
يُشكل قطاع غزة في منتصف عام 2025 بؤرة لأزمة إنسانية متفاقمة تتجاوز حدود الكارثة التقليدية لتلامس تعريف المجاعة الحقيقية، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً كالأطفال. وقد بلغ الألم ذروته مع التقارير المروعة عن وفاة الطفلة زينب أبو حليب، ذات الأشهر الخمسة فقط، في غزة بسبب سوء التغذية الشديد. الأدهى من ذلك أنها غادرت هذا العالم بوزن أقل مما كانت عليه عند الولادة. لقد أشار الأطباء بوضوح إلى أن سبب الوفاة هو “جوع شديد” نتج عن سياسة التجويع الجماعي الإسرائيلية. وصرح والد الطفلة، أحمد، بقلب مكلوم: “كانت بحاجة إلى تركيبة حليب خاصة للأطفال، لم تكن متوفرة في غزة.” تعد زينب واحدة من 88 طفلاً قضوا نحبهم لأسباب مرتبطة بسوء التغذية. وبلغ إجمالي الوفيات المرتبطة بسوء التغذية في غزة 147 شخصاً. هذه المآسي، رغم تداول الأنباء عن فتح معبر رفح، لا تُشكل سوى قطرة في محيط الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع المحاصرين، وتُلقي بظلال قاتمة على الضمير العالمي وتُطالب بتحرك فوري وشامل.
واقع مرير وتدهور مستمر
إن الواقع في غزة اليوم هو واقع مرير يتسم بندرة خانقة في الغذاء، والماء، والدواء، والوقود. البنية التحتية للقطاع، التي تُعتبر شريان الحياة لأي مجتمع، قد دُمرت بشكل شبه كامل. المستشفيات، والمنازل، والمرافق الزراعية تحولت إلى رُقَق من الركام، مما يجعل أي جهود لإعادة الإعمار مهمة عقود طويلة، لا أيام أو شهور. النزوح الجماعي يُلقي بعبء هائل على كاهل السكان، حيث أن أكثر من 88% من السكان قد نزحوا من منازلهم، ويعيشون في ظروف قاسية، تُضاف إليها الصدمات النفسية المتكررة وتهديدات الصراع المستمر. آليات توزيع المساعدات، حتى تلك التي تصل، تُعاني من تعقيدات لوجستية وأمنية هائلة، مما يؤدي إلى عدم وصولها بشكل كافٍ ومنتظم إلى المستحقين. هذا النقص الحاد في الغذاء قد دفع بقطاعات واسعة من السكان إلى مستويات غير مسبوقة من سوء التغذية. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة، فإن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في غزة لم يتناول طعاماً منذ عدة أيام. تُشير العديد من التقارير الأممية إلى أن المجاعة قد وصلت فعلاً إلى مناطق واسعة في القطاع، مع وجود أعداد كبيرة من الوفيات المرتبطة بالجوع، خاصة بين الأطفال.
مستقبل غامض ومسؤولية مشتركة
إن الوضع السياسي الحالي المُتسم بالجمود يُعقد من إمكانيات التوصل إلى حلول مستدامة. المحادثات حول وقف إطلاق نار دائم أو حل الدولتين تواجه عقبات هائلة، مما يُبقي الأفق السياسي ضبابياً. أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة إلى رؤية واضحة ومسؤولية جماعية تتجاوز مجرد إدخال كميات محدودة من المساعدات.
يجب أن تتضافر الجهود الدولية لإجبار جميع الأطراف على التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل ومستدام يُمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية بكميات كافية ودون عوائق، وضمان سلامة العاملين في الإغاثة والمدنيين. لا يمكن فصل الأزمة الإنسانية عن السياق السياسي الأوسع؛ فالحل المستدام يكمن في إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار بشكل كامل، وتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
إن إعادة إعمار غزة ليست مجرد واجب إنساني، بل هي استثمار في السلام الإقليمي والعالمي. يجب أن تشمل هذه العملية إعادة بناء البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية، ودعم سُبل العيش للسكان. على المدى الطويل، يجب أن يكون هناك تركيز على إيجاد حل سياسي عادل وشامل يُعالج الأسباب الجذرية للصراع ويُؤمن للفلسطينيين حقوقهم الكاملة.
إن مأساة غزة، وموت الأطفال جوعاً، ليست مجرد أرقام في إحصائيات، بل هي وصمة عار على جبين الإنسانية. إنها تُطالب كل ضمير حي في العالم بالتحرك الفوري والفاعل لإنقاذ الأرواح، وتخفيف المعاناة، وتمهيد الطريق نحو مستقبل يسوده السلام والأمن والكرامة لجميع سكان القطاع. فالمسؤولية الآن تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره لضمان ألا تتكرر مأساة “زينب” وغيرها من الأطفال الأبرياء.

