياً و واقتصادياً) بل نتيجة “وسبباً”، وهذا يعيدنا إلى البدايات الأولى للكيان المصطنع بحد ذاته كوجود عدواني، وحصيلة منطقية لتناقص مصالح البرجوازية اليهودية في أوروبا، مع مصالح البرجوازية الأوروبية، حيث الأولى كانت تبحث عن أرض تكون فيها السيد، والثانية تبحث عن أسلوب للسيطرة.

2 ـ علاقة “إسرائيلية” – تركية  قديمة وحرب باردة بين الطرفين تعيد الحسابات إلى سياسة المصالح والتحالف:

لم توقف تركيا علاقتها مع الصهاينة بل كانت بحالة استرخاء منذ عام 2010م، وهي حليف استراتيجي إقليمي ذات أهمية للكيان الصهيوني. لذلك الشريكين (الإسرائيلي- التركي) بنظر العالم ككل، وبخاصة منطقة “الشرق الأوسط” هناك حرب باردة قائمة بينهما.

تركيا وجدت نفسها بمنافسة مع اليونان وقبرص، وذلك كان واضحاً من خلال مؤتمر نيقوسيا القبرصي، للأمن والغاز والسياسة الإقليمية، وكانت الخطوات نحو التقارب التركي قد بدأت في باريس، ونُقل عن صحفي “إسرائيلي” أنه من الممكن إصلاح العلاقات بين الطرفين التركي و “الإسرائيلي”.  لكن لا بد من التعامل مع مجموعة كبيرة من التحديات الجيوسياسية، نتيجة حالة التوتر مع روسيا، والحرب المستمرة في سوريا وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية.

كل ذلك يكون دفع مع لتحديد العلاقات مع الكيان الصهيوني المصطنع، وسبب ذلك  العوامل القديمة (سوريا – الطاقة) ولكن حتى لو وقع اتفاق، يتعين التغلب على العديد من المشكلات السيئة، من الماضي، وقد يدعم الاتفاق القضايا الاقتصادية، بعيداً عن القضايا الأمنية والسياسية .

بالنظر إلى مدى ارتفاع حجم التداول المشترك والتبادل التجاري السنوي، بين البلدين الذي يعادل 4 مليارات دولار أمريكي، وبالعودة إلى تاريخ العلاقات بين الطرفين، يمكن القول إن أول دولة إسلامية اعترفت بالكيان الصهيوني في عام 1948 كانت تركيا.

ويقول بن غوريون في مذاكراته  عام 1957: “يحتاج العالم الحر فقط في الشرق الأوسط إلى ترسيخ وتوطين  وتعزيز وحدة إسرائيل، من خلال إسرائيل المقبلة على تركيا، البلد الوحيد الثابت في منطقة الشرق الأوسط هو بلد حر وديمقراطي”.

في عام 1958 صاغت تركيا و”إسرائيل” اتفاقاً للتعاون الاستراتيجي المشترك، ولم يكن تحالفاً بين الطرفين سابقي الذكر بقدر ما كان تحالفاً موالياً للغرب بين أربع دول ” تركيا – إيران – أثيوبيا – الكيان الصهيوني”.

بعد الانقلاب الذي حصل في تركيا عام 1980  وبعد خروج القوات الصهيونية من لبنان، تحسنت العلاقات بين الطرفين التركي – الصهيوني، ووصل حجم التداول إلى أكثر من 100 مليون دولار، وأجبر الجيش التركي الحكومة على تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني. إضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية عام 1996م، في عهد الرئيس التركي سليمان ديمريل.

ولم يقتصر الوضع على المنحى الاقتصادي، بل تعداه إلى عقود دفاعية مختلفة، وكذلك تكثيف التعاون العسكري والاستخباراتي وكذلك نفذّت تمارين عسكرية. إضافة إلى ذلك تمت ترقية الشراكة “الإسرائيلية” بنشاط من قبل الإدارة الأمريكية وتم دعمها في يناير 1998مع مناورة مشتركة للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا و”إسرائيل”.

