أخبار عالميه

سجين تونسي تنصفه العدالة بعد 25 عاما من وفاته

في بادرة هي الأولى من نوعها، أحالت محكمة تونسية مؤخرا 21 شخصا للمحاكمة، بتهمة تعذيب سجين حتى الموت، في مركز شرطة مدينة نابل الساحلية عام 1991 بعد أن نددت بممارسات الشرطة الوحشية.

قضية الطالب فيصل بركات التي تعود إلى ربع قرن من الزمن ليست سوى فصلاً واحداً من رواية التعذيب والمعاملة السيئة في مجال حقوق الإنسان، الذي أصبح رمزاً لحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.. وقد تسببت تلك الممارسات في آلام سجناء وعائلاتهم على مدى عقود.

خلف أسوار الموت

وفي ذكرى وفاته الـ25، عادت قضية بركات، إلى الظهور للعلن، بعد أن قدمت عائلته شهادتها بخصوص مقتله في جلسات الاستماع لهيئة الحقيقة والكرامة (17 و18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي)، وتميط اللثام عن تفاصيل اعتقاله وتعرضه للتعذيب ما أدى إلى وفاته عن عمر يناهز 25 عاما.

وعقب وفاته قامت السلطات التونسية بترتيبات تهدف إلى إخفاء حقيقة تعذيبه، وادعت أنه لقي حتفه في حادث سير.

وعلى إثر شهادة عائلة بركات، أحالت محكمة الاستئناف 21 متهما للمحاكمة بتهمة “التعذيب الصادر عن من موظف عمومي الناتج عنه الموت”.

وفي تعليق على قرار المحكمة، اعتبر شقيق فيصل أنه قرار رائد ومتطور في القضاء التونسي؛ لإدانته لأول مرة في هذه القضية متهمين بتهمة التعذيب الناتج عنه الموت مشيرا إلى أن القرار يشمل وزراء ومستشارين برئاسة الجمهورية في نظام بن علي، إلى جانب عدد من الأمنيين ممن مارسوا أعمال العنف والتعذيب.. بيد أن عائلة بركات قررت الطعن في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف “لتورط أطراف أخرى في القضية”، وفق ما جاء على لسان شقيق الضحية.. وأكد فيصل “أن الأطراف المتورطة تشغل اليوم مراكز حساسة في الدولة، وتشمل أيضا أشخاصاً في هرم السلطة”.

2017 سنة مناهضة الإفلات من العقاب

من جانبه، ثمن رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، الإجراءات القضائية الجديدة في قضية مقتل فيصل بركات، وفي مداخلة مع RT، أكد جمال أن الرابطة التونسية كانت ولاتزال متابعة لقضية بركات، رافعةً دوما شعار استقلالية القضاء.

واعتبر أنه بالرغم من التطور الإيجابي في قضية فيصل بركات، لا يزال الجناة ومسؤولين ضالعين في القضية خارج دائرة الاتهام.. وطالب مسلم بعدم تأثير السلطة القضائية أو أصحاب النفوذ في مراحل القضية التي أحيتها من جديد جلسات الاستماع التي أشرفت عليها هيئة الحقيقة والكرامة.

ولفت رئيس الرابطة إلى أن المجتمع التونسي بحاجة إلى ترياق يحميه من عودة جلادي التعذيب والقطع تماما مع ما يعرف بدولة البوليس، وفي اعتقاده فإن هذا الأمر لن يتم إلا بمناهضة الإفلات من العقاب والمحاسبة.

وشدد في حديثه إلى ضرورة أن يكون عام 2017 سنة مناهضة الإفلات من العقاب ليقطع بذلك جذور الحقبة السوداء في تاريخ تونس، وسيرا نحو عدالة انتقالية فعلية.

أما رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط بلحسن، فقد أكد لـRT أن هذه القضية هي أحد مظاهر المطالبة بالقطع مع مسألة عدم المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب، ونوه إلى أن حكم القضاء في مثل هذه القضايا هو مدخل لتحقيق العدالة وإنصاف أجيال عديدة من التونسيين الذين عانوا من أنظمة الاستبداد.

وتطرق إلى حاجة البلاد اليوم إلى إقامة عدالة انتقالية تقوم على كشف الحقيقة والمحاسبة وإنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

بدوره، لم يبتعد كمال الغربي، رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية عن مواقف محدثينا السابقين، بل جزم أن الإجراءات القضائية الجديدة في مقتل فيصل بركات هي نجاح لمسار العدالة الانتقالية وتأكيد الإرادة القضائية في محاسبة الجناة.

وقال كمال الغربي لـRT، إنه من المهم بلوغ نهاية القضية وعدم التدخل سياسيا في قرار القضاء، لأنه تقع على عاتق القضاة مسؤولية تاريخية في كشف الحقيقة.

وفي واقع الأمر، بدأ في عام 2009 التحقيق الرابع كجزء من تحقيق قضائي-حيث استدعي بعض أفراد الشرطة لاستجوابهم، ولكن أحدا لم يمثل أمام القاضي المسؤول عن التحقيق في وفاة فيصل بركات.

ليحرز سير التحقيق نوعا ما من التقدم في أعقاب الإطاحة بحكم رئيس بن علي، لكن التطور الحقيقي في مجريات القضية كان في مارس/آذار 2013، حيث استخرج رفات فيصل بركات بحضور عائلته وقضاة تونسيين وأطباء شرعيين وطبيب شرعي بريطاني يدعى الدكتور “ديريك باوندر” ومندوبين عن منظمة العفو الدولية.

وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية، حصولها على تقرير تشريح جثة فيصل بركات، ورد فيه تعرض الضحية إلى الاغتصاب بأداة حادة، وتعرضه للضرب المبرح في مناطق عدة من جسده، ودلت الإصابات على وجود نمط اعتداء جسدي ممنهج، ليؤكد التقرير أنه لا يمكن أن تكون وفاة فيصل بركات ناجمة عن حادث مروري على الإطلاق.

فيصل بركات ..ذاكرة التعذيب في تونس

وكان فيصل بركات طالب بجامعة تونس اختصاص رياضيات وفيزياء، وعضو في “حزب النهضة الإسلامي” المحظور بتونس – وهو الاسم السابق لحركة النهضة قبل تغييره – وقد انتقد في برنامج تلفزيوني في 8 مارس/آذار 1991، تعامل الحكومة مع الصدامات التي اندلعت بين الطلبة والشرطة وأسفرت عن وفاة العديد من الطلاب في ذلك الوقت.

ولم يدر بخلد بركات أن موقفه وظهوره سيجلب له تتبعا وملاحقات عدلية، حيث حكم عليه غيابياً بالسجن لمدة 6 أشهر على جرائم، من بينها عضويته في منظمة غير مشروعة.

ويعد فيصل واحداً من آلاف السجناء الذين لاقوا نفس المصير في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، قضوا جراء التعذيب والتنكيل داخل السجون ومراكز الحجز.

وكان المدافعون عن حقوق الإنسان ينددون منذ سنوات بالتعذيب في تونس قبل ثورة 2011، الذي كان منهجيا على حد قولهم ووسيلة في يد السلطة، لتصفية المعارضين، سواء كانوا يساريين وليبراليين وإسلاميين.

هذا واستمر التعذيب طوال حقبة بن علي، ليصدر المجلس الوطني للحريات تقريرا عام 2000، جاء فيه إنه لم يعد أحد بتونس، في مأمن من التعذيب والسجن التعسفي والعقاب الجماعي والمحاكمات الجائرة، والاعتداء الجسدي”.

مما لا شك فيه أن التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس، يتابعها المجتمع الدولي عن كثب، كاستثناء في المجال العربي قياسا إلى باقي دول الربيع، بعد مخاض عسير كاد أن يطيح بكل الآمال المعلقة عليه.

ا

مقالات ذات صلة

إغلاق