الرئيسية
عائلة من غزة تناضل من أجل الحصول على الإقامة الدائمة في القدس
فقدت ماريا أربعة من أفراد عائلتها في غارة عام 2006 تركتها على كرسي متحرك؛ وهي الآن تعتمد على والدها وشقيقها اللذان يناضلان من أجل الإقامة الدائمة
الطفلة ماريا آمن ترسم ثلاثة أو أربعة من كل شيء. ثلاث أزهار في مزهرية، أربع أوراق شجر على الأرض، ثلاثة طيور في الأعلى، أربعة طيور في الأسفل.
التسلسلات هي إشارة متكررة إلى الغارة الجوية على سيارة عائلتها في قطاع غزة في 20 مايو 2006، عندما كانت ماريا تبلغ من العمر أربع سنوات، والتي قتل أربعة أفراد من عائلتها – أمها نعيمة؛ جدتها حنان؛ شقيقها الكبير مهند؛ وعمها ناهد – ولكن نجا منها شقيقها الأصغر، مؤمن، ووالدها حمدي، وتركها على كرسي متحرك، مشلولة من الرقبة إلى أسفل جسدها.
يمكن أن تستغرق ماريا 16 أسبوعا لاستكمال كل لوحة، عن طريق تحريك الفرشاة بفمها ورأسها.
قالت ماريا وهي تجلس في أريكتها في القدس الشرقية أنه تم تسمية لوحتها “ثلاثة أشجار” لأنها تمثلها ووالدها وشقيقها شاهقين فوق حطام سيارة “نسبة لأمها”.
ائلة ماريا سافرت في سيارتها عبر مدينة غزة عندما ضربتهم صواريخ من سلاح الجو الإسرائيلي. هدف الغارة الجوية كان قائد حركة الجهاد الاسلامي محمد دحدوح في غزة، لكن الانفجار وشظاياه ضربتا سيارة عائلة آمن.
بعد تلقيها بعض العلاج الطبي في قطاع غزة، أحضرت ماريا المصابة بجروح خطيرة إلى إسرائيل بشكل عاجل، لأن مرافق مستشفى غزة لم تتمكن من توفير الرعاية الكافية، قالت المحامية عدي لوستيغمان.
ماريا وحمدي ومؤمن ظلوا في إسرائيل منذ ذلك الحين، ولكن وضعهم القانوني في البلاد لم يكن مستقرا معظم الوقت. خلال السنوات الخمس الأولى، عاشوا في مستشفى اعادة التأهيل ألين، حيث كانوا يفتقرون إلى التصاريح اللازمة للسماح لهم بالبقاء في إسرائيل بحرية.
وفي نهاية المطاف، منحت عائلة آمن الإقامة المؤقتة، والتي كان يتعين تجديدها كل سنة أو سنتين.
في أكتوبر الماضي، منح وزير الداخلية آريه درعي ماريا الإقامة الدائمة، مما يعني أن المراهقة الفلسطينية يمكنها البقاء في منزلها في إسرائيل إلى أجل غير مسمى. ولم يمنح والدها وشقيقها الإقامة الدائمة مثلها.
وقالت لوستيغمان أن وزارة الدفاع لم تتحمل أبدا المسؤولية الرسمية عن الغارة الجوية لقتل اربعة من افراد عائلة آمن وإصابة ماريا. لكنها ساعدت الأسرة بطرق معينة، وقدمت لهم بهدوء المدفوعات والمساعدات على مر السنين.
في 19 أغسطس، بلغت ماريا 16 عاما. مثل غيرها من المراهقين في إسرائيل من هذا العصر، قالت أنها حصلت على بطاقة الهوية.
بالنسبة لعائلة آمن، كان ذلك يوم سعيد. بالإضافة إلى الوعد الكلامي التي تلقوه في البداية أو رسالة وزارة الداخلية التي تلقوها في يوليو، الهوية هي دليل على أن ماريا تستطيع البقاء.
ولكن هذا اليوم كان حلوا ومرا. بطاقة هوية ماريا زرقاء؛ وبطاقة والدها وردية، علامة على أنه مقيم مؤقت. شقيقها البالغ من العمر (14 عاما) ليس كبيرا بما فيه الكفاية للحصول على هوية، ولكن لو كان ليحصل على واحدة فإنها أيضا ستكون وردية.
خوف من الترحيل
لكي نكون واضحين، لم تحصل ماريا على الجنسية الإسرائيلية – كما ادعى تقرير إخباري تلفزيوني في الشهر الماضي بشكل غير صحيح – بل حصلت على الإقامة الدائمة، وهي مرتبة واحدة أقل من الجنسية. عندما تبلغ 18 عاما، لن تتمكن ماريا من التصويت في إسرائيل أو الحصول على جواز سفر إسرائيلي، لكنها يمكن أن تحصل على وثيقة سفر.
تسبب مرتبة الإقامة المؤقتة مشاكل لحمدي ومؤمن على المدى الطويل والقصير.
بشكل عام، تخشى الأسرة أن يتم طردهم يوما ما من البلاد الذي يسكنون فيه لأكثر من عقد وإعادتهم إلى غزة، حيث يواجهون مصيرا غير مؤكد، إذ يمكن اتهامهم على أنهم “متعاونين” مع إسرائيل.
ليس من غير المألوف بالنسبة للفلسطينيين الحصول على الرعاية الطبية في إسرائيل، لكن حالة عائلة آمن استثنائية بسبب مدة إقامتهم ومدى المساعدة التي تلقوها.
وقال حمدي إن ذلك كان ممكنا إلى حد كبير بسبب الجهود المستمرة التي يبذلها عدد من الإسرائيليين، ولا سيما داليا باشر، التي اهتمت بقضية آمن، وأبقت الضغوط على الحكومة للسماح لهم بالبقاء.
ولكي تحصل ماريا على إقامة دائمة، كان على درعي أن يلغي قانونين يمنعان إسرائيل من منح هذه المرتبة للفلسطينيين.
لكن سابين حداد، المتحدثة بإسم سلطة السكان والهجرة، انكرت أي نوعية فريدة من نوعها لقضية آمن، مشيرة إلى أن فلسطينيين آخرين، ومعظمهم من الذين تعاونوا مع القوات الإسرائيلية، قد منحوا الإقامة الدائمة وحتى الجنسية.
وهذا هو بالضبط ما يقلق حمدي. قائلا: “من يستطيع البقاء في إسرائيل غير المتعاونين؟ ويحصل على مكان للعيش؟ وسيارة؟”
ولهذا السبب، لم يعود إلى غزة منذ أن أخذ مؤمن من حاجز إيريز في عام 2006. إذا أعيد حمدي ومؤمن إلى غزة، يمكن أن تنفذ حماس عليهم العقوبة التي تنفذها لغيرهم من “المتعاونين”.
في حين لا يبدو أن هناك أي جهود لترحيل عائلة آمن، هذا لا يعني بالضرورة انه لا توجد جهود لترحيل حمدي ومؤمن وفقدان إقامتهم المؤقتة.
“ماذا لو حدث فجأة إضراب في [سلطة السكان والهجرة]؟” لوستيغمان سألت (مثل الاضراب في نوفمبر 2016، صيف 2016 ويوليو 2015، على سبيل المثال).
في الوقت الراهن، مسموح لحمدي العيش في إسرائيل حتى أكتوبر 2018، وفقا لبطاقة هويته، ولكن بعد ذلك سيكون عليه تجديد تصريحه.
“حمدي هو الباقي الوحيد في العالم لرعاية [ماريا]”، قالت المحامية.
وتشير لوستيغمان أيضا إلى درجة من النفاق في تعامل الحكومة مع مؤمن، الذي انضم إلى ماريا وحمدي في إسرائيل بعد بضعة أشهر من السكن مع جده في غزة والتي خلالها، بشكل لا يصدق، نجا من غارة جوية إسرائيلية ثانية.
وتقول المحامية إن مواقف الحكومة “العنصرية” تجاه الفلسطينيين هي التي تمنعها من منح الإقامة الدائمة، في وقت التي تمنحها لبعض أطفال العمال الأجانب.
وأضافت: “إن الأطفال الأفارقة والفلبينيين، الذين ليسوا في وضع إنساني سيء كما هو الحال مع [مؤمن]، يحصلون على اقامة دائمة”.
عالقون في إسرائيل
عدم وجود إقامة دائمة يمنع الأسرة من مغادرة البلاد، حيث أن حمدي ومؤمن غير مؤهلين للحصول على وثائق سفر. هذا يعني أنهم لا يستطيعون تحقيق حلم حمدي منذ فترة طويلة بأخذ أطفاله الى اجازة في الخارج، وهو ما يرغب محاولة القيام به عندما تكون ماريا في حالة صحية جيدة للسفر.
الإقامة المؤقتة تجعل دخول حمدي ومؤمن الى الضفة الغربية صعب جدا، حيث لديهم بعض العائلة والأصدقاء هناك، على الرغم من أن دخولهم ليس من المستحيل تقنيا.
وتذكر حمدي جالسا أمام ابنته في منزلهم رحلة إلى البحر الميت عبر الضفة الغربية، عندما تم إيقاف سيارتهم، المصممة خصيصا لتلائم كراسي ماريا المتحركة، عند نقطة تفتيش عسكرية وتقريبا احتجزت “لمزيد من التحقيق”.
وقال حمدي إن إصراره فقط هو ما سمح لهم بالمرور والعودة الى البيت، إذ هددهم بأنه “إذا حدث أي شيء لابنتي، سيكون ذلك تحت مسؤوليتكم”.
وقالت لوستيغمان أنها وشريكها القانوني، تمير بلانك، قد عملا لأكثر من 11 عاما لمساعدة العائلة على أساس مجاني وسيواصلان القيام بذلك.
وقالت لوستيغمان: “لن نتوقف ولن ننسى ولن نستريح حتى يحصل مؤمن وحمدي على الأقل على الحد الأدنى من الهدوء الذي سيأتي من معرفة أنهم ليسوا على وشك أن يطردوا”.
شغف الرسم
تعيش الأسرة في الطابق الأرضي من مبنى سكني في حي بيت صفافا في القدس. تملأ غرفة المعيشة الأرائك، التحف، حوض أسماك، قفص طيور ولوحات ماريا.
بدأت الرسم عام 2011. وجاء معلم فنون إلى مدرستها و”قال لي، أريد أن أساعدك على التغلب على الحزن من خلال الرسم،” قالت ماريا.
وقالت انها لم تحب الرسم في البداية، ولكن مع مرور الوقت أصبح شغف. رسمت ماريا 23 لوحة حتى الآن.
وبالإضافة إلى اللوحات المخصصة لعائلتها، ترسم ماريا البالغة من العمر (16 عاما) اللوحات الذاتية والمناظر الطبيعية في غزة، استنادا إلى مجموعة من ذكرياتها وصورها من أفراد العائلة الذين لا يزالون يعيشون في القطاع.
أقامت معرضا في مدرستها، وتبرعت بلوحة التي ستباع في حدث جمع تبرعات في معرض بن عامي في تل أبيب.
هذا الأسبوع، عاد كل من ماريا وشقيقها إلى المدرسة. يدرس شقيقيها في ماكس راين هاند وهي مدرسة تابعة لمنظمة يد بيد وثنائية اللغة في القدس. كما كانت ماريا تذهب الى مدسة يهودية-عربية، لكنها أجبرت في النهاية على الانتقال إلى مدرسة إيلانوت لذوي الاحتياجات الخاصة في حي القطمون.
وطوال الصيف، تطوع مؤمن في ألين، وهو المكان الذي كان بيتا له معظم طفولته.
وبخلاف أسابيع قليلة لمخيم يومي الذي تنظمه مدرسة إيلانوت، قالت ماريا انها قضت معظم الصيف في المنزل.
وقالت إنها ووالدها يأخذان مؤمن إلى ألين في الصباح. يعودون إلى البيت، ومثل معظم المراهقين سنها، ماريا تقضي الساعات القليلة التالية في مشاهدة التلفزيون أو الدردشة مع الأصدقاء والعائلة على هاتفها الذكي، الذي تستعملة ببراعة بلسانها.
لاحقا، يعيد حمدي وضع ماريا في كرسيها المتحرك، ويذهبون لأخذ مؤمن من المستشفى حيث يتطوع.
منذ 11 عاما، تدور حياة حمدي حول أطفاله. لم يتزوج مرة أخرى، كما أن مقدار الرعاية التي تحتاج إليها ماريا على أساس يومي يحد من قدرته على الحصول على عمل.
عندما زارت تايمز أوف إسرائيل عائلة آمن، كان حمدي يجري مقابلة مع مقدمة رعاية لماريا، والتي سترافقها إلى المدرسة وتساعد في المنزل، لمنحه المزيد من الوقت والمرونة.
قال حمدي، وهو رجل نحيل ذو أنف طويل وابتسامة واسعة، إنه أصبح طباخا جيدا، إذ يحضر الأطباق العربية التقليدية مثل المقلوبة بالإضافة إلى بعض الوجبات التي لا ترتبط بالطهي الفلسطيني، مثل شولنت، وهو حساء يهودي الذي عادة ما يكون طعام غداء السبت.
“نعم، أنا أطبخ الخامين”، قال حمدي بابتسامة، مستخدما الاسم العبري للطبق.
كما تعلم كيفية وضع ماكياج ماريا وتصفيف شعرها. تقول ماريا إنها لا تعرف من علمه، لكنها تعتقد أنه يقوم بعمل جيد.
كان مهما بالنسبة لحمدي أن يرسل أولاده إلى مدارس يهودية عربية مختلطة، حتى يتمكنوا من التفاعل مع اليهود وعدم إيواء الضغائن ضد إسرائيل لما حدث لأسرتهم.
وبعد بضع سنوات من الغارة الجوية، التقى حمدي بالطيار الذي أسقط القنبلة. تذكر حمدي أن الرجل كان يبكي اعتذرا عما حدث.
وقال حمدي: “قلت له، تعال وتعرف على ماريا”.
وقال حمدي إن الغضب على ما حدث سيكون مجرد هراء ولن يعيد زوجتي أو ابني.
ماريا ووالدها يتعبرون الغارة الجوية التي قتلت نصف أسرتهم ووضعتها على كرسي متحرك قضاء وقدر.
“لم يكن الأمر مقصودا. لم يكن الأمر في أيدينا، ولم يكن في يد الطيار”، قالت ماريا.
انها ليست غاضبة لكونها مقعدة. وقالت: “لقد اعتدت على الأمر. بالإضافة إلى ذلك، لن يسمح أخي وأبي بأن أشعر بالسوء. لدي حياة جميلة”.