الرئيسيةمقالات

صفقة القرن” واللاجئون الفلسطينيون … لا عودة … توطين… وتعويضات في الهواء بقلم: الدكتور حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

وضعت خطة السلام المقترحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حلولًا تصفها بـ«الجذرية» لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي قضية طالت «العرب واليهود» على حد السواء، وقالت الوثيقة، التي نشرها البيت الأبيض مساء الثلاثاء، 28/1/2020 م إن «الصراع العربي الإسرائيلي خلق أزمة لاجئين من الفلسطينيين واليهود. والعدد نفسه من العرب واليهود تحول إلى لاجئين بالخارج نتيجة الصراع».

وحددت الخطة أنه «لن يكون هناك أي حق بالعودة لأي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل»، وحددت أنه لكي يكون الفرد مؤهلًا للحصول على حقوق اللجوء بموجب اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، يتعين على الأفراد أن يكونوا لاجئين مسجلين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا (

وثيقة صفقة القرن تحدد اللاجئ المستحق للتعويض

واعتبرت الوثيقة أن «تعريف وكالة أونروا للاجئين، المستمر منذ أجيال، هو ما فاقم أزمة اللجوء.. وتحت أي ظرف، سيُمنع أي شخص حصل على توطين في موقع دائم، وفق شروط ستحددها اتفاقية السلام، من الحصول على حق إعادة التوطين في فلسطين، وسيكون مؤهلًا فقط للحصول على تعويض».

وتضع وثيقة» صفقة القرن» ثلاثة معايير من أجل أن يحصل اللاجئون الفلسطينيون على إقامة دائمة، وهي «الدمج في الدولة الفلسطينية، وهو أمر يخضع لعدة قيود، والاندماج في دول مضيفة، وأن تعمل دول منظمة التعاون الإسلامي على قبول خمسة آلاف لاجئ سنويا لمدة عشر سنوات».

صفقة القرن: تعويضات مالية للدولة الفلسطينية واللاجئين

وتقضي الصفقة بمبدأ تقديم تعويضات مالية للدولة الفلسطينية واللاجئين أنفسهم، وتقول: «اللاجئين، سواء داخل فلسطين أو من سيتم إعادة توطينهم، سيكونون من بين المستفيدين مباشرة من حزمة الدعم المالي».

وربطت الوثيقة بالنهاية بين عودة اللاجئين والترتيبات الأمنية المشتركة، وقالت: «إن حقوق اللاجئين بالهجرة إلى دولة فلسطين ستكون مقيدة وفق الترتيبات الأمنية المتفق عليها»، كما أن وتيرة حركة اللاجئين من خارج قطاع غزة والضفة الغربية إلى دولة فلسطين ستحدده الأطراف المختلفة ووفق عوامل مختلفة بينها الوضع الاقتصادي من بين عوامل أخرى.

واشنطن ستجمع تمويل مالي للاجئين وفق صفقة القرن

وجاء أيضًا أن الولايات المتحدة ستعمل على جمع التمويل المالي اللازم لتعويض اللاجئين، على أن يتم تخصيص هذا الدعم لصندوق (صندوق اللاجئين الفلسطينيين)، يقوم على رئاسته شخص تختاره فلسطين والولايات المتحدة.

وفور توقيع اتفاق السلام، تقول الوثيقة إن عمل وكالة «أونروا» سيتوقف، على أن تضطلع الحكومات ذات الصلة بمهام الوكالة، وسيتولى الشق الاقتصادي للخطة استبدال معسكرات اللاجئين بمناطق تنمية سكنية بدولة فلسطين.

وعلى ضوء ما ذكر أعلاه، فان هذه الصفقة المسماة ب “السلام مقابل الازدهار” تتناقض كليا مع الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن:

فالحقوق الثابتة للشعوب حكما، وحينما تقترن بشعب تعني، أول ما تعني، اعترافا بوجود جماعة بشرية تعتبر (شعبا) من حيث التكوين والخصائص، وان هذا الشعب قد أصبحت له بالتالي حقوق ثابتة.

فالشعب العربي الفلسطيني موجود في وطنه فلسطين والانتداب الذي فرضته عصبة الأمم على فلسطين بموجب المادة (22) من عهد العصبة كان يستهدف قيادة شعب البلد نحو الاستقلال، ويعني هذا اعترافا بالشعب الفلسطيني وحقوقه وهويته الوطنية بغض النظر عن صك الانتداب الذي اعتبر غير مشروع لتعارضه مع نص المادة.

فلهذا الحق الثابت للشعب العربي الفلسطيني, جذور تاريخية وقانونية, لا بد وان نركز عليها من وجهة نظر القانون الدولي المعاصر, حيث نرى في تقرير الكونت برنادوت الذي قدمه لمجلس الأمن الدولي في 27/حزيران/1948م, الفقرة التاسعة, البند التاسع جاء فيه “لسكان فلسطين الذين غادروها بسبب الظروف المتربتة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم”, وفي نفس العام عدل الكونت برنادوت تقريره وقدم تقريره الثاني إلى هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ونشر في باريس في 20/أيلول/ 1948م وجاء في بنده رقم (11)”يجب أن تؤكد منظمة الأمم المتحدة حق الناس الأبرياء الذين شردوا من بيوتهم بسبب الحرب في العودة إلى ديارهم كما ينبغي أن تدفع تعويضات عن الممتلكات لمن لا يرغب منهم في العودة”.

ففي الدورة الثالثة اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، بناء على تقرير برنادوت القرار رقم (194) بتاريخ 11/12/1948م، أقرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارات اللجنة السياسية بعد أن تم تعديل الاقتراح البريطاني وإقراره حيث البند الثالث جاء فيه على أن “يسمح لمن يرغب من اللاجئين بالعودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم أما الذين لا يرغبون فتدفع لهم تعويضات حسب القوانين الدولية ويدفع كذلك تعويض لمن أصيب ممتلكاتهم بإضرار وعلى لجنة التوفيق تسهيل أمر إعادة السكان واستقرار اللاجئين”.

ملاحظة: حين قدمت إسرائيل طلبا للانتساب إلى الأمم المتحدة أخذت الجمعية العامة هذا بعين الاعتبار فجعلت قبول الطلب مرتبطا بالتعهد الذي أعلنته إسرائيل بشأن التزامها تنفيذ القرارين 181 الخاص بالتقسيم و194الخاص بالعودة.

فإسرائيل لم تنفذ قرارات الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بهذا الخصوص مما جعل الجمعية بتاريخ 26/1/1952 أن تتخذ بأحكام الإعادة إلى الوطن الواردة في الفقرة (11) من القرار (194), وتضمن برنامجا اقترحته وكالة الإغاثة (الاونروا ) يستهدف التعجيل بإعادة إدماج العرب النازحين في الحياة الاقتصادية للمنطقة وجاء فيه أن ذلك يجب أن يتم إما بالإعادة إلى الوطن, كما هو معلن بالقرار (194), أو بالإعادة توطينهم في مناطق أخرى وقد قاوم الشعب العربي الفلسطيني مقاومة شديدة الشطر الثاني من هذا القرار فلم يخرج قط إلى حيز التنفيذ.

وحين شنت إسرائيل عدوانها عام 1967 م نشأت مشكلة جديدة هي الهجرة الثانية للاجئين فأصدرت الجمعية العامة سلسلة من القرارات تعالج كلا على حدة حق مجموعة الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم عامي 1947- 1948 م وحق مجموعة الفلسطينيين الذين شردوا من وطنهم نتيجة عدوان عام 1967م، وأول ما يظهر الفصل بين هاتين المجموعتين من اللاجئين في نص قرار الجمعية العامة (2425) (د- 23) بتاريخ 19/12/1968م، حيث نص القرار المذكورة،إعلان بشأن لاجئي 1947م – 1948م على أن الجمعية العامة:

*   تلاحظ مع الأسف الشديد انه لم تتم إعادة اللاجئين إلى وطنهم أو تعويضهم كما هو منصوص في الفقرة (1) من قرار الجمعية العامة (149) (د- 3) وانه لم يحرز أي تقدم ملموس في برنامج إعادة اللاجئين إلى وطنهم أو بتوطينهم وهو البرنامج الذي أقرته الجمعية العامة في الفقرة (2) من القرار (513) (د6) وان حالة اللاجئين لاتزال لذلك مدعاة للقلق الشديد.

* تلاحظ (الجمعية العامة) أن لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين لم تتمكن من إيجاد وسيلة لإحراز تقديم في تنفيذ الفقرة (11) من القرار (194)، وتلتمس من اللجنة مواصلة جهودها في سبيل تنفيذها.

أما بشأن لاجئي 1967م فقد أشار القرار نفسه إلى قرار مجلس الأمن (237) في 14/6/1967م الذي أهاب بإسرائيل “ان تسهيل عودة السكان الذين فروا من المناطق منذ نشوب الأعمال ألعدائيه “.

وتشدد الصيغة المستخدمة في مقدمة القرار (2452) على ضرورة عودة اللاجئين بسرعة إلى ديارهم وإلى المخيمات التي كانوا يقطنونها من قبل “وتبين هذه الصيغة بدقة أن بعض لاجئي 1947م- 1948 م أصبحوا لاجئين مرة أخرى في عام 1967م وفي الدورة (24) أصدرت الجمعية العامة قراراها (2535) بتاريخ 10/12/1969م وكررت ما ورد القرار (2452). (د- 23) وزادت عليه في القسم الخاص بلاجئي 1967م ما يربط بين لاجئي 1948م ولاجئي 1967م (النازحين) فقد ورد في مقدمته:”إذ تدرك الجمعية العامة أن مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين ناشئة عن إنكار حقوقهم الثابتة المقررة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وفي 7/12/1973م أصدرت الجمعية العامة قراراها رقم (3089) (د-28) على أساس ” الحق الثابت في العودة ” وأعلنت فيه “أن تمتع اللاجئين العرب الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم “لا غنى عنه من اجل تحقيق ” تسوية عادية لمشكلة اللاجئين ولممارسة شعب فلسطين حقه في تقرير المصير “وينبغي هنا الإشارة إلى التقاط التالية:

* القرار جاء تفسيرا من الجمعية العامة لقرار مجلس الأمن (242) الذي نص على تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، دون أن يذكر أو يحدد أساسا لتلك التسوية.

* الإشارة إلى حق اللاجئين في العودة جاءت مطلقة لتشمل الوطن الفلسطيني بكاملة، ما احتل منه قبل عام 1967م وبعده،وتسري على جميع اللاجئين الفلسطينيين بدون استثناء أو شروط مسبقة.

* القرار اعتبر العودة شرطا مسبقا لا بد من تحقيقه ليتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره.

فالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة اقتفت القرارات الخاصة بحق العودة بعد عام 1974م آثار القرار (3236) وأكدت مضمونة وزادت عليه في القرار (23/ 28) (د- 33) بتاريخ 7/12/1978م، انه لا يمكن إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط دون أن يتحقق، في جملة ما يتحقق، “نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة ومنها حق العودة…“. وهنا تبرز لأول مرة الإشارة الهامة إلى أن حق العودة هو” للشعب الفلسطيني” بمثل ما هو للفلسطينيين كأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق