شعر وشعراء

عظماء الإسلام اليوم الثاني عشر

مصطفى ابو ستيت

سنستعرض معا كل يوم بإذن الله
نبذة مختصرة عن احد عظماء الاسلام لنقف معا علي روح ودوافع البطولة ولنحيي ذكري العظماء
حفل التاريخ الإسلاميّ على مرّ سنواته بشخصيَّاتٍ عظيمةٍ، عملت بكلِّ جدٍّ وبذلت الكثير في سبيل الله؛ نصرةً للإسلام والمسلمين، ولعلّ من أعظم الشخصيات في الإسلام بعد شخص النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأعظمهم دورًا في نشر رسالة الإسلام: الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعي

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

12-(الجندي المجهول في أمة الإسلام)
النجاشي (أصحمة بن أبجر)
” اخرجوا فَصَلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم”
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم )
ملك نصراني من ملوك أفريقيا ، هذا الملك يسلم ويؤمن بنبي عربي لم يره في حياته البتة، فيأتيه رجل عربي كافر من نفس مدينة ذلك النبي ليزوره، وغرضه من تلك الزيارة هو محاربة ذلك النبي وأصحابه، ليسلم ذلك الرجل ليس على يدي النبي الذي كان يراه ليل نهار في مدينته وإنما على يدي ذلك الملك الأفريقي الذي لم يرَ النبي أصلًا!!! ثم يتحول هذا الرجل العربي إلى بطلٍ من أبطال الإسلام، فيقوم بعد ذلك بإدخال الإسلام إلى مدينة الإسكندرية التي كان يتبع كنيستها ذلك الملك نفسه قبل أن يسلم!!! أمّا ذلك النبي فهو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمّا ذلك الرجل العربي فهو عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه، وأمّا ذلك الملك الأفريقي المسلم فهو أصحمة بن أبجر نجاشي الحبشة جزاه اللَّه كل خير.
هناك بعيدًا عن مكة وصحراء العرب، في أدغال مملكة الحبشة (أثيوبيا وأريتريا وشمال الصومال حاليًا) وفي إحدى الليالي المظلمة، قتل بعض المتآمرين (أبجر) نجاشي الحبشة (النجاشي لقب يُطلق على كل ملك يحكم الحبشة!)، ثم جعل أولئك المتآمرون ملكًا آخر على الحبشة، وباعوا ابن الملك المقتول لأحد تجار الرقيق، وفي ليلة من الليالي الممطرة خرج الملك الجديد خارج قصره، وبشكل عجيب غريب، نزلت صاعقة من السماء وهو بين جنوده فأصابته من دونهم، فوقع قتيلًا في التو واللحظة، فسادت الفوضى بلاد الحبشة، فعلموا أنها لعنة حلت عليهم من اللَّه، فبحثوا عن ابن الملك الأول ليعيدوه للحكم، فعرفوا أنه في متن سفينة مبحرة إلى بلاد العرب حيث سيباع هناك عبدًا، فأدركوا السفينة قبل رحيلها، ليجدوا ابن الملك قبل أن يبحر إلى بلاد العرب لكي يباع هناك عبدًا، فقاموا بتحريره ومن ثم اجلسوه على عرش أبيه الذي اغتصبوه من قبل، هذا الغلام كان يسمى (أصحمة بن أبجر) وهو نفس الملك الذي اشتهر لدى المسلمين باسم النجاشي!
وربما يكون هذا الظلم الذي وقع للنجاشي في طفولته هو سبب مقته للظلم، لذلك اشتهر النجاشي بعدله بين الناس، الأمر الذي دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكي يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم، عندها بعثت قريش (عمرو ابن العاص) الذي كان صديقًا قديمًا للنجاشي لكي يستردهم، ولكن المفاجأة حدثت عندما قذف اللَّه الإيمان في قلب النجاشي، ليخفي النجاشي إسلامه عن قومه، ليس خوفًا على الكرسي، إنما خوفًا من أن يفتك النصارى باللاجئين المسلمين الذين كانوا يمثلون تقريبًا نصف عدد المسلمين على وجه الكرة الأرضية، فقد بعثهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خصيصًا للحبشة وأبقاهم بها ١٥ سنة لكي يحملوا رسالة الإسلام للبشر في حالة إذا ما قتل المشركون رسولَ اللَّه وصحابته الكرام، فيكون هناك من يحمل راية الإسلام في الأرض إذا ما أصابهم مكروه.
هذا التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أدركه تمام الإدراك النجاشي أصحمة، فكان من الضروري على النجاشي أن يكتم إسلامه حرصًا على استمرارية الدعوة، فلقد رأى النجاشي من بطارقة النصارى حَنَقَهم بهذا الدين الذي يدعو إلى وحدانية اللَّه وترك عبادة المسيح، فخشي أن يثوروا عليه ويعزلوه (كما فعلوا مع أبيه من قبل!)، فيضيع بذلك حليف قوي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان بإمكانه دعم الدولة الإسلامية الناشئة، بل في أسوأ الأحوال، يمكن له استضافة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ما اقتضت الحاجة، في حالة انهيار دولة المدينة.
هذه الأسباب دعتني لإطلاق لقب (الجندي المجهول في أمة الإسلام) على النجاشي (أصحمة ابن أبجر)، الملك الأفريقي الذي لا يعرف أغلبنا أصلًا أنه مسلم، ليبقى النجاشي مرابطًا في الحبشة بعيدًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وبعد سنوات من النصرة السرية للمسلمين مات النجاشي رحمه اللَّه قبل أن يكحل عينيه برؤية الرجل الذي آمن به وصدقه من دون أن يراه، ليعلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخبر موته وهو في المدينة قبل أن يجمع الصحابة ليصلي عليه صلاة الغائب، لتنتهي بذلك قصة أول ملكٍ من ملوك الأرض يؤمن برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، قصة أول ناصر لهذا الدين من ملوك الأرض!
المفارقة العجيبة في قصة هذا العظيم الإسلامي، أن النجاشي رحمه اللَّه كان التابعي الوحيد الذي أسلم على يديه أحد الصحابة وهو عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-!
رضي الله عنه وارضاه
مصطفى ابو ستيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق