مكتبة الأدب العربي و العالمي

الثلاثة_بنات_وجرّة_العسل الجزء الرابع

من قصص حكايا ألعالم الاخر " واقعية "

في الصّباح إنهمكت البنت في العمل لكنّها كانت تفكّر في حلّ لتعرف أين تذهب الغولة في الليل ،وفكّرت أن تخرج ورائها لكن تذكّرت ما قالت لها أمّها أنّ الأغوال تشمّ من بعيد رائحة النّاس ،مرّ الوقت سريعا ولم تجد حلاّ ،ولماّ إنصرف الشيخ طبخت الطعام ،ثمّ رجعت إلى غرفتها ،وبدأت تطرّز ولمّا نظرت إلى الخيط ،خطرت لها فكرة ،فقامت، ووضعت قطعة خيط صغيرة في شقّ الباب ،ولمّا يفتحه أحدهم يسقط دون أن يحسّ به أحد في الظلام ،جرت بسرعة ووضعت. خيطا بني اللون مثل لون الأبواب ،و أصبح من المستحل رؤيته ،ثم رجعت إلى إبرتها وقماشها ،وفتحت أذنيها ،ولم يمرّ وقت طويل حتى سمعت خطوات الغولة ،فوضعت أذنها كما تعوّدت أن تفعل وفي تلك اللحظة كان هناك صوت مكتوم لم تقدر أن تميّزه ،ثم سكن كلّ شيئ في القصر .
لم تقدر حليمة على النّوم ،ولمّا بدأ ت الشمس في الطلوع ،نهضت من فراشها ،وتسللت بحذر إلى الرواق الطويل ،وبدأت تنظر إلى الأبواب واحدا بعد الآخر وأصابتها الدّهشة حين لاحظت أنّ الخيوط بقيت في مكانها ،فاشتدّت حيرتها ،وأخذت تجول بنظرها في كلّ مكان، لكن لم يكن هناك أبواب أخرى ،فتساءلت أنا متأكدة أنها كانت في البهو !!! لكن أين ذهبت الغولة ؟ كانت تنظّف القصر وتفكّر ،فالطابق العلوي متروك كما هو من أقدم الأزمان، ولو صعد إليه أحد لسمعته ،وأخذت تمشي وتجيئ وهي تتحسّس الحيطان لكن لا شيئ ،أحسّت باليأس ،وهمّت بالذّهاب لكن طرف ثوبها علق في قرن تمثال غزال ،ودار الرّأس ،ولمّا نظرت البنت تحت قدميها رأت دهليزا قد إنفتح ،وتذكّرت الصّوت المكتوم الذي سمعته البارحة ،وكادت تقع على الأرض من هول المفاجأة ،فماذا لو سمعت الغولة الصّوت وخرجت لها ،فسيكون عقابها عسيرا .
ثمّ أرجعت الرّأس لمكانه ،وواصلت تنظيف الرّواق وقلبها يكاد أن يخرج من مكانه من شدّة الخفقان ،لكن لمّا لاحظت أنّه لم يخرج أحد بدأت تشعر بالإطمئنان ،وأنهت عملها بسرعة ،ثمّ جلست تقرأ في كتاب الأعشاب ،وكانت مهتمة بالأنواع السامة ،وفكّرت أن تصنع سمّا تدسّه في طعام الغولة وتقتلها ثم تنقذ أختاها وتهرب .المشكلة أنّ عليها أيضا أن تتخلّص من الشّيخ ،وهو ساحر لا يمكن خداعه بسهولة ،لذلك عليها أن تفكّر بحلّ، ولمّا جاء الشّيخ ،وسألته لماذا لا يبيت في القصر ؟ نظر إليها بشراسة ،ثم أجابها أنّ ذلك لا يعنيها ،ومن الأفضل أن تهتمّ بشؤونها ،فضحكت ،وزادت ثورته :وصاح :سأعلّمك الأدب ،وأخذ يلوّح بيده ،إستغربت البنت فرغم صياح الشّيخ لم تخرج الغولة ،وتأكّدت أنّها لا تنهض سوى في الليل .
في الغد أرادت أن تجرّب ذلك، فأخذت وعاءا نحاسيّا كبيرا ،وألقته على الأرض فأحدث صوتا عاليا لكن لم يتحرّك أحد ،ففهمت أنّ من يأتي هنا ،يعرف أن الغولة تغيب كامل اليوم ،فيفتح الأبواب إلا أنّ هتاك وراءها فخّ ،وأيّ واحد يفعل ذلك يقع له شيئ لا تعرفه ،وربّما هذا ما حصل لأختيها ،فتشجّعت ،وقالت :مازال هناك بعض الوقت قبل أن يأتي الشّيخ ،سأنزل ،وأرى ما يوجد في الدهليز !!! ولمّا أدارت الرّأس إنفتح المدخل ،ورأت درجا ضيّقا يقود إلى أسفل ،فوجدت سراجا أشعلته ونزلت ،وفي النّهاية وجدت نفسها في مكان واسع مفروش بالزّرابي ، وفيه الأثاث الفاخر، وفي أحد الزوايا رأت فتى نائما ،وقد شحب لونه وظهر عليه الهزال الشّديد ،ولمّا إقتربت منه رأت أنّه حسن المنظر، ويرتدي ملابس غالية ،وفجأة قام، وأمسك بها من ثوبها ،فخافت وطلعت تجري ،ثمّ أغلقت باب الدّهليز ،ووقفت لحظة لتسترجع أنفاسها ،وتساءلت من ذلك الفتى ،وماذا يفعل هنا ؟ لكن الأهمّ أين أختاها ؟ ثم جلست تبكي ،وقالت :إن لم أجدهما هناك ،فهذا يعني أن الغولة قتلتهما ،ثم مسحت دموعها ،وتساءلت ،وماذا لو كانتا عند الشّيخ ؟
ولما جاء في الصّباح حاولت أن تسأله عن أختيها، فأجابها بحنق: سيكون لك مصيرهما ،لكنّ حليمة لم تعد تخاف ،وردت عليه :أفضّل أن ألحق بهما عوضا أن أكون من خدمك !!! قال لها: حسنا ،سيكون لك هذا أيتها اللعينة ،فكلكنّ مثل بعض لا تصلحن إلاّ لنأخذ شبابكنّ ،ثمّ بعد قليل هدأ الرّجل، وقال لها : هيّا عودي إلى شغلك ،وسأسامحك لأنّك ذكيّة وتتعلّمين بسرعة كلّما أقوله لك ،لكن البنت تظاهرت بالصّمت ،وهي تحاول أن تفهم ماذا يقصد ذلك السّاحر اللئيم بكلامه …

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق