الرئيسيةشعر وشعراءمقالات
قراءة أدبية في قصيدة “لا تخجلي” لشاعر الأمة محمد ثابت ٠ بقلم الشاعر والإعلامي الكويتي خالد المويهان
للشاعر العربي الكبير محمد ثابت
في قصيدته “لا تخجلي”، يخطّ الشاعر المصري القدير محمد ثابت، مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر، واحدة من أعمق تجليات الشعر العربي المعاصر، حيث تتقاطع الكرامة مع العاطفة، ويتحد الحب الجريح مع الكبرياء الشامخ.
منذ البيت الأول، يفتتح الشاعر قصيدته بنداء مباشر، فيه مزيج من الحنو والحسم:
لا تخجلي إن فاجأتكِ عيوني
أبدلتِ شكي في الهوى بيقيني
هذه البداية تمثل لحظة كشف واعتراف، لكنها ليست لحظة ضعف، بل هي لحظة إدراك وتحول. فالشاعر الذي كان في شك من الحب، صار اليوم على يقين، لا لشيء إلا لأن “النظرة” أفصحت بما لا تقدر الكلمات على قوله.
⸻
العاشق المجروح… لا ينهزم
يمضي الشاعر بعدها في استعراض جراحه لا بمرارة، بل بفخر الصابرين:
إن الجراح على الفؤاد تعودت
وتعود القلب الجراح فخوني
هنا لا نسمع شكوى، بل نقرأ إعلان قوة. الألم لم يهزم القلب، بل صار جزءًا من تركيبته، والشاعر لا يهاب الخيانة؛ لأنه مر بها، وخرج منها أقوى.
ثم يأتي سؤال استنكاري مليء بالثقة:
أظننتِ أني قد أموت بلوعة؟
وتذوب من فرط البكاء جفوني؟
بهذا السؤال، يرسم الشاعر صورة العاشق الذي نضج في حزنه، واكتمل رغم الفقد.
⸻
ليل الشاعر… نار مشتعلة
في منتصف القصيدة، ترتفع وتيرة الشعور، وتزداد الصور الشعرية قوة وحرقة:
وأقيم ليلي واللهيب بمهجتي
واليأس يبقى أيسري ويميني
هنا نلمس قمة الصراع الداخلي بين الشوق واليأس، وبين الأمل المكسور والوجع العميق. الليل الذي “يقيمه” الشاعر ليس زمنًا يمر، بل هو ساحة ألم، تحترق فيها المهجة ويقبض فيها على الصبر بيمينه ويساره.
⸻
حين يشتد الألم… يولد الكبرياء
قد غرّكِ اللحظ الذي لا ينثني
إلا بمقتل عاشقٍ مفتونِ
البيت السابق هو قمة المفارقة، حيث تتحول النظرة الناعمة إلى سهم قاتل، لا ينثني إلا حين يسقط العاشق مجروحًا، مسلوبًا من كل شيء إلا من كرامته.
ويختم الشاعر قصيدته بإعادة صياغة التراث، فلو كانت هي “ليلى”، فهو ليس قيسًا الضعيف… بل هو المجنون الثائر:
إن كنتِ ليلى يا مليحة في الهوى
فلتـحذري من ثورة المجنونِ
هنا يعلو صوت العاشق الثائر، الرافض للخضوع، المتمسك بقيمته الإنسانية، حتى وسط نيران العاطفة.
⸻
شاعر يُجيد العزف على أوتار الوجدان
محمد ثابت، في هذه القصيدة، يتقن المزج بين العاطفة القوية والكرامة العالية. لا يكتب كمن يستجدي الحنين، بل كمن يحترق بصمت، لكنه لا يسقط.
قصيدته هي لوحة شعرية تنبض بالشعور، لكنها ترفض الذل.
يمزج فيها بين جمال اللغة وبساطة الطرح، ويعيدنا إلى زمن الشعر الحقيقي، الذي لا يقتصر على وزن وقافية، بل يحمل رسالة، وموقفًا، ووجدانًا حيًا.
⸻
✒️
بقلم: الشاعر والإعلامي الكويتي
خالد المويهان
مدير مركز الشعر الإعلامي
———
لاَ تـَخْجَلِي٠ قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
—————
لاَ تـَخْجَلِي إِنْ فَـاجَـأَتـْكِ عُـيُـونـِي
أَبـْدَلْـتِ شَـكِّـي فِـي الهَـوَى بـِيقِـينِـي
إِنَّ الجِـرَاحَ عَلَى الـفُـؤادِ تـَعَـوَّدَتْ
وَتـَعَـوَّدَ الـقَـلْـبُ الجِـرَاحَ فَـخُـونـِي
أَظَـنَـنْـتِ أَنـِّي قَــدْ أَمُـوتُ بـِلَـوْعَـتِـي
وَتـَذُوبُ مِـنْ فَـرْطِ الـبُـكَـاءِ جُـفُـونـِي
وَأُقِـيـمُ لَـيْـلِـي وَاللَّهِـيبُ بـِمُهْـجَـتِـي
وَالـيَـأْسُ يـَبْـقَـى أَيـْسَـرِي وَيـَمِينِـي
وَأَظَـلُّ أَشْـكُـو طُـولَ لَـيْـلَى وَالـنَّـوَى
وَأَظَـلُّ أَشْـرَحُ لِلْخَـلاَءِ شُـجُـونـِي
قَـدْ غَـرَّكِ اللَّحْـظُ الَّـذِي يـَنْـثَنِـي
إِلاَّ بـِمَـقْـتَـلِ عَـاشِـقٍ مَـفْـتُـونِ
إِنْ كُـنْـتِ لَـيْـلَـى يـَا مَـلِيـحَـةُ فِـي الهَـوَى
فَـلْـتَـحْـذَرِي مِـنْ ثـَوْرَةِ المَـجْـنُـونِ
—————–
قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر

