بارعات العالم العربي
قراءة في رواية (لعبة الزّمن) للأديبة نزهة أبو غوش، الرواية موجّهة لليافعين، صدرت عن دار الهدى كريم في كفر قرع، للعام 2025.

بأسلوب سلس وشائق، أخذتنا الكاتبة لعمل روائي امتاز بالعمق العاطفي، والتأملات العلمية والمشاعر الإنسانية.
الفكرة الرئيسة للرواية:
الرفض الشعبي للتكنولوجيا، تحديدًا لأدوات طبية حديثة كالـ”هولوجرام”، نتيجة الخوف من المجهول، وسوء الفهم، والخلط بين الدين والعلم.
1. الشخصيات
*ربيع: شخصية شديدة الحساسية، يظهر تأثره بالواقع والتكنولوجيا الحديثة، ولكنه يحنّ إلى الطفولة والبراءة.
*سـالم: رجل الإلكترونيات شخصية ترمز إلى التقدم التكنولوجي، لكنها تُقدَّم بشكل بارد ومجرد، كأنه يفتقر إلى الإحساس، ويمثل التقدم العلمي والتقني. يتم طرده رغم فائدته، مما يكشف عن التسرع في الحكم عليه.
*الشيخ محمود: يمثل الموقف الديني المتشدد نوعًا ما، إذ يخلط بين الإيمان والجهل بالعلم، ويُظهر ذلك في رفضه “التجسس”.
*الشيخ عبد الحق ى تمثل الشخصية المسيطرة والأوامر الصارمة،
*الأستاذ عثمان: شخصية حكيمة تمثل الاعتدال، يحاول تهدئة الموقف وفتح النقاش بعقلانية.
*الطبيب الجراح: شخصية واقعية وعملية، يوضح بالأدلة كيف أن التكنولوجيا ساهمت في تحسين حياة الناس.
*الجدة زهوة: تمثل الخير والحكمة، في دعوتها إلى وقف الاقتتال ومنع النزاع والخلافات، ودعوتها إلى عدم السماح للزمن بان يتلاعب بنا، وتذكر ان النزاعات تطمع الآخرين فينا.
*زينة: تمثل البراءة والمرح والاحساس الفني، وهي محور عاطفي لربيع، إذ تعيد له شيئًا من الفرح، وتمثل النقاء والعودة إلى الجذور الإنسانية في مواجهة المادية الجافة.
*الأب أبو حسن، يمثل شخصية الأب الشرقي الباحث عن حقيقة اختفاء ولده مهما كلف الثمن.
*ياسمين: تمثل الفقد والحزن والحدث المثير نتيجة الخلافات.
2. الثيمات (الأفكار التي طرحت في القصة):
*التكنولوجيا والدين: النص يطرح تساؤلًا ضمنيًا حول حدود تدخل العلم في الحياة، وهل يُعد ذلك تعديًا على الإرادة الإلهية أم لا؟
*الخوف من المجهول: يظهر في صراخ الشيخ محمود واستغراب الناس من العدسة الهولوجرامية.
*أهمية الحوار والعقلانية: تتجلى في دعوة عثمان لشرب القهوة والنقاش، وفي كلمة الطبيب التي تحمل بُعدًا توعويًا وتنويريًا.
*الدهشة تظهر وتعبر عن حالة داخلية يعيشها البطل بين الانبهار بالتكنولوجيا والشعور بفقدان المعنى.
*التكنولوجيا مقابل الإنسانية: هناك صراع بين الحنين إلى البساطة والدهشة التي تأتي من الأجهزة، وبين الفراغ العاطفي الذي تخلفه.
*الخوف والقلق: تتجسّد في مشاعر الأب تجاه ياسمين بعد فقدان ابنته.
* المخدرات: تأثير المخدرات على المجتمع عامة والفئة الشبابية خاصة.
*التهجير والاستبداد: أشارت إلى بعض الأساليب المتبعة في تهجير الإنسان من أرضه، والتسلط عليه وإبقائه في حالة من عدم الاستقرار والأمن.
3. اللغة والأسلوب
*تميز أسلوب الكاتبة بالكثير من التشبيهات والصور البلاغية والتفصيلات والأسئلة المثيرة للتأمل والجدل.
*أكثرت من استعمال المفردات التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
*أكثرت الكاتبة من الحوار الداخلي والخارجي الذي يعزز التوتر النفسي ويقرب القارئ من معاناة الشخصيات.
*توظيف الأسئلة الوجودية: مثل: “ماذا سيقول إن عرف بما يفعله رجل الإلكترونيات؟” وهي تفتح بابًا للتأمل الفلسفي.
*لغة الرواية جمعت بين السرد والحوار: ما يعزز التوتر الدرامي ويجعل النص حيًا.
*أظهرت الكاتبة نبرة تصاعدية: تبدأ بغضب شعبي، ثم تدخل شخصية تهدئ وتفسّر، ثم تنتهي بموقف عقلاني.
*أكثرت الكاتبة من ذكر الأماكن التي تعزز وتثري الحدث، وانتقلت بنا من البلدان الرمزية إلى المدينة إلى القرى المهجرة إلى القدس زهرة كل المدائن، والضوء الساطع فوق الدروب، تلك المدينة التي يوجعنا أنينها ويرهقنا حصارها.
4. الرموز
*عدسة الهولوجرام: ترمز إلى التقدم الذي يخترق الخصوصية والخيال.يرمز للتكنولوجيا المتقدمة التي تُقابل بالريبة رغم فائدتها.
*القرية: ترمز إلى البيئة التقليدية الرافضة للتغيير.
*بلدة نور الشمس ونور القمر: ترمزان إلى الواقع والاقتتال الداخلي في المجتمع الفلسطيني.
*فنجان القهوة: رمز للحوار والتفاهم.
*العاطفة: تباينت من خلال الشخصيات العواطف والأحاسيس حيث أبرزت دفقان من الشعور بالفقد والحزن، والفرح والأمل، والغضب، القلق والاشمئزاز، والخوف، والحزن، وظهر عنصر المفاجأة في مواقع عدة من الرواية:
* رؤية ياسمين بعد موتها والتحدث معها من خلال عدسة الهولوجرام.
*اختفاء سالم رجل الإلكترونيات. *هروب ربيع من البلدة للبحث عن سالم.
* إجبار ربيع على بيع المخدرات لطلاب المدارس.
* ظهور أخ معاق لزينة.
* نبذ الفرقة والتصالح بين بلدتي وجه القمر ووجه الشمس.
السرد:
*عالج النص في الصفحة المعنونة بـ “القرار الصعب” صراعًا بين العلم الحديث والتقاليد، وركز على المواجهة بين العقلية الرافضة للتكنولوجيا والابتكار، والعقلية المنفتحة على العلم وتطبيقاته.
*يدعو النص إلى عدم رفض التقدم العلمي دون فهم حقيقي له، ويشدد على ضرورة التوازن بين الإيمان والعقل. كما يوضح أن التكنولوجيا ليست عدوًا، بل وسيلة يمكن أن تنقذ الأرواح إذا استُخدمت بحكمة.
* النص المعنون (سرّ الشريحة) أخذتنا الكاتبة في رحلة بحث قام بها الوالد عن ابنه ربيع، الذي خرج للبحث عن رجل الالكترونيات سالم، ذلك الرجل الذي أعطاه الأمل برؤية أخته التي جرفتها مياه النهر الفاصل بين بلدة الشمس وبلدة القمر، وضاع أثناء بحثه عنه، وتسلط عليه شابان، أجبروه على بيع المخدرات لطلبة المدارس، على أنها حبوب ذكاء تعين على الدراسة والحفظ.
*تجولت بنا الكاتبة في أسواق القدس القديمة، وشوارعها، والباعة وأصواتهم، وصورت جمال القدس بكلمات نادية.
*أثارت الكاتبة قضايا وطنية، منها قضية تهجير الناس، واقامة الحواجز، وقمع المظاهرات وهدم البيوت… فقد اشارت إلى بلدة لفتا المهجرة، والحواجز المقامة هنا وهناك، والتي تحدّ من الفرح ولم شمل العائلات، وذلك من خلال تصوير مشاهد حفلة زفاف أحاطتها المخاطر من قبل الاحتلال الذي يقمع تجمع الأهل والأحبة ويصادر سعادتهم.
*صورت الكاتبة مشهد حقيقي مؤلم، وهو خروج العروس باكية من حارتها ومن بين أهلها وجيرانها، اسمعتنا أغاني نساء الحيّ زغاريدهن، وتسليم العروس لأهل العريس خلف الحاجز العسكري.
*تخيل الكاتبة زرع شرائح في سواعد للمواطنين، تراقب خطواتهم وافكارهم، تعمل ضد مصالحهم الوطنية والمجتمعية، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عنهم لمحاسبتهم،
وهنا تشير إلى فقد الشعور بالأمان، والاحساس بالقلق نتيجة التجسس على الناس.
*الرسالة السامية التي تنبه اليها الكاتبة هي الوحدة ونبذ الخلافات، والوقوف في وجه العدوّ، والعمل بقوة على توحيد الصفوف.
*أبرزت الكاتبة مواجهة الجدة وموقفها من التقنيات الحديثة وثباتها، وعدم خضوعها لتقنية
( الذكاء الاصطناعي) المتمثل بزرع شريحة لها ونجاحها في عدم قبولها، وذلك هو التحدي الحقيقي.
*دعت الكاتبة في النّص المُعنون ب(الرسالة) إلى مراجعة علاقتنا بالتكنولوجيا، والتّنبيه إلى ما يمكن أن تسبّبه من جفاف إنساني، ودعت للعودة إلى المشاعر الأصيلة والحبّ والدهشة الحقيقية.
*نوّهت إلى الأخلاق الحميدة وأشارت إلى وجوب التحلي بها، كالوفاء، والانتماء، والصبر، ونبذ الفرقة والتعاون وذلك من خلال نجاح الشباب في بلدتي وجه الشمس والقمر في إعادة بناء الجسر المدمّر بينهما وإصلاحه، وتآلفهم وترك الخلافات بينهم ليصدوا الأعداء. وأشارت إلى مشاركة الفتيات في تزيين المكان وتعليق الأضواء، وتعليق لوحة السلام التي رسمها ربيع وزينة، والتي تظهر جمال البلدين مع منظر النهر العذب الذي يجري بينهما.
*بثّت الأديبة روح الأمل والفرح في نفس ربيع وزينة، حينما علموا أن الشرطة قبضت على تجّار المخدرات، وكشفت الأساليب التي يُعمل بها لفطام الشباب عن المخدّرات، وتوعية الأهل وتشكيل لجان مجتمعية لتوعية الناس.
في النص المعنون (الكشف عن الأسرار)
أصرّت زينة أن تبحث عن الحقيقة التي يخفيها والداها عنها، إلا أنها صُدمت حينما تفاجأت من وجود أخ لها اسمه حازم يكبرها بخمس سنوات، أصيب برصاصة مطاطية في رأسه أثناء مظاهرة شبابية لم يشترك بها، مما جعله معاقا عقليا لا يدرك شيئا من حوله، نجح الأهل في وضعه في مؤسسة في شمال البلاد للمعالجة، ولم ينجحوا في إدانة الجنديّ.
★أظهرت الكاتبة من خلال شخوص روايتها مقارنة مهمة بين الآلة وعقل الانسان، أثارت فيها جدلية تقبل الواقع والخوف من المستقبل المجهول والذكاء الاصطناعي ورؤيته للمستقبل، وبين تفكير الإنسان وأحاسيسه وشعوره، وبينت من خلال المحاكاة للآلة أن الوضع سيكون كارثيا، وأن مستقبل الأرض سيكون خرابا لا مياه ولا طعام، لحيث يقل عدد سكان الأرض بسبب الحروب والكوارث، والسؤال الذي طرح وبقوة هل ستنتصر الآلة على الإنسان؟
والجواب الأسمى كان لا، لماذا؟ لأن الآلة من صنع الإنسان الذي ميّزه الله بعقل يصنع ويبحث ويجرّب، ويتمتع بشعور إنساني وأحاسيس جياشة، لذا لا داعي للقلق والخوف.
أيها الإنسان، كُن مع الله ولا تبالي، ولا تقنط من رحمة الله، وتذكر أن النهاية قادمة والموت محقق، فلم الاقتتال والتنازع؟
مهما عظم شأن الآلة، تبقى الأضعف أمام صنع الله الذي ميّز الإنسان بعقله الذي ابتكرها.
أيها المطالب بحقك، لا بدّ للقيد أن ينكسر أمام عدالة الله وثبات الحقّ، ولا بدّ للظلم من زوال.
★النهاية:
ختمت الكاتبة روايتها، بنهاية مبهجة كلها امل وفرح، وذلك من خلال احتفالية مصالحة أقامتها البلدتان وجه القمر وبلدة وجه الشمس.
سؤال:
★اشارت الكاتبة إلى موت ياسمين وغرقها في النهر، وفي نفس الوقت تقول أن الشيخ عبد الحق لم يكن عادلا في تقسيم الأرض والنهر، فقد كانت حصة بلدة وجه القمر
(بلدة ياسمين) من النهر رافد شحيح، فكيف غرقت ياسمين فيه؟
★لم اختارت الكاتبة صناعة التماثيل الطّينية، كهواية للطفلة زينة ولم تختر غيرها؟
لماذا أحسّت زينة بالظلم وقالت لربيع: سوف يضعك الله في النار لأنك حطمت تماثيلي، وكيف اعتبرت ما صنعته من أعضاء تناسلية للتماثيل من خلق الله؟
دمت إبداعا وتألقا صديقتي الكاتبة الراقية نزهة أبو غوش .