اقلام حرة
من عزرائيل إلى قابيل: لعنة الخطيئة الكبرى..وفتنة الأُمم وائل سليمان
_الكل حائر وخائف من هذا المصير.. إلا “هو”
_يعلمون مكانته ومنزلته الرفيعة ويشهدون له بالإيمان والصلاح.. إذن فلايوجد من هو أفضل للقيام بتلك المهمة.،
_ذهبوا إليه وطلبوا منه الدعاء لهم بالنجاة..
_ إبتسم فى زهو وافتخار.. وأومأ برأسهِ وعينيهِ إيجاباً لطلبهم.. ثم استدار وسار فى خُيَلاءِهِ بكلِ ثقةٍ وثَبات..
وهناك.. دعا للجميع بالنجاة.. وبيقينٍ زائفٍ نأى بنفسهِ عن مطلب الأنقياء.. ولم يخطر ببالهِ أنه المقصود بتلك العبارات ( طرد إبليس..لعن إبليس) يا لها من كلمات.،
إهتز من هولها الملائكة المنزهون وملأتهم الرهبة من وعد رب السماوات.،
_أما هو.. فلم يتوقع للحظة بعد كل هذا التكريم أن يكون مصيره الطرد واللعنات.. و وقف غروره حائلاً بينه وبين إدراكه لحقيقة الأمر وحتميته.. إغتر برصيدهِ الكبير من الإيمان، وبمكانتهِ التى رفعه إليها الرحمن، واعتقد أنه بلغ المنتهى بعدما صار من المقربين، فتوهم بأنه أضحى خارج دائرة الفحص والتمحيص.،
* إلى أن جائت اللحظة الكاشفة..
_ وأعطى الخالق أمره للجميع بالسجود لخليفتهِ..
_تلقّىَ الملائكة الأطهار أمر ربهم على الرحب والسعة ونفذوه بطاعةٍ مطلقة.. سجد الجميع.. وظل عزازيل واقفاً رافضاً ولأمر ربهِ عاصياً ومجادلاً:
_ (أنا خيرٌ منه..خلقتنى من نار وخلقته من طين)..
نظر للأمر نظرةٍ ماديةٍ جاهلة، فطغى الكِبْر حتى تَمَلّكه وملأ الحقد قلبه وأعمى بصيرته.. فحق عليه الخروج من جنة الله ورحمته.. بعد أن تحدى مشيئته ولم يفطن لمكرهِ أو يعى حكمته.،
_ لم يدرك عزازيل أن على قدر المَنْح والمَنْع يكون الإختبار الإلهى “العادل”.. لا أكثر من احتمال النفس وقدرتها، وبالطبع ليس أقل من ذلك.. وإلا انتفت الحكمة والعلة من الإختبار (التمحيص)..وانعدمت منطقية النتيجة والجزاء (رضا الخالق أو سخطه) ومايترتب عليها من آثار.،
_سقط عزازيل الصالح المقرب فى الإمتحان.. وجُرِدَ من ألقابهِ ونُزِعَ عنه اسمه وخرج مصحوباً بالوعيد واللعنات.. وهوى إلى الأرضِ محملاً بحقدٍ زُعاف.. متوعداً آدم وذريته بويلات الغواية والافتتان.،
_وظل متربصاً يتحين لحظة الثأر حتى أتت.. فألقى بخطيئتهِ فى عقلِ قابيل وقلبهِ.. فاستجابت نفسه واستسلمت لهواها.. وأبت.. ولم ترضى بقَدَر مُقَسِم العطايا..ومُلَبّى ومانع الرغبات والرجاءات.،
_لم يدرك قابيل بدورهِ أن بين (عَسَىَ و عَسَىَ) تكمن الحِكمة دائماً وتنطق العِظَات.. فإما نُمنح العطايا أو تُلقىَ علينا النِقَمْ،
_وهكذا أخبرنا الرؤوف دائماً وأبداً بِنا: فعسى الخير فيما تكره نفوسنا قد يكون آتياً.. وعسى الشر فيما رَغِبَت واشتهت كامناً مُتستراً.، فإما رضا النفس باختيار “العليم العادل” لها.. وإما سَخَط منها يتبعه سخط عليها فخسارةٍ ثم ألمٍ وندمٍ بعد أوانٍ يكون غالباً قد فات.،
_إنتبه قابيل لنفسهِ واستفاق بعد أن شهق الجبل فى وجهه هلعاً وغضباً من هول ما رأى.. شهق الجبل الذى شَهِدَ على قتله أخاه.. وظل إلى يومنا هذا باكياً متألماً.،
_إسترد قابيل وعيه فوجد أخاه تحت قدميه مسجياً بلا نبضٍ أو حراك.. ونظر إلى يدهِ الملطخة بدماءهِ غير مصدقٍ ما اقترفته فى حقه وفى حق الله.. فسقطت دموعه والتقت بدموعِ من شَهِد وامتزجا بدماء أول ضحية لِكِبْرِ الإنسان وحقدهِ.،
_بكى قابيل وأيقن أن إبليس اللعين قد نال منه بعدما نجح فى بث سموم الكبر والحقد فى نفسه.. فَتَبِعَ هواهُ وارتأى أنه أحق بما قُسِمَ لأخيه متحدياً إرادة الوهَّاب.،
_نَدِمَ قابيل متأخراً وتوجه تائباً للرحمن..
ولكن يبدو أن تلك الخطيئة الإبليسية قد استقرت فى جيناتهِ وانتقلت لنسلهِ جيلاً بعد جيل.. سَرَت فى دمائهم وسكنت أنفسهم الأمارة بالسوء..
_أما إبليس.. فلم يتخلى أبداً عن دورهِ.. ولم يحيد لحظة عن ذات الهدف اللعين، فقد أيقن أن الشئ الذى فَتَنَهُ وتسبب فى خسارتهِ.. حتماً سيكون أيضاً السبب فى هزيمة غريمه الأبدى.، زادت أعداد البشر وتضاعفت.. فرأى إبليس أن عليه تعديل استراتيجيته.. وفَطِن إلى ضرورة الإستعانة منهم بشركاءٍ له.. ومن أجل العثور على من يعاونه وذريته لإنجاز هدفه بسرعةٍ وإتقان.. وضع الشروط وجاب أرجاء المعمورة فى كل الأزمان بحثاً وفحصاً لبَنِى الإنسان.. حتى وجد ضالته بل وأكثر مما تمناه.. لم يكن يتوقع أن هناك من يضارعه فى الكِبْرِ.. بل وطموحٍ خبيثٍ قد جاوز العنان.. وقع اختياره على (بنى إسرائيل) وقبل أن يبادر هو.. أقبلوا هم عليه وعاتبوه على تأخره وسألوه أين كان؟!.، تهيأ كلاهما وتحضرا.. إتفقا على الهدف وراجعا الخُطة ووثَّقا العهد ووقعا العقد ثم انطلقا.. وكلما رأى خطيئته بكل صورها وأشكالها تضرب الأمم وتعصف بمقدرات البشر وتَخْلُف الفِتَن وتشُق أنهاراً من دمٍ لا تنضب ولا تنقطع وتؤسس لدستورٍ من الكراهية والثأر اللانهائى.. ضحك عالياً منتشياً.. وزاد إصراره وتَنَامَىَ شعوره بالفخر على حسن اختياره لأسوأ فصيلٍ من البشر.
_نعم.. أكاد أجزم وكلى ثقة أن كل ما عانته البشرية وتعانيه من حروبٍ ودمارٍ.. وفتنٍ وقلاقل ونزاعات.. كان بسبب الكِبْرِ ومشتقاته وآثاره.. العنصريةوالتعصب..الحسد والحقد والكراهية.. النرجسية والشيفونية والسادية.. الصلف والتسلط والتعجرف،
تختلف الصور والمُسَمَيات ويبقى الأصل واحداً.
_أُقِر.. بأحقيتنا أن نفخر بانتماءاتنا..
(إلى عقيدةٍ نعتنقها.. إلى وطنٍ نحمل جنسيته.. إلى لغةٍ أو لهجةٍ نتحدثها..إلى جنسٍ أو لونٍ يميزنا.. إلى طبقةٍ إجتماعيةٍ ننتسب إليها.. إلى عملٍ نمتهنه.. أو حتى إلى فريقٍ رياضىٍ نشجعه.. كما أقر بأحقيتنا فى الإعتزاز بقناعاتنا وآراءنا.. وفى الطموح من أجلِ حالٍ ومستقبلٍ أفضل)
* ولكن.. ثمة خيط رفيع يفصل الكِبْر والحِقد عن الإنتماء والطموح.. خيط رفيع يقف إبليس على حافته مضللاً غريمه.. جاذباً ودافعاً إياه للجنوح والخروج من محراب الحكمة والإعتدال وجنة الإنتماء والطموح الخضراء الزاهرة.. إلى جحيم العنصرية والتعصب ومستنقع الحقد والكراهية.. وبكلٍ أسف فإن تاريخ الإنسانية يشهد على نجاحات إبليس الباهرة.،
* فكم من حروبٍ اندلعت.. وكم من أوطانٍ دُمِرَت.. وكم من دماء أُرِيقت وأُهدِرت.. وكم من نزاعاتٍ وقلاقلٍ وحواجز نفسية أُقِيمت وشُيِدت.،
* خاض بنو آدم من أجل أوطانهم وعقيدتهم الدينية حروباً دامية ومروعة.. ثم اختلفوا داخل الوطن الواحد وداخل العقيدة الواحدة.. فِرَقٍ ومذاهبٍ وطوائفٍ.. وكلٌ يرىَ جماعتهِ الصحيحة الناجية.. وأهل المدن يتعالون على أهل القُرى.. والغنى على الفقير.. والأبيض على الأسود.. وصاحب كل رأى لرأيه أصبح متعصباً.. ولرأى غيره صار رافضاً ومستنكراً، وتحول الأفراد والجماعات والبلدان الطامحة إلى طامعة.. فمن أجل تحسين الحال والمآل أَضْحَىَ الجميع مرتزقة وقراصنة.
_ أنظر حولك.. فلن تجد بلداً إلا وقد ملأت جنباته وأركانه الخلافات والنزاعات المدمرة.. ثم اعْمِل عقلك ودقق النظر فى المشهد جيداً.. فلن ترى سوى الشيطان والصهاينة.. من خلفِ الستارِ يمسكون بخيوط اللُعبة ويحركون أدواتهم بمهارةٍ فائقة.،
* فلا سبيل للنجاة إلا بالتمسك بفضائل الاعتدال والتواضع والرضا.،
* إفخر واعتز بانتماءاتك وقناعاتك المتنوعة.. واطمح لحالٍ وغدٍ أفضل.، دون أن تُكَفِر أو تُهدِر دماً.. دون أن تحقد أو تطمع.. أو تحتقر أو تُبغِض مُختَلِفاً أو مُخَالِفاً.،
* ولا تغرنك قوتك أو سُلطتك..ولا مالك أو شُهرتك.. فهذه الدنيا فى النهاية زائلة.،
* واعلم..
إن كنت تريد البقاء حتى بعد رحيلك عنها..
أن الحب هو أبلغ رسول، وأن أخلاقك هى أفضل داعية.
الصدى نت