منوعات

في ليلة غرق السفينة تيتانيك، وجدوا طفلين صغيرين، بلا أبٍ ولا أم، مجهولي الهوية

في ليلة غرق السفينة تيتانيك، وجدوا طفلين صغيرين، بلا أبٍ ولا أم، مجهولي الهوية، فلقّبتهم الصحافة بـ”أيتام تيتانيك”. ولم يكن أحد يعلم أن وراء وجهيهما البريئين حكاية تختلط فيها المحبة بالخذلان، والحلم بالمأ*ساة، والحنين بالفقد.

كان هناك رجل يُدعى ميشال نافراتيل، وُلد عام 1880، وعاش جزءًا من حياته في المجر، ثم انتقل إلى مدينة نيس الفرنسية، وهناك فتح محل خياطة ونجح في عمله، حتى أنه جمع من المال ما يكفي ليبدأ حياة جديدة. فتزوج فتاة تُدعى مارسيل كاريت، فرنسية من أصل إيطالي.

أنجبا طفلًا سموه ميشال، ثم رزقا بعده بطفل ثانٍ، أسمياه إدموند. ولكن كما يحدث كثيرًا حين تخفت نار العشق الأولى، بدأت الخلافات تدخل في زواجهما، وتحوّل الحب إلى جفاء، والجفاء إلى فراق.

أُهمل ميشال عمله، تراكمت عليه الديون، وأصبح مهددًا بأن يخسر كل شيء… حتى أطفاله. فقد قرر القاضي أن يُؤخذ الطفلان إلى دار رعاية إلى حين البت في حق الحضانة، وأدرك ميشال حينها أن كل ما تبقى له في هذه الدنيا على وشك أن يُنتزع منه. فجنّ جنونه، وقرّر أن يخطف ولديه، ويهرب بهما إلى أمريكا، باحثًا عن بداية جديدة… أو هاربًا من نهاية لم يتحملها.

باع محلّه بثمن بخس لرجل يُدعى لويس هوفمان، وطلب منه جواز سفره، وبتزوير متقن، أصبح ميشال يُدعى لويس هوفمان. ثم استأذن دار الرعاية لرؤية الطفلين في أحد الأعياد، ووقّع على تعهّد بإرجاعهما… لكنه لم يكن ينوي العودة.

أخذ الطفلين، وودّع فرنسا إلى الأبد، وسافر إلى مدينة ساوثهامبتون، ليصعد معهم على متن أكبر سفينة عرفتها البشرية آنذاك… “تيتانيك”. وفي أعين الطفلين كان يحمل وعدًا بمستقبل أكثر دفئًا، وفي قلبه كان يخفي وجعًا لا يُحتمل.

ولكن الحياة لم تمهله، والسفينة التي ظنّها طريق النجاة، كانت طريق الغرق.

في ليلة المأساة، حين اصطدمت السفينة بجبلٍ جليدي، أيقظ ولديه من النوم، وضمّهما بقوة، وكأنّه يُخبئهما من العالم، ثم وضعهما على آخر قارب نجاة. قبّل جبينيهما، وأعطى ميشال الصغير رسالة كتب فيها:
“اعتني بأطفالنا… أحبك من كل قلبي… ستفتقدك قلوبنا كثيرًا.”
ولم ينجُ… فبروتوكول الإنقاذ كان واضحًا: “النساء والأطفال أولًا”، أما الرجال فكان مصيرهم الغرق… أو النسيان.

وصل الطفلان إلى نيويورك، لا يملكان حتى اسميهما. فالهوية مزورة، ولا عنوان، ولا أم تعرف مكانهما. حيث لم يكتب الأب اسمه في الرسالة أو حتى اسم أو عنوان الأم. تبنّتهما سيدة أمريكية، ولقّبتهم الصحف بـ”أيتام تيتانيك”. لكن أحد الصحفيين لاحظ لهجتهما الفرنسية، فأرسل صورة لهما عبر الصحف، لعلّها تصل إلى الأم.

وبالفعل، وصل الخبر إلى مارسيل… وسافرت إلى أمريكا، وهناك عانقت ولديها عناق الأم التي ظنّت أنها فقدت نصفها إلى الأبد. والتُقطت لهم صورة، كانت فيها الدموع تختلط بالابتسامة… صورة تختصر كل ألم الفقد، وكل فرح اللقاء.

كبر الطفلان، واحتفظا بحب أبيهما في قلبيهما، رغم كل شيء.
ميشال، أصبح أستاذ فلسفة في جامعة مونبلييه.
أما إدموند، فصار مهندسًا معماريًا، لكنه توفي شابًا في الثالثة والأربعين من عمره، عام 1953.

أما ميشال، فقد عاش حتى عام 2001، وتو*في عن عمر 92 عامًا. لكنه ظل يتذكر آخر لحظة مع والده، لحظة الوداع، ومشهد القارب وهو يبتعد به عن حضن الأب… الذي أحبه بصدق، وإن خانه التصرّف.

في مقابلة نادرة وهو في سن متقدمة، قال:
“رغم أنني كنت في الرابعة من عمري فقط حين غرقت السفينة، إلا أنني أذكر أن والدي قال لي:
يا بني، عندما تأتي والدتك إليك، كما ستفعل بالتأكيد، أخبرها أنني أحببتها كثيرًا وما زلت أحبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق