اخبار العالم العربي
كفة من ترْجح في قضية اتفاقية “تيران وصنافير”؟
تسبب قرار محكمة مصرية، بإلزام الحكومة بتنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تقر بتنازل القاهرة عن جزيرتي “تيران وصنافير” الواقعتين بالبحر الأحمر، لصالح الرياض، بتصاعد الجدل مجددا، بعد تبادل الطعون على قرارات المحاكم ما بين المؤيدين والمعارضين، ما أثار التساؤل “لمن الكلمة الفصل بعد صدور حكمين متناقضين للقضية ذاتها؟”.
وقضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، أمس الأحد بقبول دعوى تطالب بإلغاء حكم القضاء الإدارى بمصرية جزيرتى تيران وصنافير (في حزيران/يونيو الماضي)، وإلزام الحكومة بحكم الأمور المستعجلة السابق (في كانون أول/ديسمبر الماضي) بتنفيذ الاتفاقية، ويعد هذا الحكم قابلًا للطعن عليه أمام محكمة جنح مستأنف الأمور المستعجلة.
وعقب الحكم، قال أشرف فرحات، مقيم الدعوى التي قبلتها المحكمة، فى تصريحات صحفية، إن “المحكمة استندت الى عدم اختصاص القضاء الإدارى بنظر دعاوى الاتفاقيات السيادية.
وأشار أن “المحكمة ألغت مجددًا حكم القضاء الإدارى ببطلان الاتفاقية وجعلته منعدمًا نهائيًا، ووافقت على طلبه بإلزام الحكومة بذلك وعرض الاتفاقية على البرلمان”.
الطعن بقرار المحكمة
وبناء على جواز الطعن على الحكم، فقد تقدم محامون مصريون، اليوم الاثنين، بالطعن على الحكم أمام محكمة القضاء الإداري على كافة أحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الصادرة بشأن جزيرتي “تيران وصنافير”، بعدما أصدرت الأخيرة حكما بالأمس يلغي مصرية الجزيرتين.
وقال المتحدث باسم مقدمي الطعن، المحامي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، في تصريحات صحفية له اليوم، “طالبنا باستمرار تنفيذ أحكام القضاء الإداري والإدارية العليا، والتي قضت ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وباستمرار جزيرتي تيران وصنافير ضمن الأراضي المصرية وتحت السيادة المصرية”.
وشدد المحامي خالد علي، الذي سبق أن حصل علي حكم نهائي من “القضاء الاداري” بمصرية “تيران وصنافير”، على أن حكم الأمور المستعجلة الصادر بالأمس هو الحكم الثالث الذي يصدر منها ويحمل ذات المضمون دون سند دستوري، و”يعكس استمرار محاولات النظام للالتفاف حول حكم الإدارية العليا النهائي والبات، الذي أكد مصرية الجزر”.
وكانت هيئة قضايا الدولة (ممثلة الحكومة) قد تقدمت بطعن على حكم أصدره القضاء الإداري، في حزيران/يونيو الماضي، ببطلان الاتفاقية الموقعة بين القاهرة والرياض، إلا أنها المحكمة الإدارية العليا بمصر (أعلى جهة للطعون الإدارية وأحكامها نهائية) رفضت الطعن.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم كشف هويته، للأناضول، أن “محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، قضت بقبول دعوى تطالب بإلغاء حكم القضاء الإدارى بمصرية جزيرتى تيران وصنافير (في يونيو/ حزيران الماضي)، وإلزام الحكومة بحكم الأمور المستعجلة السابق (في ديسمبر/ كانون أول الماضي) بتنفيذ الاتفاقية”.
رأي قضاة وقانونيون
ويري قضاة وخبراء قانون أن الحكم الذي أصدرته محكمة الأمور المستعجلة غير المختصة بنظر هذه المنازعات، جاء برغبة حكومية بهدف إظهار وجود تعارض بين حكمين قضائيين يسمح لمحاميي الحكومة بطلب إحالة الامر للمحكمة الدستورية للفصل في المسألة بشكل نهائي.
ورأوا أن الهدف الأبرز هو اعطاء البرلمان حق تمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تعطي لها السيادة على هذه الجزر، لا القضاء، مشيرين أن موافقة البرلمان المرتقبة خلال ايام على الاتفاقية تفرض أمر واقع على المحكمة الدستورية وتتسبب في تنازع بين السلطات القضائية والتشريعية.
“الدستورية” قد تلغي حكم مصرية الجزر
المستشار محمد حامد الجمل رئيس “مجلس الدولة” الأسبق، أكد أن المحكمة الدستورية العليا هي التي ستحسم المنازعة بين محكمتي الأمور المستعجلة والقضاء الاداري اللتان أصدرتا حكمين متناقضين حول تبعية جزر “تيران وصنافير” لمصر.
وشرح المستشار الجمل في تصريح خاص لـ “قدس برس” أن “الحكومة لجأت بعد حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية الجزر مع السعودية، إلى محكمة الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ هذا الحكم فأصبح هناك تناقض بين الأحكام، وطبقاً للدستور فإن المحكمة الدستورية العليا هي المختصة بالفصل في هذا التنازع باعتبارها أعلى جهة قضائية في الدولة”.
وفيما يخص التنازع بين القضاء والبرلمان المصري، ومن له سلطة الموافقة على الاتفاقية، شدد المستشار الجمل على أن “رأى البرلمان هو الذي سيُنفذ، فالمحاكم ليست مختصة بالقضايا ذات الطابع السيادي أو التي لها صلة بأعمال سيادية”، بحسب تعبيره
ولم يستبعد مستشار سابق بالمحكمة الدستورية العليا أن تقضي المحكمة الدستورية، صاحبة الكلمة الأخيرة، بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري “إذا ما وجدت منازعة تنفيذ”، إلا أنه دعا الحكومة لاحترام حكم المحكمة الإدارية بمصرية “تيران وصنافير”.
وذكر المستشار، الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ “قدس برس”، أن “الكلمة الأخيرة فيما يخص التنازع القضائي في قضية تيران وصنافير، ستكون للمحكمة الدستورية، ولكنه ألمح إلى أن الحكم قد يصدر بعد موافقة البرلمان ما سيثير منازعة أخرى بين السلطات، وفق قوله.
بيد أن المستشار عادل فرغلي، رئيس مجلس الدولة الأسبق، أكد أن حكم الإدارية العليا الخاص باعتبار الجزر مصرية “نهائي وبات وواجب النفاذ بإجماع الآراء في المحكمة الإدارية العليا، وفى حال الفصل في أي دعوى منازعة للتنفيذ بين حكمي الإدارية العليا والأمور المستعجلة فسيتم إقرار حكم الإدارية العليا باعتبار أن القضاء المستعجل لا يضاهى القضاء الإداري.
وقال في تصريحات لـ “قدس برس”، إن “البرلمان يحق له مناقشة الاتفاقية باعتبار أن سلطته التشريعية منفصلة عن سلطة القضاء، ولكن سيكون من الصعب عليه أن يتجاوز أو يقر بعكس ما أقرته المحكمة الإدارية العليا”.
وشدد على أن الجزر “أرضا مصرية لا يجوز التنازل عنها بالمخالفة للمادة 151 من الدستور”.
ومازالت محكمة القضاء الإداري تنظر دعوى وقف تنفيذ قرار إحالة اتفاقية ترسيم الحدود الخاصة بجزيرتي “تيران وصنافير” لمجلس النواب إلى جلسة 23 أيار/مايو المقبل.
وتنص مادة (151) من الدستور المصري على أن “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة”.
لمن الغلبة البرلمان أم القضاء
وردا علي سؤال لـ “قدس برس”، لمن الغلبة ستكون، للبرلمان أم القضاء في حالة الحكم بمصرية أو سعودية جزر تيران وصنافير؟”، أوضح المستشار طارق البشرى نائب رئيس مجلس الدولة السابق أن “أعمال السيادة تخضع لرقابة القضاء بمجرد مخالفتها الدستور والقانون”.
وبيّن لـ “قدس برس” أن هذا ما فعلته المحكمة الادارية وأكدت عليه في حكمها، مشيرة إلى أن “تدخلها جاء لمخالفة العمل السيادي الخاصة بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود مخالف للدستور الذي يعارض التنازل عن الأرض باعتبار أن الحكومة أثبتت أنها غير أمينة على ملك الدولة”.
سجال الحكومة ومقدمي الطعن
وكان دفاع الحكومة أمام القضاء الاداري دافع بأن الاتفاقية، من أعمال السيادة التي لا يختص القضاء الإداري أو غيره بالنظر فيها، ولكن المحكمة ردت في حكمها مؤكده أنه إذا خالفت أعمال الحكومة الدستور أو القانون يجوز هنا تدخل القضاء، أي أن مخالفة الدستور هو مبرر تدخل مجلس الدولة لرفض الاتفاقية التي وقعها رئيس الوزراء في أبريل الماضي.
وقال المحامي خالد علي، إن حكم الامور المستعجلة أمس “لا قيمه له ولا أساس له من الصحة”، ولا يمكن الاعتداد به بأي حال من الأحوال، لأنه المحكمة غير مختصة بالتعقيب على أحكام المحكمة الإدارية العليا، ولأنه حكم بات ونهائي، ولا يصح لأي جهة أن توقف تنفيذ هذا الحكم التاريخي الصادر بتأييد بطلان توقيع الاتفاقية.
واعتبر أن الهدف من صدور حكم أمس الاحد هو منح مجلس النواب غطاء قضائي يستتر به لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية بزعم أن هناك حكم قضائي من محكمة الأمور المستعجلة قضى بعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا، ليدعوا بعد ذلك أن الاتفاقية سارية وصحيحة، ويوافقوا على تسليم الجزر للسعودية.
كما أن الحكم “يستهدف تمهيد الأرض لتقوم الحكومة بتقديم دعوى تنازع اختصاص أمام الدستورية العليا، بزعم أن الاتفاقية تعرضت لها جهتان قضائيتان مختلفتان وكل منها تمسك بنظر النزاع وأصدر أحكاما مختلفة عن الأخرى، ومن ثم أصبح هناك تنازع اختصاص بين المحاكم يوجب على المحكمة الدستورية العليا الفصل في هذا التنازع لتحدد من هي المحكمة المختصة، ومن ثم تحديد الحكم واجب النفاذ.
يشار إلى أنه في الثاني من أبريل/نيسان 2017 رفضت المحكمة الإدارية العليا، طعن هيئة قضايا الدولة على حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، وقضت بتأييد حكم محكمة القضاء الإداري الذي يفيد بمصرية جزيرتي تيران وصنافير.
ووقّعت مصر والسعودية، نيسان/ أبريل 2016، اتفاقية يتم بموجبها نقل تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” بالبحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية.
وشهدت على إثرها مصر، مظاهرات احتجاجًا على قرار الحكومة المصرية في الشهر ذاته بـ “أحقية” السعودية في الجزيرتين بموجب اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود.
وردّت الحكومة المصرية على الانتقادات التي وُجهت لها بعد توقيع الاتفاقية، بأن “الجزيرتين تتبعان السعودية وخضعت للإدارة المصرية عام 1967 بعد اتفاق ثنائي بين القاهرة والرياض بغرض حمايتها لضعف القوات البحرية السعودية آنذاك وكذلك لتستخدمها مصر في حربها ضد إسرائيل”،
المصدر : القدس برس