الرئيسيةنشاطات

الدكتورة :سمية طليس تتضامن مع غزة في قصيدة معبرة

الدكتورة :سمية طليس ناقدة وشاعرة واديبة

أهلًا بكم جميعًا بتوقيتِ غزّةَ والنّار…
في مُحكم هذا الشّرف، وعلى سبيل الوعي المتزامن معَ الدّم، نُطلّ على غزّةَ_فلسطين، وعلى الكاظمينَ الجرحَ، والعافينَ عن العمر، بحركةٍ ثقافيّةٍ أولى متزامنة، تجلّتْ بكتاب “طوفان الأقصى، والزّمن الآخر”، في محاولةٍ لعقلنةِ الصّراع الوجوديّ الدّائر في فلسطين. فإذا كانت “الثّقافة ما يبقى عندما يتمّ نسيانُ كلّ شيء”، فهذا يعني أنّ بُنية أيّ فكر، مهما كان، تتكوّنُ ممّا خلّفتْه وتُخلّفه الثّقافةُ الّتي ينتمي إليها هذا الفكر، أيْ منَ الثّوابت الفاعلة والفارقةالّتي تُشكّلُ زمن الثّقافة بخصوصيّةِ مقاييسه الّتي لا تخضعُ لسياقات التّوقيت الطّبيعيّ والسّياسيّ والاجتماعيّ.

وعليه، فإنّ المُنعطف التّاريخيّ المُكثّف الّذي أقحمتنا فيه غزّة، والّذي ستليه تحوّلاتٌ جيوسياسيّة بأبعادٍ عميقة، يحتّمُ حراكًا ثقافيًّا فكريًّا بُغية التّأسيس للجنسيّة الثّقافيّ العربيّة بمواقف حداثيّة، عبر إثارة الإشكاليّات التّنظيريّة الّتي تحمل صيغةً حضاريّة للحاضر والمستقبل، وللحضور الإنسانيّ، وللمواقف العصرانيّة الّتي تؤسّس للوعي المطلق غير الطّبقيّ، والبعيد من ميدان الخيارات الإيديولوجيّة.
وإنّ هذه الجنسيّةَ الثّقافيّةَ ستكون المرجعيّة في التّأسيس لزمنٍ عربيّ آخر، من منطلق غزّة، لأنّ كلّ ما يُستهلُّ خارج حقيقة غزّة المطلقة، هو جزء من الزّمن العربيّ المُعطّل.

ولغزّة أقول:

في مُقتبلِ الرّوح!

وتقولُ يا أبتي:

” في الوقتِ الصّامتِ بعدَ السّفرْ

وعندَ مسديرةِ الأرواحِ الماضيةِ بلا كفيل…

تنعدمُ الجهاتُ بطلقةٍ

بينَ الطّفولةِ والبلادْ

فيصيرُ لونُ الصّدر في رُدْهاتِهِ مثلَ السّوادْ

ويصيرُ في وضحِ الدّماءِ قضيّةً  تتلو الحُفاةْ

ويكونُ وجهُكَ كالمدينةِ، يا أبي

تتعالقُ الأكبادُ والأجسادُ في أسوارِها، وكأنَّها خبزُ الطّريقْ

فالمدمنونَ طريقَهم نحوَ المعادْ

يتمثّلونَ عراءَهم، وجراحَهم، وسوادَهم، وغمامَهم، ودماءَهم

وكذا العتبْ…

يتمثّلونَ متاعبِي وتعاستِي  وأساورِي الخضراءَ في الأعناقِ، بعدَكَ يا أبي

     ******

وتمُدُّ وجهكَ مبصرًا أعطابَيَ،  فقرائيَ، أسمائيَ، أفلاكَيْ مِنْ هولِ السّفرْ؟

هيَ كلّيَ المحجوبُ بالأصباغِ  والأقلامِ والدّفترْ

هي جرحيَ المشروعُ للأكفانِ والمعبرْ

هيَ وقْتُكَ المسروجُ بالأعراسِ  والألحانْ

في ميلاديَ الأسمرْ

آتيكَ،

وفي القلبِ ندوبٌ، وجناحٌ ليلكيٌّ، ومطرْ…

أتيكَ، يا أبتي

وعلى الرّحبِ الذّارياتُ، وأورامُ المحاجرِ، والرّمادْ

آتيكَ كالظِّلّ

كالجذْعِ في شكلِ بلادْ

تراودني الخيامُ والزِّحامْ

معْ كلِّ أنسابِ الرّفاق…

آتيك…

وتظلُّ توغلِ في ثقوبِ الغيبِ، يا أبتي

والأسلاكُ تحصرُني

ودمٌ شفيفٌ، من مطاوي السّرّ،  يلبسُ حاضرِي

ويمُدُّ مجرى القلبِ نحوَ اللّه، وفي القلبِ ثقوبْ

ترسمُ الوقتَ القريبْ

ترسمُ فوقَ الرُّكادْ

ترسمُ الشّمسَ على نحرِالرّمادْ،

وكذا البلادْ

******************

وأراكَ وحدكَ، يا أبي،

واضحًا مثل الضّبابْ

يتكوّرُ الزّمنُ الرّذيلُ بجيبِكَ

وأمرُّ حولكَ كالجراحِ عميقةً كالقمحِ، كالخبزِ الوفيرْ

وتقول،

وأنتَ تطمُس وُجهتي:

“مع مجرى هذا الخبز قدْ يحيا الجسدْ،

من بعدِ سُنبلة الرّحيل تمدُّ ظلَّها كالهروبْ

من بعدِ هذا الصّدر مخلوع ِ النّوافذِ والفتونْ

تُخاصرُه الطّفولةُ والمسرّةُ والمرايا والشّموعْ

تُخاصرُه الأماسي والأقاصِي”

وتشدُّ من بعدِ الكلامِ بصمتِكَ  

فأصيرُ معْ فُرَصِ المدينةِ حارسًا مثلَ الجفونْ

ويميلُ وجهُ اللهِ يحملُ وجنتِي

ويمُدُّني بالرّوحِ، بالاسمِ الوسيطْ،

ويصيحُني:

“يا غزّةُ، يا قِبلةَ اللّهِ الوحيدةَ للصّلاةِ وللمماتِ وللنّشورِ وللعبورِ”

فأقومُ من بين الشّموسِ لِنُصرَتي

وأراكَ ممدودًا على المالِ المُعتّقِ، يا أبي

على رملِ المديْن

تُلاحقُكَ الشّماتةُ والخيانةُ والعواصمُ والحِداء…  

يُلاحقُكَ النّداءْ…

فقدْ بعْتَ العروبةَ والمسافةَ والمدينَةَ والهواء…

 فقد بِعتَ الطّيورَ والقبورَ والشُّعور

  منْ قبلِ العزاءْ.

2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق