بينَ يافا وَتَلَّ أبيب
حيرَةُ دورِيٍّ وَلوعَةُ عندَليبْ
وَقَناديلُ انتِظارٍ لمْ يزَل في ضوئها الخافتِ حُزنٌ
يتَجلّى في مرايا البحرِ، كانَ البَحرُ يبكي
هلْ رأى أحدٌ بكاءَ البَحرِ يا يافا
يكادُ البَحرُ حُزناً أن يَذوبْ
بَينَ يافا وتَل أبيبْ
بَعضُ يافا تَتَمَلّى صَفحَةَ الماءِ وشَمساً
أوشَكَت تَغفو على شفَةِ المَغيبِ كأيّ عاشِقَةٍ
تغيبُ إنْ قبَّلها يَوماً عشيقٌ أو حَبيبْ
وحَكايا عَنْ عَصافيرَ على مرمى منَ القَنّاصِ
تجتازُ الرّصاصةَ كي تَعودَ إلى الدِيار مع الغُروبْ
كيفَ حالُ البَحرِ يا يافا ؟ أما زالَ كئيباً يذرِفُ الدَّمعَ
على مرأىً مِنَ الشّبابيكِ العَتيقَةِ شَرَّعتها الرّيحُ
يا للرّيحِ كَمْ تُخفي النّوايا
كانتِ الرّيحُ نسيمَ البحرِ يأتينا على أجنِحَةِ الليلِ
وأسرابِ الفَراشاتِ التي يَخطِفُها القنديلُ منْ غَفوَتِها
أيُّ سِرٍّ فيكَ يا ضوء القناديلِ لكيْ تعمي الفراشاتِ
متى حامَت عَليكَ تَعَلَّقَتْ بالنّورِ غير آبهَةٍ
إذا احتَرَقَتْ قُبَيلَ الصُّبحِ أحياها النّهارُ
فَقَبَّلتْ قَدَمَيكِ عندَ الفَجرِ وانسَحَبَتْ تُحَلِّقُ بَينَ الزُّرقَتَينِ
على مدى الذّكرى’تُسَلِّمُ عُهدَةً للبَحرِ تِشهَدُها السّماءُ
بأنّا عائدونَ غداً فلا تنسَ تفاصيلَ الحِكايَةِ
أنتَ الشّاهِدُ الأبَدِيُّ أنتَ على الخُرافَةِ والأساطير
التي حيكت بخيطِ العنكبوتْ
آهِ يافا يا قِنديلنا الأبَدِيَّ في لَيلِ المَنافي
ها أرواحُنا مُنذُ ابتَعَدنا عن نسيمِ البَحرِ
تَحتَرِفُ التّسَلُّلَ كالفراشاتِ تطوفُ حولَ قنديلكِ عشقاً
كادَ يَقتُلُها لولا أريجُ البرتُقالِ يُحييها فتأوي للظِّلالِ
تَهُزُّ أجنِحَةً فيمتَلئُ المَدى شُهُباً
وتعلو الرّوحُ في وَتَرِ القصيدة
للقَصيدَةِ نجمَتانِ ودَمعَتانِ على بوابَةِ البَحرِ هما
حيفا ويافا قِبلَتا أرواحنا الحَرّى وثمَّةَ نجمَةٌ أخرى على بَحرِ الجَليلِ استأنَست طَيفَ المسيحِ على البُحَيرَةِ
قَد مشى يوماً فصارَ الماءُ قُداساً لمَن يَهوى السّماءَ
منارةً للأرضِ تَهدي للمَحَبَّةِ فالطَّريقُ إلى السّماءِ
أوَّلُها وآخِرُها هُنا
ها نَحنُ سَلَّمنا لمَوجِ البَحرِ عُهدَتنا ممهورةً بدَمِ الشّهادةِ
فاحفَظها على هاماتِ مَوجِكَ الأبَديِّ
وانقُشها على صَخرِ الشّواطئِ
عائدونَ على طريقِ النّار بينَ الموتِ والمَلكوت
عائدونَ
عائدونَ اليكَ يا بَحرُ انتَظِرنا
وانتَظِرنا نَحنُ مثلكَ لا نموتْ
