مقالات

العشرُ الأواخر أقبلت، فاغتنِم نفحاتها (32) بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة- * من تجليات ليلة القدر (2)

بقلم : الدكتور محمد طلال بدران

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– ولأن رسول الله ﷺ تلقّى في هذه الليلة المباركة رسالة الوحي الإلهي، وباكورة القرآن الكريم، وهذا الاصطفاء الإلهي له كرسول ونبي وخاتمٍ للنبيين والمرسلين، وجعله نبيًا للعالمين جميعًا بشيرًا ونذيرًا، جاءت عظمة هذه الليلة وقدرها الذي لا تستطيع أن تحيطها الأفكار ولا تسطيع خط منزلتها الأقلام، حيث ابتدأت من لحظتها فاعلية هذه الرسالة العظيمة، وإيذانًا بمرحلةٍ جديدة وحياةٍ فريدةٍ في حق الإنسانية كلها، ابتداءً بالعرب الذين لم يكن لهم أية قيمة بين أمم الأرض وشعوبها ليصبحوا بين ليلة وضحاها أسياد العالم وقادته من دون منازع..
– ومن الملاحظات المهمة أن أمر الاصطفاء والنبوة لم يكن مفاجئًا للعرب ولغيرهم من أهل الكتاب، فما أكثر ما تناقلت الجزيرة أنباء وإرهاصات عديدة عن قرب بعثة نبي جديد قد حان وقته وآن أوانه، وما أكثر ما تحدث عن ذلك السُّمّار والكُهّان والرهبان والمتحنفون عن رسالة سماوية منتظرة شارفت على الظهور، وحانت بعثة رسولها، وقد كانت مكة على وجه الخصوص الموضع والملتقى الذي تتلاقى فيه هذه الإرهاصات وتلك البُشريات، وتتجمع روافدها من هنا وهناك حول البيت العتيقِ الذي هو مثابة الحج ومركز العبادة في جزيرة العرب، ولكن لم يكن أحد يدري على وجه اليقين لحظة ظهور ذلك المبعوث المرتقب والمنتظر المبارك…
وأعتقد أن المفاجأة كان لها وقع شديد على نبينا محمد ﷺ أكثر من غيره فقد هزه الوحي عندما جاءه وغطّه من أعلى رأسه إلى أخمص قدمه، وكان لوَقْع المفاجأة أن جاوزت أبعاد التصور البشري على شخص النبي الكريم ولذلك فقد عاد إلى بيته شاحبًا خائفًا يرتجف فؤاده ويحتاج إلى من يهدئ من روعه ويسند ظهره ويكون عونًا له على ما شاهد ورأى وعايش، وهنا تجلى دور خديجة الزوجة الكريمة العظيمة الحكيمة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث أخذت تبشره بالخير، وتطمئنه بأن الله -عز وجل- لن يخزيه أبدًا، وأخذت كلماتها الطيبة هذه تنساب إلى فؤاده الطيب الطاهر كنسمات الصيف العليلة، فبثت في قلبه الثقة والأمن والسكينة والطمأنية، ثم ذهبت به إلى ابن عمها (ورقة بن نوفل) الذي كان على علم بالكتب السماوية السابقة التي بشرت بمقدم ذلك النبي الكريم، فحكت له ما ذكره لها زوجها محمد ﷺ، فاستمع لكل كلمة قالتها، وأصغى بكل عناية لها، ثم أخبرها بأنه قد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى -عليه السلام-، وأنه نبي هذه الأمة… فيا لليلة القدر ماذا غيّرت وماذا أحدثت!!
– وكذلك فإن من المعانى المتصلة بليلة القَدْر هي إدراك قيمة الوقت وأهميته في حياتنا، فالزمن يكون فى أعظم تجلياته عندما تتجسد فيه حقائق الهداية والبركات والرحمات بين الناس، وكذلك قيمة الزمن تكون عندما يتقدم الإنسان نحو تحقيق أهدافه وغاياته، فرُبَّ ليلةٍ واحدةٍ تتجلى فيها أنوار الهداية ويعرف الإنسان فيها غايته ورسالته تكون له خير من ألف شهر يهيم فيها على وجهه ولا يعرف لنفسه غاية ولا رُشدًا.. وللحديث بقية ان شاء الله
– مقالة رقم: (1563)
ضمن سلسلة:(رمضان أقبل بالهُدى، فاغتنِم نفحاته)
25. رمضان. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد، ورمضان كريم
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق