مكتبة الأدب العربي و العالمي

#البخيل_وشيخ_الذّهب الجزء الثاني والاخير

سار عمير وراء الشيخ حتى وصلا إلى مكان مقفر مليئ بالخرائب والأعمدة ،ثم إلتفت حوله وقال أين الكنز لا يوجد هنا إلا البوم ؟ طلب منه الشيخ أن يسكت ويساعده في جمع الحطب ،ثم أوقد نارا ،ورمى عليها بخورا من صرة صغيرة كانت في حزامه ،وبدأ يهمهم ويعزّم .بعد قليل إنشقّت الأرض وظهرت حفرة فيها مدرج ،فقال له الشيخ : إنزل وسط الحفرة ،وأخبرني عن ما تراه هناك !!! لمّا وصل عمير إلى القاع، أشعل عودا من الحطب ،ومشى قليلا ثم توقّف، وقد علت وجهه الدّهشة . لقد كان هناك أكوام من الذّهب والجواهر ،والسّيوف المرصعة بالياقوت ،فاحتار في أمره ،ولم يصدّق عينيه وأخذ يدور ،ويتفرج على النفائس ،وكلما هم بالصّعود رجع يجري، فلقد كان هناك عدد لا يحصى من الأشياء ،وكل ما هناك من المرايا ،والأكواب، والصحون هي من الذّهب والفضّة :
ناداه الشّيخ وقال : يجب أن نحمّل الجمال بسرعة ،وإلا إنغلق باب الحفرة ،ولا يمكننا فتحه !!! أخبرني بربّك ماذا أفعل ببضاعة التجار ،وفيها الدّقيق والتمر ؟ أجاب عمير: ألقها في الصّحراء ،سأزعم لهم أن اللصوص سرقوها . تعجّب الشّيخ من خسّته ،وقال: يا له من لئيم ،سيحصل على أربعة أكياس من الذّهب والأحجار الكريمة، بإمكانه على الأقل ّدفع مقدار منها للتّجار، فهو لن يفقر طول حياته!!!
بدأ عمير والشيخ يملآن الأكياس، ويخرجانها ،ولمّا إمتلأت حمولة جملين، قال عمير في نفسه :لقد إتفقنا أن آخذ جملا واحدا ،ومعي الآن جملين ،من الأفضل أن آخذهما ،وأتركه وشأنه !!! ولمّا همّ بالذّهاب، تذكّر أنّ ذلك الشّيخ مشعوذ يستحضر الجن و،خاف أن يجده و ينتقم منه ، فرجع إلى الحفرة بعد ساعات حمّل الرجلان تسعة وسبعين جملا بالذّهب والفضة والمجوهرات ، ولم يبق إلا واحد .
وضع عمير كيسا على ظهره ،و ملأ جيوبه ،ولمّا كان يهمّ بالخروج رأى الشيخ ينحني ،ويأخذ علبة فضّية من أحد الأركان ،ويرميها في جيبه ،ثم أخذ الكيس الأخير، وبدا الرجلان في الصّعود، ولما بلغا منتصف المدرج بدأ باب الحفرة بالإنغلاق ،صاح الشّيخ: بسرعة يا عمير ،وإلا بقيت هنا ،أفرغ جيوبك ليخفّ وزنك ،لكنّ عمير أصمّ أذنيه ،وما كاد يخرج حتى إنغلق الباب ،قال الشيخ :لقد حذّرتك من الطمع ،ولو تأخرت لحظة واحدة لبقيت في الحفرة !!!
أمسك عمير بزمام جمله ،وهم بالذّهاب ،لكن قال في نفسه : هذه القسمة ليست عادلة !!!كيف يأخذ هذا الشّيخ تسعة وسبعين جملا وأنا آخذ واحدا فقط ؟ ثم ماذا سيفعل بكل ذلك الذّهب ،وهو شيخ طاعن في السنّ ؟ ناده وقال له: لقد تعبت في إخراج الأكياس، وأستحق جملا آخر !!!ردّ الشّيخ : لا بأس ،خذ الجمل ،لكن عمير كان طمّاعا ، وقال تعبي يساوي عشرة جمال ،،إبتسم الشيخ ،وقال: لك هذا !!!
إبتعد الرّجل قليلا ثم رجع ،وقال : العدل أن نقتسم الجمال: نصف لي ،ونصف لك ،ما رأيك ؟ أجاب الشيخ :لا مانع عندي ،لكن عمير ،قال الأفضل أن آخذ كلّ الجمال ،وتتفرّغ أنت للصلاة والعبادة ،فماذا بقي من عمرك ؟ فكّر الشيخ قليلا، وردّ : كلامك صحيح ،فالمال يؤدي  للمعاصي ،ويسألني الله يوم القيامة فيما أنفقته !!! خذ يا رجل جمالك، ودعني أنصرف ،قال عمير: أريد أيضا العلبة الصّغيرة التي رميتها في جيبك .
وهنا إستغرب الشيخ و،صاح سبحان الله!!! لك من الذّهب ما لا يملكه ملوك العرب والعجم ،وتطمع في علبة صغيرة ؟ماذا يجب أن يعطيك الله لكي تحمد نعمته عليك ؟ هيا إرحل قبل أن تندم ،لمّا سمع عمير ذلك قال : لا بدّ أنّ في العلبة شيئا أغلى من كل ما تحمله الجمال من ذهب ،لذلك لا يريد إعطائها لي !!! ثمّ إلتفت إلى الشيخ و،قال :والله لن أذهب من هنا قبل أن تمدّ لي العلبة وأعرف ما فيها .
أدخل المشعوذ يده في جيبه ،وقال: حسنا !!! هذه هي العلبة، فإنّ فيها مرهما لو دهنت بها أحد عينيك ،لرأيت كلّ ما في باطن الأرض من كنوز، ففتحها عمير، ودهن عينه اليمنى فلمح الكنز الذي تحت قدميه ،وأخذ يجري في كلّ مكان فرأى جرارا من الذهب، وسيوفا ،وصناديق من أمتعة الملوك ،ففرح ،وقال: كل الكنوز ،والخبايا المدفونة في البراري ستصبح ملكي ،رجع إلى الشيخ ،وقال له ماذا سأرى إن دهنت العين الثانية ؟
إنزعج الشّيخ ،وأجابه :أنصحك أن لا تفعل فستصاب بالعمى ، فما وراء ذلك من علم الله !!! لكن عمير كان من النوع الذي لا يشبع أبدا ،وقال في نفسه :من المؤكد أن هناك شيئا يريد هذا اللعين أن يخفيه عنيّ ،ولمّا دهن عينه اليسرى لم يعد يرى إلا الظلام ،فبدأ يصرخ ،وقال: للشيخ خذ كل شيئ وارجع إلي بصري ،أرجوك!!! لكنّ الشّيخ قال له: لقد نصحتك أن تحمد ربّك على القليل الذي يعطيك الله إياه ،لكنّك لم تسمع ،ولم تحمد الله على صحتك ورغيفك .
لقد كنت مستعدّا على التّضحية بكنوز الدنيا مقابل ان تستعيد بصرك !!! وما أحلى أن تغمس خبزك في صحفة زيتك ،وتتأمّل غروب الشّمس ،وتحمد الله على كلّ ما أعطاك ،إحمد الله دائما وأبدا. ثم أخذ علبته، وساق قافلة الجمال ،ومضى في سبيله …

تمّت الحكاية، ارجو أن تكون قد أعجبتكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق