اقلام حرة

زواج الانترنت ومسخ القيم/ ليلى عيسى

مع الانفتاح العالمي وثورة المعلومات فقد أصبح الغزو الثقافي والفكري على مجتمعاتنا خاصة مع إنتشار شبكات التواصل الاجتماعي أمرا سهلا للغاية ومن الظواهر التي إنتشرت هي أساليب التعارف الحديثة بهدف الزواج وذلك عبر الانترنت حيث لاقت هذه الظاهرة اقبالا شديدا خاصة بين جيل الشباب .

إن ظاهرة الزواج عن طريق النت، تتشابه نوعا ما مع الخطبة في أيام زمان، لكنها تختلف اختلافا شديدا معها بالآلية وتفتقد للكثير من المصداقية، فالخطبة سابقا كانت تتعامل مع أطرافها بالعلن وبعلم ولي الأمر وخاصة الأم، فهي التي كانت تتفق مع قبول الخطبة من قبل العريس المناسب لإبنتها بالرغم من أن القرار النهائي كان على الظاهر بيد الأب، أما زواج الانترنت الحالي فاغراضه لا تتعدى في الكثير من الأحيان التسلية واللهو بعقول الآخرين وأصبحت وسيلة رخيصة للتعارف بغية علاقات عابرة ولم تقتصر على الشباب الذين لم يسبق لهم الزواج بل أصبح المتزوجون يتخذونه وسيلة للعب على عقول الفتيات أيضا ليكملوا النقص الذي يعانوه مع زوجاتهم خصوصا وأن اكثر المعلومات التي يتم نشرها أنفسهم تكون عارية من الصحة .

على الرغم من أن العلاقات التقليديّة السابقة كزواج الصالونات والزواج عن طريق الخطبة كانت تثير الكثير من الانتقادات لكنها كانت تحمل بين طياتها صدق المشاعر والأمان الحقيقي لأن الغرض منه كان الاستقرار وتشكيل الأسرة بعيدا عن اللهو واللعب والعبث بمشاعر الآخر. فالزواج رباط مقدس يشترط فيه التوافق الاجتماعي والفكري والثقافي وموافقة ولي الأمر وهي سنة من سنَن الله التي وهبها للبشرية .
قال الله تعالى

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
واليوم مع إنتشار ظاهرة الزواج عبر الإنترنت تقرع نواقيس الخطر لتنذر الموهومين من عدم الانجراف وراء السراب الذي غالبا ما يبدأ بالكذب المنمق والخداع الجميل إلا إنه ينتهي بالفجر والفسوق وعلاقات مشبوهة قد تؤثر على الأسرة الضحية باكملها ومن ثم تترك آثاراً سلبية على المجتمع .
ونادرا ما تحتوي ظاهرة زواج الانترنت على حب حقيقي وغالبا الرغبة هي التي تتحكم بتلك العلاقة .

لقد تفاقمت سلبيات هذه الظاهرة وبدأت تنتشر كثيرا في الآونة الأخيرة مع تضائل فرص الزواج نتيجة للتضخم الاقتصادي وغلاء الأسعار وصعوبة المعيشة مما جعل الشباب يبحثون عن طريق أسهل للتخلص من الكبت والحرمان، كما أن التقدم التكنولوجي وإنتشار الانترنت في كل مكان وفي جميع المنازل كثف من زيادة عدد مستخدميه ومع هذه الزيادة انتشرت مواقع التعارف والدردشة مما يتيح الفرصة لمشاركة اكبر عدد ممكن دون قيد أو شرط .

غالبا لا تثمر العلاقات التي تأتي عن طريق الانترنت سواء إن كانت مجرد علاقات عابرة أو زواج لأنها تفتقد للمصداقية الحقيقية ولا تمنح السكينة التي وعد بها الله وقننها في التعليمات السماوية، كما إنها غالبا ما تكون منافية للعادات والتقاليد التي تعودت عليها مجتمعاتنا الشرقية.

وهكذا نحن أمام مشكلة لا يمكننا الإستهانة بها لأن هذه العلاقات عادة تنتهي بالفشل وبالتالي ستؤدي إلى مضاعفات تمس النظم الأخلاقية للأسرة والمجتمع وتفرز أمراضا اجتماعية بدأت تظهر بوادرها في الأفق لذا فلابد لنا جميعا أن نقف عند هذه الظاهرة وينبغي أن تتعاون الجهات المسؤولة حتى يكون لها دور مؤثر وجاد للحد منها وتقع المسؤولية الأكبر على عاتق مؤسسات المجتمع المدني حيث عليها أن تتكاتف مع الأسر عن طريق اجراء ندوات تثقيفية للرقابة على الشباب بغية توجيههم بعيدا عن العنف أو المنع القسري للحؤول دون سقوطهم في هوة هذه الظاهرة التي باتت تمثل إحدى الاخطار التي تؤدي في بعد من أبعادها إلى عزوف عن الزواج نتيجة التخوف من التحاليل المنتشر في هذا المجال عبر الشبكة العنكبوتية من جهة وفقدان الزواج قدسيته من جهة أخرى لأنه تحول إلى حالة وقتية تنتهي بانتهاء الحاجة .

وبما أن هذه الظاهرة تلقي بظلالها على قيم وعادات ايجابية توارثناها جيلا عن جيل فمهما توصل العلم إلى تقنيات متطورة لا تستطيع أن تقضي على النظم الأخلاقية والتقاليد الإيجابية لو إستطاعت مجتمعاتنا تثقيف الأجيال الصاعدة وكما يقال “من فات قديمه تاه” وتبقى العادات والتقاليد العربية الإسلامية سواء إن كانت اساليب التعارف ثم الخطبة وثم الزواج حتى لو كان زواج الصالونات، أفضل من زواج الانترنت الذي قد يؤدي لمسخ القيم والمبادئ الضامنة للفرد والمجتمع.

المصدر الصدى نت

مقالات ذات صلة

إغلاق