الرئيسيةمقالات

لماذا يريدون قَتْل لبنان؟

الذين يريدون منا أن نتخلَّى عن نظرية المؤامرة، سنسمعهم كلام الحاخام عودافيا يوسف زعيم حزب شاس الديني المُتطرِّف.

  • لماذا يريدون قَتْل لبنان؟

كانت أول رواية قرأتها في حياتي هي تراجيديا “الأجنحة المُتكسِّرة” للأديب المُبدِع جبران خليل جبران. كنتُ حينها طفلاً في آخر قسم إبتدائي وعبرها أحببت لبنان من أول نظرة، كما أحبّ بطل الرواية “سلمى” من أول نظرة.

استهوتني عبارة “طبعت في بيروت لبنان”. هذه العبارة كانت حينها تستوطن الكتب العربية من المحيط إلى الخليج، يمكن تشبيهها اليوم بعلامة الأصل التجاري “صُنِع في الصين Made in China”. كان لبنان منارة التنوير العربي.

في الحقيقة المُقارنة بين سلمى “الأجنحة المُتكسِّرة” وأجنحة لبنان المُنكَسِرة اليوم، تمنحنا الكثير من الترابُطات. سلمى وريثة المجد والثراء والبهاء. لبنان وتكالب ذئاب الطامعين في كنوزه وثرواته مازال متواصلاً، وكأن قدر هذا البلد هو قدر البطل سيزيف. لبنان السيزيفية يُعيد حمل صخرة حياته بمقاومة لا تنكسر، مهما دحرجتها أيادي المُستعمرين والطامعين والناهبين والسفَّاحين.

لبنان تاريخ مُثقَل بالحضارات، مُثقَل بالثقافات، مُثقَل بالفنون، مُثقَل بالمُعتقدات. إنه لبنان التعايش، لبنان الجمال، الاختلاف، والحياة.

لبنان “سويسرا الشرق” شهد محاولات اغتيال “أنطولوجي” كان المُستهدَف فيه دائماً هو وجوده. لكن قبل الإجابة عن سؤال لماذا يريدون قَتْل لبنان؟ لا بدّ من الإجابة عن تساؤلٍ يحظى بالأسبقيّة والمشروعيّة: مَن يُريد قَتْل لبنان؟

كل الأدلَّة الجنائية تؤكِّد أن العصابة الإجرامية الصهيو-إمبريالية مُتورِّطة في جريمة الاغتيال الفاشِلة للبنان، والذين يريدون منا أن نتخلَّى عن نظرية المؤامرة، سنسمعهم كلام الحاخام عودافيا يوسف زعيم حزب شاس الديني المُتطرِّف يقول: “نحن شعب الله المُختار لإذلال العرب، حرام علينا إبداء أية رحمة نحو العرب، امطروهم بالصواريخ، اقضوا عليهم، إنهم أفاع سامّة، وأشرار ملاعِنة”.

كان لبنان قلب النهضة العربية، يُجسّد الدولة المدنية الحديثة، حيث تتعايش الهويات المختلفة، وتتساكَن الطوائف المُتنوِّعة، وتتناغَم الثقافات المُتغايرة، وتنسجم المُعتقدات المُتمايزة، إلى أن تعاضدت وتآزرت وتكاملت المصالح الصهيونية مع المطامِع الإمبريالية، وبدأ مسلسل  الخرق الجغرافي، والتسلّل الإيديولوجي، بتحويل الاختلاف الطائفي إلى خلافٍ طائفي دموي، والتمايُز الهويّاتي إلى تمييزٍ عنصري، من خلال استنبات الهويات القاتِلة بتعبير الأديب اللبناني الأصل أمين معلوف.

انخرط لبنان باكراً في حركة المقاومة الشاملة، ضد سرقة وطن برمَّته “فلسطين”. هكذا صَدَح صوت عصفورة الشرق، أرزة لبنان، وجارة القمر السيِّدة فيروز في أغنية زهرة المدائِن: “الغَضَب الساطِع آت.. بجياد الرّهبة آت.. وسيهزم وجه القوّة.. البيت لنا والقدس لنا.. وبأيدينا سنُعيد بهاء القدس”.

في غمرة فيلم رعب “الحرب الإهلية” يُغنِّي مارسيل خليفة رائعة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم “مُنتصَب القامة أمشي”. رغم الضربات المُنتظمة لإغراق لبنان وكفّه عن نصرة فلسطين، ورغم الخيانات الكثيرة، ورغم مُخطَّط الاغتيالات بالوكالة، ظلّ لبنان رمز المقاومة.. مقاومة يُجسّدها شُرفاء لبنان بعيداً عن التنميط الهويّاتي والطائفي.

كانت هزيمة “إسرئيل” من طرف “المقاومة اللبنانية” سنة2006  ضربة قاسية لأسطورة “إسرائيل التي لا تُقهَر”. وبما أن الصفعة وجَّهها الشعب اللبناني للماكِرة اللعوب الحركة الصهيونية، كان من الطبيعي أن تلجأ الأخرة إلى تخويف أصدقائها العرب من “التنين اللبناني” اليَقِظ، والذي قد يوقِظ باقي التنانين العربية، فتكون نهاية الحلم الصهيوني.

هكذا تحوَّلت تل أبيب إلى غرفة عمليات كُبرى يزورها كِبار المُخطِّطين الغربيين والأميركيين) وإعلان سفارة أميركا في القدس، وكِبار المٌخَطَطين لهم من العربان الخليجيين على وجه التحديد.

كان المُخطَّط شيطانياً ينتمي إلى أقدم الخطط الصهيونية، التي جاء المسيح لفضحها، وهي إحكام القبضة الاقتصادية التي تعتبر لعبة صهيونية بامتياز. وأوامر العقل الصهيوني كانت واضحة، بضرورة تأزيم الاقتصادي اللبناني والدفع بالأزمة الاقتصادية إلى أقصى الحدود، لدرجة الإفلاس.

الخطة تقتضي خَنْق لبنان لدرجة التجويع، واستغلال الاحتجاجات الجماهيرية البريئة ضد الفساد السياسي، واختراقها، وتحويلها من المُطالبة بالإطاحة بالسياسيين الفاشلين إلى الإطاحة بلبنان، ومن إرادة إسقاط النظام الحاكِم، إلى إسقاط الدولة، والتشجيع على التخريب والعنف “المشروع” ضد البلاد، بدعوى الحرب على الفساد.

هكذا بدأ بعض المُندسِّين بتخريب البنى التحتية، وتحطيم ونَهْب المتاجِر والمؤسَّسات، وتحويل الاحتجاج من وسيلةٍ مدنيةٍ للتغيير إلى غايةٍ هدفها التدمير.

رواية “الأجنحة المُتكَسِّرة” اليوم تكتبها الأنظمة العربية المُنهارة، والمتواطِئة على ما تبقَّى من أجنحة المقاومة، اليمن دُمِّرت.عراق بيت الحكمة خُرِّبت. سوريا ذُبِحَت. ليبيا سُحِقَت، السودان قُسِّمَت، الصومال دُكَّت، مالي شُتِّتَت، ومسلمو بورما يُقتلون بنفس سيناريو مجزرة البوسنة والهرسك في أفق الإبادة الجماعية، من دون متابعة من الإعلام العربي، وقنوات خليج “الفرزدق” مُنشغِلة بتصفية الحسابات مع أنظمة العدو، “جرير”، وقصائد الهجاء العربي في أبهى عصورها، مع اتهامات الأنظمة بعضها بعضاً بالعَمالة والخيانة، والكيان الصهيوني يعيش شهر العسل على حساب الأصدقاء العربان.

لكن لبنان لن يموت، لأنه واحة في صحراء العطش العربي.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

المصدر : الميادين نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق