أخبار عالميه

إقامة احتفالية لمحمود درويش في مدينة تولوز / فرنسا

بحضور عربي ودولي مميز وبعد ستة أعوام على إقامة مهرجان شعري باسم محمود درويش عام 2012 في مدينة تولوز الفرنسية، عاد الزوجان سمير عرابي وزوجته الفرنسية جنين فيرن عرابي في 2018 لإطلاق النسخة الثانية من المهرجان، وسط العديد من العقبات؛ كالتمويل وإمكانية جذب الجمهور الفرنسي، إلا أن ما حدث فاق التوقعات، فقد امتلأت القاعات خلال مختلف الفعاليات الشعرية في المهرجان لمدة أسبوع كامل، بمئات من الفرنسيين والعرب المهتمين بإرث درويش الشعري.

وقد تم تنظيم العديد من الندوات والقراءات لأشعار درويش من مختلف مراحل حياته باللغتين العربية والفرنسية، إضافة إلى عزف المقطوعات الموسيقية المتنوعة، وتأدية أشعار درويش من قبل ممثلين وفنانين فرنسيين.

ومن المعروف أن مدينة تولوز تغص بالفعاليات الموسيقية والفنية لمختلف الأعراق والثقافات، خاصة أن الزوجين جنين وسمير ينظمان أيضاً مهرجاناً محلياً شائعاً للسينما “مهرجان سينما فلسطين” الذي سيتم افتتاحه خلال أشهر قليلة بنسخته الخامسة، ومع كل هذا وجد مهرجان محمود درويش الشعري له مساحة ليس في صالات تولوز الثقافية فقط، بل في قلوب الجماهير أيضاً.

يقول أحد الحضور وهو طبيب فرنسي جاء برفقة أصدقائه “إنها المرة الأولى التي أسمع فيها أشعار درويش على المسرح من قبل مؤديين، وقد بكيت حقاً، وقررت أن أشتري مجموعته الشعرية المترجمة للفرنسية كاملة”، مستدركاً “بالطبع أعرف الشاعر الفلسطيني محمود درويش قبل هذا المهرجان، لكني اليوم شعرت بقصائده كما لم يحدث من قبل”.

وكان إطلاق مهرجان محمود درويش للمرة الثانية في مدينة تولوز الواقعة جنوب غرب فرنسا، أشبه بالحلم الذي طالما تناقش الزوجان به؛ إلا أن العائق المادي كان عقبة رئيسية، ما جعل المهرجان يكتفي بدعوة الشعراء والفنانين من داخل فرنسا فقط وليس من خارجها، كالشاعرين الفلسطينيين أنس العيلة، وطارق حمدان.

يقول سمير عرابي: “كانت البداية مع مهرجان ثقافي عام 2012 لتكريم ذكرى الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وكنت دوماً أحلم بتكراره، لكن انشغلنا بحشد الدعم لمهرجان Ciné-palestine السينمائي الذي انطلق عام2014”.

ونجحت زوجته الفرنسية جنين فيرن عرابي رئيسة جمعية “هنا وهناك وفي مكان آخر” في حشد المتطوعين والداعمين، مؤكدة أن هذا النجاح لا تحصده مع زوجها فقط، بل هناك متطوعين من الفرنسيين والعرب، كانوا إلى جانبهما منذ اللحظات الأولى للتحضيرات.

وأضاف زوجها عرابي: “اعترف أنه مهرجان بسيط، ولكن بجهود المتطوعين ومحبي الشعر والأدب نجح إلى حد لم نتوقعه، خاصة أننا لم نكن نريد أن تمر ذكرى رحيل درويش العاشرة دون الاحتفاء بشعره”.

وتنوعت أيام المهرجان بين قراءات لأشعار درويش من قبل مختلف الفنانين والمؤديين، كذلك إلقاء الشعراء الضيوف لقصائدهم، وهناك القراءة العائلية المشتركة لشعر درويش فقد قام عُرابي وابنته سُليمة راضي بقراءة قصيدة “لاعب النرد” باللغتين العربية والفرنسية أمام الجمهور، الذي بان عليه التأثر بهذه الثنائية.

وحرص منظمو المهرجان على أن تتناول هذه القراءات على مدى سبعة أيام مختلف أشعار درويش منذ بداياته حتى آخر قصائده في محاولة لإلقاء لمحة على مختلف مراحل حياته وتحولات الشعر خلالها.

كما قام بعض من طلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية بقراء أشعار درويش، ناهيك عن عزف مميز على آلة البزق من قبل الفنان السوري عبد الرحمن عودة، ومن ثم إلقاء الشاعرتين الجزائرية سعاد لعبيز والسورية سالبي بغده صريان، قصائد من الأنطولوجيا الشعرية ” القيمة العشرية للسعادة”.

وتخلل هذه الفعاليات ندوة حول درويش تحدث بها الكاتب والمؤرخ السوري فاروق مردم بيك في واحدة من مكتبات تولوز، لينتهي الأسبوع الدرويشي، بقراءة الممثلة الفلسطينية هيام عباس لـ الجدارية.

ويرى عُرابي أن المهرجان لم يكن سينجح لولا دعم كل من: بلدية تولوز والمجلس الإقليمي الذي تقع مدينة تولوز تحت صلاحياته، وصالون “كهف الشعر” الذي استضاف مختلف الأمسيات الشعرية.

أما الشاعر طارق حمدان والذي جاء تولوز من مدينة استقراره باريس فيقول “كانت مبادرة عظيمة من سمير عرابي في الذكرى العاشرة لرحيل درويش، وقد امتلأت القاعة بالجماهير خاصة الجيل الشاب، وهو أفضل احتفاء بدرويش في فرنسا وتولوز”.

ويلفت إلى أنها المرة الأولى التي يشارك في واحدة من الفعاليات التي ينظمها عرابي وزوجته جنين في تولوز، متابعاً “أقدر ما يقوم به سمير عُرابي من الاهتمام بالموضوع الفلسطيني الثقافي، فقد كانت القضية الفلسطينية محل اهتمام في ستينات القرن الماضي في مختلف نواحي الإنتاج الثقافي، ولكن هذا الاهتمام خفت؛ رويدا رويدا إلى درجة كاد يختفي مع تصاعد قضايا العالم العربي، لكن يأتي عُرابي اليوم ليعيد إلى هذا الاهتمام بريقه، ما يعني أن فلسطين لا تزال حية في الفن والثقافة ووجدان القائمين عليها”.

وتمثل كلام حمدان في الجماهير المتنوعة والمتجددة التي كانت تملأ صالات الأمسيات الشعرية، إلى درجة أن كثير من الحاضرين كانوا لا يجدون مكاناً للجلوس، بل يقفون لساعات دون شكوى أو تعب، يستمعون إلى شعر درويش والشعر فقط!

ووقفت كذلك لوحات الفنان الفرنسي Ernest Pignon شاهداً قوياً في أمسيات المهرجان، وقد أهداها الفنان للأسبوع الشعري؛ بعضها كان من رسوماته وأخرى عبارة عن عمل فني مركب لصورة فوتوغرافية تلتقط رسم محمود درويش بالحجم البشري ملصقة في شوارع مدينة رام الله، والناس تمر بجانبه.

ويقوم الفنان ارنست عادة برسم الأدباء والشعراء ثم يمرر الرسم إلى السيريغرافيا ما يعطيه بعدا ثالثا باللونين الأبيض والأسود والظلال، ويجعله كأنه يقف حياً، ليقوم ارنست في النهاية بإلصاق اللوحة في بيئة الفنان أو الكاتب.

وهذا ما فعله مع لوحات درويش الضخمة حين ألصقها على جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال الإسرائيلي، وفي الأحياء الفلسطينية وعند نواصي الشوارع، ليعود درويش حياً في مدينته وقلوب محبيه، وهذا ما يحدث الآن في مكان بعيد آخر ألا وهو مدينة تولوز.

عن موقع سفارة فلسطين باريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق