نشاطات
ابتسم (طالب) ورحــل
الكاتب: ماهر حسين
ابتسم (طالب) ورحــل .
حول قيم الإعتدال مجتمعيا” وسياسيا” ودينيا”.
لا يثيرني تفكير الصاخبين فصوتهم أعلى من فكرهم. ولا أخشى من يتحدثون دومــــا” عن أحلامهم وطموحهم ومشاكلهم، فهؤلاء من السهل أن تعالج معهم أيَّ موقفٍ ملتبس، ومن السهل كذلك أن تتعامل معهم بشكل مباشر، بل يمكنك أن (تقتتل) معهم نقاشا” وحوارا” بلا شعور بالحساسية تجاه مشاعرهم. وحدهم من يتصفون بالهدوء يثيرون حيرتي، إذ إنّي أخشى الإساءة لهم قولا” أو سلوكا” دون إنتباه.
مثلا”.. قد تكون منغمساً في حديثٍ ما وفي قمة إنفعالك يبادلك المستمع إبتسامةً تختصر ردَّ فعـله. إيّاك والإستهانة بها .. فهمي قد تعني على أقل تقديرٍ أنك احمق .
مثلا”.. إذا شعروا بأن الكلام لا يناسبهم أو أن الجو العام لا يليق بهدوءهم فينسحبون كردّ فعلٍ. فإيّاك الإستهانة بانسحابهم لانه قد يعني كذلك بأنك أحمق .
هؤلاء هم الهادئون المعتدلون الباسمون… يمرون بنا في الحياة كنسمة هواء لطيفة. لا نفتقد وجودهم إلا في الرحيل أو الغياب.
من الهادئون كان (طالب) … وأنا أفتقده .
تلقاه دومـــــــــــــاً مبتسما”.. متحدثا” بصوت منخفض.. متفقا” مع الجميع ويدرك ما يريده بلا تردد .
يغريني الحديث عن (طالب) ليس باعتباره إبن عمي إنّما كونه نموذجاً لشابٍ عاش بصمت وهدوء ورحـــل بصمت وهدوء وإعتدلٍ في كل شئ.
نعم اعتدل في كل شيئ.. في علاقاته و ردّ فعله ومواقفه وصداقاته فالكل صديق (طالب) بمقدار .
الكل من الممكن أن يتحدثوا لــ(طالب) ولكن لا يعني حديثهم أن هناك أسرار.
ببساطة هو إنســـــــــــــان معتدل .
معتدل إجتماعيا” وسياسيا” ووطنيا” .
بل كان رحمـــه الله معتدلاً دينيا”.
سأتحدث عن الإعتدال الإجتماعي والسياسي والوطني الذي قد يكون الوصفة لحل المشاكل التي نعيشها على كافة المستوايات الوطنية والإجتماعية والسياسية .
ويقيني بلا تردد أنّ الاعتدال هو الحل الأمثل لمعضلات التطرف الديني والتعصب المذهبي .
وطنيا” نحن بحاجة الى الاعتدال في تعاطينا مع قضايانا الوطنية. فلا يجب أن نبالغ في ردود أفعالنا على أي حدث، إذ إنّ المبالغة ممجوجة، والرفض له أصوله والإنتقاد بناءٌ وليس هدم كما نفعـــل ويفعل هذا يشكل خاص بعض ممن يطلقون على انفسهم المعارضة .
إجتماعيا” يجب ان نتعلم بأن التباين نعمـــة وتنوع مجتمعي. وكل إختلاف الأصل والعادات والجنس هو تعزيز لثقافتنا الجماعية والإجتماعية وهو جزء لا تيجزّأ من هويتنا الوطنية ولا مجال للتعامل مع كل قضايانا الإجتماعية بلا اعتدال في المواقف.
وسياسيا” يجب تناوله ببعدين حيث هناك اعتدال سياسي داخلي واعتدال سياسي خارجي …
داخليا” هناك ضرورة لإلغاء العداء وتعزيز فكرة المشاركة والمعارضة حيث إنّ كل اختلاف سياسي هو فقط من اجل فلسطين ولهذا يجب الاعتدال في معارضتنا لبعض وهناك ضرورات للاعتدال في الخلاف طالما كان الهدف فلسطين فلا تخوين أبدا”.
خارجيا” وأقصد به الصراع الدائر حولنا بالاضافة طبعا” الى علاقاتنا يجب أن يكون مفهوما” لدى الجميع بأننا أصحاب حق وهذا الحق محمي بقوانين الشرعية الدولية ومحمي باصرار أبناء شعبنا على نيل الحرية والإستقلال .
وإعتدالنا في الموقف السياسي وتعاطينا مع المجتمع الدولي أثبت لنا كل يوم بأنه يحقق جزء مما نريد فلا يجب أن تغرينا الخطابات الرنانة التي لا تقدم ولا تؤخر ولا يجب أن تغرينا الدول التي تريد فلسطين ورقة في أيديهـــا وفقط.. إنّ لغتنا السياسية وعلمنا الدبلوماسي ووعينا في أختيار أسلوب الصراع الأمثل لتحقيق أهداف شعبنا يقوم على أساس تعزيز فكر الإعتدال والوعي وهذا هو ضمانة نجاح شعبنا لاستعادة الحق الفلسطيني ولاقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .
دينيا” يجب إعادة النظر بصدق وموضوعية للتطرف وما تركه لنا من مصائب لا تعد ولا تحصى حيث قتل الأخ أخاه باسم الدين وما نراه من تبعية لأشخاص ودول تستخدم المتطرف لتحقيق مصالحهـــــــــــــــا هو المثال على ما نعيشه من تعصب ديني وتطرف مذهبي .
وهنا تحديدا” أقول …
لا للتطرف الديني ولا للتبعية لمصالح الدول الأخرى بإسم الدين. ويجب محاربة هذا التطرف الديني الملعون بالاعتدال والوسطية .
فالدين اعتدال ورحمة وبناء وهو رسالة الله عز وجل لنا لتحقيق العدل وإعلاء شأن القيم .
نعم يجب ان يكون الاعتدال إعتدالاً مجتمعياً اجتماعياً دينياً وطنياً وسياسياً، وكل المعتدلين هم أقرب للحق من كل ما هو تعصب وتطرف وتشدد ممجوج ومكروه .
أعود لما بدأت وأقول ..
أبتسم (طالب) ورحل كما هو معتدلا في كل شيئ .
فرحم الله (طالب عبدالله عمر أبو ناصر) من ديراستيا… لم يكن سياسياً ولم يكن نقابياً برلمانياً خطابياً ولكنه كان معتدلا” مبتسماً مدركاً لما يريد بلا تردد.