الرئيسية

قراءة أدبية لقصيدة «عندما تاهت خطواتي» للشاعرة القطرية سعاد الكواري بقلم الأديب الكويتي خالد المويهان

شاعر الأمة محمد ثابت

قراءة أدبية لقصيدة

«عندما تاهت خطواتي»

للشاعرة القطرية سعاد الكواري

بقلم الأديب الكويتي خالد المويهان

(مدير مركز الشعر الإعلامي)

تنهض قصيدة «عندما تاهت خطواتي» على بنية شعرية حداثية، تتكئ على النداء، والبحث، والتشظّي الوجودي، لتغدو القصيدة فضاءً مفتوحًا تتقاطع فيه الطبيعة بالذات، والحلم بالخراب، والرجاء بالتيه. إنها ليست خطابًا وصفيًا بقدر ما هي رحلة استبطان، تتخفّى في صور كثيفة، وتستدرج القارئ ليكون شريكًا في عملية الاكتشاف.

1) النداء بوصفه تفكيكًا للعنف

تفتتح الشاعرة القصيدة بنداء صريح: «ضعوا أسلحتكم جانبًا وتعالوا». هذا النداء لا يطلب السلام فحسب، بل يفكّك منطق العنف ذاته، إذ تستبدل به الشاعرة منطق البحث والرؤية: الغابات، الريح، الأشجار، الثقب الصغير. كأن السلام هنا ليس موقفًا سياسيًا، بل شرطًا معرفيًا للوصول إلى الذات/القصيدة. إن الدعوة إلى ترك السلاح هي دعوة لخلع القسوة الذهنية قبل الجسدية.

2) الطبيعة كمرآة للذات الضائعة

تتخذ الطبيعة في القصيدة دور المرآة الداخلية: الغابات، الأنهار، الجحور، الريش، البحار، الأعمدة. ليست هذه مفردات تزيينية، بل خرائط نفسية. البحث عن الشاعرة «نائمة» في ثقب أو حفرة ضيقة من العالم، يحوّل النوم إلى استعارة للانكفاء، وللهشاشة، ولرغبة في الاختفاء من صخب الوجود. حتى «مملكة الجن» و«جزيرة البجع» تتأرجحان بين الأسطورة والنقاء، بما يعكس تردّد الذات بين الخوف والحلم.

3) الأعمدة: ذاكرة الجسد والجحيم

في المقطع الأوسط، تبلغ الصورة ذروتها حين تتحول الأعمدة إلى أجساد وظلال وهيئات «منقوشة في دفاتر الجحيم». هنا يتجسّد الاغتراب الوجودي: الإنسان عمودٌ قائم لكنه قابل للسقوط في براكين مجهولة. ومع ذلك، تعود الأعمدة لتطفح من جديد، في حركة بعثٍ هشّ، يتسلّقها البشر ويلوحون لليمام—رمز السلام—في انتظار أن يحط على رؤوس متعبة. إنها مفارقة النجاة المؤجَّلة.

4) الجسد: من السجن إلى الطقس التطهيري

حين تقول: «غطّوا جسدي بسعف النخيل»، يتحول الجسد إلى مساحة طقسٍ تطهيريّ. النخيل—رمز الحياة والخصب في المخيال العربي—يُستدعى لتهدئة الروح. غير أن النهاية المفتوحة («ربما هدأت أو تاهت») تُبقي الاحتمالين قائمين، مؤكدة أن الخلاص ليس يقينًا بل احتمالًا شعريًا.

5) نفي الآخر وإعلان العاصفة الداخلية

في المقطع الأخير، تنفي الشاعرة قصدها للآخرين: خيولهم، أجسادهم، غيومهم، نسائهم. هذا النفي المتتابع يفضي إلى اعتراف مركزي: العاصفة داخلية. الدوران الذي يقسم الرأس، والغيمة التي تحجب الرؤية، هما استعارتان لذروة التيه، حيث يصبح العمى مؤقتًا شرطًا لإعادة الرؤية.

خلاصة نقدية

قصيدة «عندما تاهت خطواتي» عملٌ شعريّ يتقن إدارة التوتر بين الخارج والداخل، ويحوّل الطبيعة إلى لغة نفسية، والنداء إلى أداة تفكيك، والبحث إلى بنية. لغتها مشحونة بالرمز دون تعقيد، وصورها تنبني على تراكم دلالي يفضي إلى أثر تأملي عميق. إنها قصيدة التيه الواعي؛ لا تحتفي بالضياع، بل تكشفه كي تفتح، من خلاله، نافذةً لاحتمال السلام

—————————

( النص )

قصيدة «عندما تاهت خطواتي» للشاعرة القطرية سعاد الكواري

ضعوا أسلحتكم جانبا وتعالوا�من أجل هذه الغابات التي تعبرها الريح�تعالوا وانظروا�وسط الأشجار المتشابكة�ابحثوا عن ثقب صغير�فربما وجدتموني نائمة�ربما وجدتم قربي مملكة للجن�أو جزيرة للبجع\

***

هذه الأنهار التي تندفع بسرعة�عبر قنوات طبيعية�هذه الجحور المنهارة�هذا الريش المتكوم على حافة ضيقة�ابحثوا ربما تجدونني نائمة�في هذه الحفرة الضيقة من العالم

***هذه المياه الغزيرة�التي لفظتها عيون السماء�شكلت المسطحات الهائلة من البحار�هذه الأعمدة المستقيمة التي تشبه أجسادنا�تشبه ظلالنا ، هيئتنا المنقوشة في دفاتر الجحيم�هذه الأعمدة التي سقطت في براكين مجهولة�أخذت تطفح من جديد�وأخذنا نتسلقها ونلوح لسرب اليمام�كي يحطَّ أخيرا على رؤوسنا�رؤوسنا المتعبة

***

ضعوا أسلحتكم وتعالوا�القضبان تآكلت�فلماذا تقـفون هكذا بلا مبرر�كأنكم قباب نحاسية�دمرتها الرطوبة�تعالوا ..�غطوا جسدي بسعف النخيل�فربما هدأت روحي�ربما هدأت أو تاهت

***

لست أقصد خيولكم�المطاردة دائما�لست أقصد أجسادكم�المبقعة بسبب أمراض كثيرة�لست أقصد غيومكم الرخامية�لست أقصد نساءكم المنهزمات�بدون معركة�لست أقصدكم على الإطلاق�لكني أشعر بدوران فظيع�يقسم رأسي إلى نصفين�

وبأن غيمة عملاقة تقف أمامي�وتمنعني من الرؤية

شعر/ سعاد الكواري


عناية مكتب القاهرة

مدير التحرير ومدير مكتب القاهرة

شاعر الأمة محمد ثابت


 

إغلاق