الرئيسية

قراءة في قصيدة مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْكِ لشاعر الأمة محمد ثابت بقلم / الأديب الكويتي خالد المويهان

شاعر الأمة محمد ثابت

قراءة في قصيدة مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْكِ

لشاعر الأمة محمد ثابت

بقلم / الأديب الكويتي خالد المويهان

تأتي قصيدة “مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْكِ” لشاعر الأمة محمد ثابت كواحدة من النصوص التي تُعيد الاعتبار للشعر العاطفي الأصيل، ذلك الشعر الذي يَنقُل القارئ من عالمه الواقعي إلى عالمٍ تتوهج فيه المشاعر وتتجلى فيه اللغة بكل رهافتها وسموها. إنها قصيدة تجمع بين البساطة العميقة، والبوح الناضج، والصور التي تُشبه لآلئ تتناثر على صفحة القلب.

أولاً: لغة تمتزج فيها الرقة بالعمق

منذ البيت الأول، يختار الشاعر أن يدخل القارئ إلى منطقة “المسكوت عنه”:

“بيني وبينك في الهوى ما لا يُقال”

وهذه الافتتاحية ليست مجرد وصف، بل إعلان لحالة روحية تتجاوز حدود الكلام. فهو حبّ أكبر من الكلمات، وأعمق من قدرة اللسان على التعبير، حبٌّ يختبئ في مناطق لا يطولها الشرح ولا يطالها الوصف.

إنها بداية تؤسس لجو القصيدة كلّه: حبّ لا يُقال، لكنه يُشعر، يُلمَس، ويُرى في العيون قبل الألسنة.

ثانيًا: الحسن والحزن… توأمان يسكنان الملامح

يُصرّ الشاعر على ربط جمال المحبوبة بحزنها، وكأنه يريد القول إن جمالها لا يكتمل إلا بلمسة الحزن التي تزيده عمقاً واتساعاً:

• “فالحسن في الشفة الجميلة لا يُطال”

• “والحزن في العين الكحيلة لا يُطال”

هنا تتجلى قدرة الشاعر على مزاوجة المتناقضات: جمالٌ يلمع في الشفتين، وحزنٌ يقطن في العينين.

وما بين الجَمَال والحُزْن تتشكل ملامح معشوقته، فتبدو كأنها لوحة إنسانية كاملة؛ تبتسم بقدر ما تبكي، وتعطي بقدر ما تخفي، وتبقى محور انجذاب لا يملك السامع إلا الانشداد إليه.

ثالثًا: الحبّ… ملجأ بين أوجاع الحياة

في البيت:

“إني أحبك فرحةً ما بين أوجاع الحياة”

يضع الشاعر محبوبته في مقامٍ إنساني شديد الخصوصية؛ فهي ليست مجرد معشوقة عابرة، بل فرحة تستقر بين ندوب الحياة ومواجع الأيام.

هذه الصورة الوجدانية تضع الحب في موقع الملاذ، في موقع الدواء الذي يربط الشاعر بالحياة رغم قسوتها، وكأنها تقول:

بالرغم من الآلام… يبقى الحب نافذة للضوء.

رابعًا: التصعيد العاطفي… من الحب إلى الأم

يبلغ النص ذروته في التعبير عن صدق الحب عندما يقول:

“يا من أحبك بعدما أحببت أمي”

وهي جملة ذات وقع نفسي وأخلاقي كبير، إذ تُشير إلى عمق التقدير والصفاء الذي يحمله الشاعر لمعشوقته. فأن يأتي الحب بعد حب الأم يعني أنه وصل إلى مقامٍ لا يشبه أي مقام؛ مقام المودة الخالصة التي لا تعرف الزيف ولا المجاملة.

هذا الانتقال من الخاص إلى الأخص، ومن الشعور الإنساني إلى الشعور الفطري، يعطي القصيدة بُعدًا إنسانيًا عميقًا يُلامس كل قارئ.

خامسًا: القفل الموسيقي وتكرار المعنى الراسخ

تتكرر اللازمة:

“بيني وبينك في الهوى ما لا يُقال”

في نهاية القصيدة ليعود الشاعر إلى نقطة البداية، لكنه يعود وقد حمل القارئ معه في رحلةٍ من الاعترافات، والانكشاف الروحي، والتصوير العاطفي.

التكرار هنا ليس تكرارًا لفظيًا، بل تثبيتًا للمغزى… تثبيتًا للسرّ الكبير الذي لا يزال أكبر من الحروف، وأعمق من الجملة.

سادسًا: شاعر الأمة… ومسؤولية الكلمة

تأتي هذه القصيدة انعكاسًا لخبرة شاعر الأمة محمد ثابت، مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر، الذي عرف كيف يُعيد وهج الفصحى العاطفية بأسلوب يجمع بين التراث وجمال الحداثة.

فالنص مكتوب بروحٍ كلاسيكية في بنائه، لكنه معاصرٌ في مشاعره وصوره، ما يجعله مقروءاً لجميع الأزمنة.

خاتمة القراءة

إن “مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْكِ” ليست قصيدة حبّ وحسب، بل قصيدة كشف روحي.

فيها نبرة صادقة، وعمق وجداني، وصور تنبض بالحياة والضوء.

نصٌّ يُعيد للقارئ إيمانه بأن الشعر قادرٌ — متى صَدَق الشاعر — على لمس الروح وتهذيب الإحساس.

إنه نص يليق باسم محمد ثابت، ويليق أيضًا بأن يُقرأ مراتٍ لا مرة واحدة.

بقلم / الأديب الكويتي

خالد المويهان

——-

مِنْ سِحْرِ عَيْنَيْكِ/ قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت

—————-

بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الْهَوَى

مَا لَايُقَالْ

عَجَزَتْ جَمِيعُ الْأَلْسِنَةْ

فَالْحُسْنُ فِي الشَّفَةِ الْجَمِيلَةِ

لَا يُطَالْ

وَالْحُزْنُ فِي الْعَيْنِ الْكَحِيلَةِ

لَا يُطَالْ

لَاتَأْخُذِينِي لُعْبَةً

مِنْ سِحْرِ نُورِكِ تَرْتَمِي

أَيَّ اتِّجَاهْ

إِنِّي أُحِبُّكِ فَرْحَةً

مَا بَيْنَ أَوْجَاعِ الْحَيَاةْ

وَهَوَاكِ فِي عُمْرِي صِبَاهْ

وَجَمَالُ وَجْهِكِ صُورَةٌ

مِنْ صُنْعِ مَوْلَايَ الْإِلَهْ

النُّورُ نُورُكِ يَا عُيُونِي

فَلْتَسْكُنِي قَلْبِي …جُفُونِي

لُمِّي بَقَايَايَ وَضُمِّي

يَا مَنْ أُحِبُّكِ بَعْدَمَا

أَحْبَبْتُ أُمِّي

بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الْهَوَى

مَا لَا يُقَالْ

فَلْتَنْظُرِي

فِي أَمْرِ حُبِّي … وَالْوِصَالْ

بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الْهَوَى

مَا لَا يُقَالْ

فَلْتَنْظُرِي

فِي أَمْرِ حُبِّي … وَالْوِصَالْ

———————-

قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت

مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مص

إغلاق