لقد وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين عام 2008م، إلى 3.4 مليار دولار، وحتى بعد أزمة دافوس الشهيرة غادر الرئيس التركي المنصة غاضباً بسبب الحرب على غزة، واستقبل في تركيا كبطل، ومع ذلك لم يحصل انخفاض في مبيعات السلاح الذي يجب أن يبقى متدفقاً، لاستخدامه في العمليات العسكرية في المناطق الكردية، وصرف على ذلك 188مليون دولار.

وتمت مكافأة الدعم الاستخباراتي “الإسرائيلي” ضد حزب العمال الكردستاني حيث صرف على ذلك 167مليون دولار. ومنح لمعدات الطائرات التركية ما قيمته 160 مليون دولار لـ”إسرائيل”.

“إسرائيل” تعاني من نقص في المياه، وعلى تركيا أن تقدم لها 50 مليون م3، خلال العشر سنوات القادمة وذلك قائم منذ عام2001م، ويعوض النقص بالمياه سنوياً بحدود 20%. وهذا ما أكدته آلون لئييل القائمة بالأعمال في السفارة “الإسرائيلية” في أنقرة عام 2001، وقالت إن العلاقات أشمل وأعمق بين الطرفين. وبالرغم من الخطاب الحاد للرئيس التركي، إلا أنه لم يشكل خطراً على هذا التحالف فالتعاون العسكري ضروري بين الطرفين.

4-الدور الأمريكي والاتفاق “الإسرائيلي” – التركي:

تأتي الإشارات دائماً من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ولا تأتي من تركيا، فأمريكا ترى أن الحكومة “الإسرائيلية” وسيلة عقلانية جداً لإضعاف تركيا تحت شعار السياسة “الإسرائيلية”.

جون كيري يعتبر أن الاتفاق خطوة ايجابية، ويمثل انتصاراً دبلوماسياً لتركيا، ووجود حماس الراديكالية في تركيا والدعم التركي لها مهم، وهذا يعني منع حماس من القيام بأي تحركات ضد الكيان الصهيوني فهي تحت ظل الحكومة التركية بعد اتفاقيات مدفوعة الأجر.

إن تركيا هي واحدة من الاقتصاديات الكبرى الناشئة في العالم، ولها ثقلها في الاستراتيجيات العالمية من خلال مجموعة (20). إضافة إلى زيادة مشاركتها في عمليات صنع القرار في السياسة الدولية، بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

يمكن أن تكون تركيا شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية مسيطراً عليها، وهي قوة إقليمية قوية وظيفية يمكن أن تكون سياستها خاضعة للسياسة الأمريكية.

داود أوغلو اعتمد على سياسة “صفر مشاكل مع الجيران”، وأراد ترسيخ هذه السياسة بينما عارضه الرئيس التركي. لكن بعد رحيله عن منصبه بدأ الرئيس التركي يتبع سياسة وزير خارجيته من خلال المصالحة مع الكيان الصهيوني هذا يعني أن أوغلو كان يمثل العمق الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية.

فهم أتاتورك السياسة الغربية، وتماشى معها وجنب بلاده الكثير من المخاطر.

وزير الخارجية الايطالي عام 2010م، فرانكو فرانتيتي، وفي مقابلة له مع القوات المسلحة الزائيرية، كان يشكو الأخطاء التي جعلت من تركيا عبئاً على أوروبا، وحذر من أن وجود تركيا كلاعب في “الشرق الأوسط” سيكون سبباً لمشاكل كثيرة في أوروبا، لذلك لابد من إبعادها عن الاتحاد الأوروبي، و”أسطول غزة” دليل على ذلك.

لكن هناك سؤال يدور في الأفق من الأهمية الإجابة عليه: ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من حزب العدالة والتنمية الذي يدور في فلكها؟ تريد أن يكون لاعباً بالوكالة يحقق سياستها وسياسة طفلتها المدللة “إسرائيل”، من دون أن يجلب لها ذلك مزيداً من العناء. وبذلك تبقى تركيا قوة ناعمة مسيطر على تصرفاتها، بمعنى أنت في ملعبنا وتحققين أهدافاً لصالح مرمانا، وبزعامتنا دون تحقيق أي أهداف لك.

بينما الاتحاد الأوروبي لا يريدها ضمن مرماه حتى لا تغدو قوة مشاكسة منافسة. لكنه كان ينظر إلى الاتفاق بروح التفاؤل، وبرأيه أنها خطوة جيدة في سبيل التعايش بين الطرفين على أرض واحدة.

الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماماً أن تركيا منذ تأسيسها قائمة على جمهورية مشاكل، الإبادة الجماعية للأرمن- قبرص- القضية الكردية..إلخ، كل ذلك يدينها وأبرز القضايا المزعجة لها تحديداً هي القضية الكردية، ولا يجب أبدا حلها، يجب تحويلها إلى برميل بارود، يمكن أن يشعل حرباً أهلية في أي وقت. لذلك على الرئيس أردوغان القبول بسياسة الانفتاح، وأن يكون هادئاً في القضية الكردية.

وبالرغم من كل محاولاته الانفتاحية لضم الأكراد لجانبه (كإعادته لبعض الجنرالات إلى السلطة، فتح قناة تلفزيونية باسم الأكراد على مدار 24 ساعة، محاولة تقريبهم من الحكومة). بالرغم من ذلك لا يمكن رؤية ايجابية لهذه الانجازات في عين الأكراد. الجغرافيا السياسية (الفرات يقسم البلاد إلى قسمين مختلفين في بلد واحد. الغرب متقدم، الشرق فقير يعاني من البطالة 80% تخلف إقليمي، هياكل إقطاعية عفا عنها الزمن، التهجير القصري, التعصب القومي الهستيري، التركيبة السكانية مسيسة إلى أصغر وحدة سكانية فيها).

الحزب الديموقراطي الاجتماعي المؤيد للأكراد محظور، أكثر من 1500من السجناء السياسيين ورؤساء البلديات المنتخبة في الغرب معتقلين (1990-1993)م، مزيد من التصعيد يمكن أن يجلب العنف مع نوع من التحريض القومي و الكراهية لا يستطيع العسكر ايقافه. وهذا يعني أن الغرب لم يعد أفضل حالاً من الشرق، بل أيضاً وضعه الاقتصادي يزداد سوءاً. ومهما حاول العثمانيون الجدد تطبيق قواعد الليبرالية الجديدة بلا هوادة يبقى دورهم محدوداً في “الشرق الأوسط”، يرسمه لهم الراعي الأمريكي، ومستقبل تركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي مجهول. والقوة التي تسعى أن تحصل عليها من الرأسمالية المعولمة غير جاهزة لدفع أي ثمن، هي ليست في مصلحة الديمقراطية والسلام, بل هي في مصلحة القوى الإمبريالية.

5- الاتفاق “الاسرائيلي”- التركي والموقف الروسي:

جاء الاتفاق “الإسرائيلي” – التركي متزامناً مع اتفاق روسي- تركي مماثل لإعادة العلاقات بين الدولتين. وكلا الاتفاقين وطيد الصلة بالآخر ضمن البنود الخفية للاتفاق، على أن تقوم “إسرائيل” وحماس بنقل رفات الجنود الصهاينة وجثثهم لدى الحركة.

ماذا قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الاتفاق؟: “نحن نرى في ذلك تطوراً إيجابياً، إن أي تقارب بين الطرفين وبين الشعبين، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الوضع الدولي بأكمله. وإذا قلت المشاكل بين الطرفين فذلك أفضل، ونحن نرحب بالجهود الرامية إلى استعادة العلاقات بين إسرائيل و تركيا, فمن شأن ذلك تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب”.

الأمر بالنسبة لروسيا لا يتوقف عند ذلك. بل يأخذ عنواناً أوسع وهو الجغرافيا السياسية والأمن (أرمينيا، أذربيجان، جورجيا، ناغورنوكاراباخ، جنوب القوقاز). وهي أشكال جديدة لدعم الحليف. فمن هنا أتت فكرة اتفاق روسي- تركي قبل الاتفاق “الإسرائيلي” – التركي.

مشكلة الحدود والجغرافيا السياسية بالنسبة لروسيا مع تركيا في المناطق السابقة الذكر تشكل تحدياً لروسيا مع تركيا لابد من الانتهاء منه. صحيح أن العلاقات الروسية – التركية تفاقمت بسبب تدمير القوات الجوية التركية للطائرة الروسية في تشرين الثاني 2015م، لكن هذه دينامية سلبية لا يمكن أن تؤثر على المناطق التي تشكل موضوع تنافس تقليدي، وأحيانا أخرى حواراً بين روسيا وتركيا.

فلهذا الشأن أهمية أخطر من وجهة النظر الروسية، فهو يخضع روسيا إلى ابتزاز الشركاء الدوليين أكثر ما يشكل منافسة حادة بين تركيا وروسيا على مشكلة الحدود والجغرافيا السياسية. وهو يشكل عاملاً من عوامل تشتيت الانتباه لموسكو وإبعادها عن حل مشكلات “الشرق الأوسط”، كونها تشكل جزءاً من الحل الفاعل في مشكلاته وقضاياه، لذلك لابد من وقفة أمام النقاط الخلافية حول الجغرافيا السياسية بين تركيا وروسيا.

الاتصالات العسكرية بين روسيا وأذربيجان، الأخذة بالتطور ليس فقط على المستوى الثنائي، بل وتحت رعاية منظمة حلف الأطلسي, وكذلك تعميق التعاون العسكري مع يريفان، بما في ذلك الوقاية وحالات الطوارئ وحرس الحدود. وكذلك عضوية أرمينيا في كتلة عسكرية وسياسية منظمة، وتعزيز علاقاتها مع روسيا يبقى أهم مكونات الأمن الخارجي بالنسبة للسياسة الروسية.

القتال المتقطع حول إقليم (ناجورنو كاراباخ) قد يتصاعد إلى صراع واسع النطاق، ومن شأنه أن يتوافق مع مصالح تركيا. وذلك يقوض الجهود التي تبذلها الدبلوماسية الروسية، التي دعت على الدوام إلى تسوية سياسية بدلاً من الصراع ومحاولة الحفاظ على التوازن بين الطرفين.

الحكم الذاتي في ناختيشفيان، باكو، هذان عاملا توتر حيث وجود حدود برية مشتركة مع تركيا وفصلها عن البر. أذربيجان من الممكن أن تصبح مكاناً مركزياً لمختلف الجماعات المسلحة حيث التجربة السورية أصبحت كعامل عدم استقرار في “الشرق الأوسط”، و يمكن أن تكون كقناة غير مباشرة لتصدير عدم الاستقرار في القوقاز. علما أن معاهدة كارس عام 1929م بين روسيا السوفييتية وتركيا قد حددت وضع حدود جنوب القوقاز بين الدولتين، وأعطت كارس وأردهان وجبل آرارات لتركيا، بينما تشكل حكم ذاتي في ناختيشفيان تحت الحماية الأذربيجانية.

ومع ذلك مشاكل الحدود قائمة بين البلدين، ولا يمكن أن تحددها معاهدة، وصفتها الخارجية الروسية بأنها غير خاضعة للنقض. إذا لابد لروسيا من تأدية حوار فعال وحاسم مع تركيا وفي ذلك أهمية كبيرة للحد من صراع محتمل.

إضافة إلى ذلك من الملاحظ تدهور في العلاقات الجورجية – الروسية خلال المرحلة ما بعد السوفييتية. الولايات المتحدة الأمريكية تدعم خطوط الطاقة والاتصالات في جورجيا، بينما تركيا وباكو يخفيان الرغبة في تأسيس اتصال متبادل عبر جورجيا، وذلك لحجب أرمينيا كحد أقصى.

إضافة إلى التعاون التقني بين تركيا وجورجيا وأذربيجان، يمكن أن يكون له تأثير على الوضع في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. خطوط الاتصالات والسكك الحديدية، باكو تبليسي، أخكالاكي، كارس، المهاجرين من “الشرق الأوسط”، ولو بكميات صغيرة نسبياً، يثير أيضاً بعض الأسئلة بالنسبة لروسيا ويضعها على مفترق طرق من الحوار مع تركيا، ودول شمال حلف الأطلسي، للبحث في الأمن الإقليمي في جنوب القوقاز، الذي ينطوي على مزيد من التكامل الفعلي بطريقة الحوار، لاحتواء كل من روسيا وتركيا، ومنع قيام أي مواجهة عسكرية بين الطرفين من أجل الجغرافيا السياسية وأمن الحدود. وهذا ما تحدده بالفعل السياسة الواقعية لدى دول حلف الأطلسي، التي تمثل سيارة إسعاف لنجدة العلاقات الروسية- التركية.

إضافة إلى ذلك فإن الجهود السياسية والدبلوماسية لروسيا ترمي إلى تسوية سلمية للصراعات الإقليمية وإنشاء نظام أمني موثوق به في المنطقة، من خلال إشراك الدول القوقازية الإقليمية. وإنشاء نظام أمني موثوق به في الهياكل الإقليمية، مثل منظمة شانغهاي للتعاون و(EAEC ).

وتتلقى التنمية الاقتصادية في المنطقة دفعات إضافية في حالة تنفيذ مشاريع عبر الحدود الثنائية ومتعددة الأطراف المشتركة الكبرى، لا سيما في مجال الطاقة والاتصالات.

أما الدول الهشة (بلدان الاتحاد السوفييتي السابق)، فتخضع روسيا لتحد كبير مع تركيا وخطير, وتهدف السياسة الروسية إلى الوقاية من السيناريوهات السلبية كتلك المشحونة في جورجيا، والآن أوكرانيا تمثل أكبر تحد لروسيا.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “من الممكن تطبيع العلاقات بين الطرفين (الروسي- التركي). فهذا أيضاً يساعد على تخفيف حدة التوتر في المنطقة”.

لكن الرئيس الروسي يريد من تركيا أن تستجيب لسلسلة من الإجراءات التي تطلبها روسيا وإلا سيكون تنفيذ هذا الاتفاق صعباً. وقد ردت تركيا على تصريحات الرئيس الروسي حول تطبيع العلاقات، وعرضت تركيا تشكيل فريق عمل، لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين الدولتين.

6- كلمة أخيرة في الاتفاق التركي- “الإسرائيلي”:

لم يكن الاتفاق السابق الذكر وليد الساعة، بل تم التحضير له منذ سنوات وكما قال نتنياهو: “هو راض عن النتيجة وبذلك يكون الهدف الاستراتيجي قد تحقق وأصبح مقبولاً وفي حال أفضل. العلاقات مع مصر تكاد تكون في حالة جيدة كتلك التي مع الأردن. مع أهل السنة في الخليج ترتبط إسرائيل بتحالف مناهض لإيران. لبنان وسوريا مشغولان مع أنفسهم فهم لا يشكلان تهديداً. والآن تم إضافة إدراج التعاون الأمني مع أنقرة مرة أخرى”.

لقد أكد نتنياهو في روما على التعاون الأمني مع تركيا، بل وشاهد لسنوات وبأم عينه آثاره الإيجابية على الاقتصاد “الإسرائيلي”. أي شراء الغاز من “إسرائيل”.

هذا الكيان الوظيفي المصطنع يقبع على احتياطات فاحشة من الغاز. إذاً كل شيء يسير حسب الخطة أي حسب ما رسمته وثيقة كونفيم منذ عام 1982م. الغاز سيكون خلال السنوات المقبلة مصدر إنعاش للاقتصاد “الاسرائيلي”. وسيتم تصديره من حقل تامار, الذي يقدر أنه يحتوي على 9.7 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي, وهذا ينطبق على معظم وارداتها من الغاز من روسيا. لكن العلاقات بين تركيا وروسيا يشوبها بعض التوتر. ومن المتوقع زيادة الطلب على الغاز “الإسرائيلي”، وتضاعفه وازدهاره خلال السنوات السبع المقبلة في تركيا.

إذاً الرئيس أردوغان لا يزال على “السجادة”، على حد قول خبراء الاقتصاد الألمان. وكل ما سبق وبكلمة واحدة يفسر الانقلاب التركي الرابع الحاصل منذ أيام، والمعنى واضح في جوهر الدراسة. ويبقى السؤال معلقاً، أين العرب في منطقة “الشرق الأوسط” من كل هذا؟؟ ليتنا نتعلم من ثقافة الهزيمة.

د.براءة زيدان.

مقالات ذات صلة

إغلاق