الدين والشريعةمقالات

العشرُ الأواخر أقبلت، فاغتنِم نفحاتها (33) بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة- * ما بعد ليلة القدر

الدكتورمحمد طلال بدارن

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
مما لا شك فيه أنّ هذه الليلة المباركة تمرّ على بعض الناس مرّ الكرام فمنهم من لا يعرف قدرها وعظمتها وقدسيتها ولا يهتم بها ولا يحييها بالعمل الصالح، بل إن آخرون من الناس يحييونها باللهو واللعب والعبث، فهُم لا يعون ولا يدركون معنى عظمة الزمان، وربما البعض يرتكبون فيها المحرمات، فبالنسبة لهؤلاء جميعًا لا تكون هذه الليلة سوى ليلة اعتيادية لا يشموّن عبقها، ولا يتذوقون من رحيقها، ولا يغترفون من معينها وبركتها شيئاً، فهؤلاء هم المحرومون حقاً من جميع نفحاتها وخيراتها، ولسنا في صدد الحديث عنهم الآن، وحديثنا هنا حول المدى الذي تركته هذه الليلة المباركة ليلة القدر من أثر في نفوس وأرواح من يدرك ويعي فضلها.
– في ليلة القدر من الخير الشيء العظيم لكل من أقامها بحقّها بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن وتقديم الصدقات والقربات، وبناءً عليه فإنه قد يترتب عليها تغيير كبير في حياة الإنسان، وإحداث نقلة نوعية كبيرة فيها، من ناحية العلاقة مع الله، والعلاقة مع القرآن، والعلاقة مع سيرة المصطفى المجتبى الهادي إلى كل خير، ولذلك فإنها ليلة تختلف لذات الناس باختلاف درجاتهم وطبائعهم ومستويات تفكيرهم ووعيهم، فمنهم من يجد لذته في الطعام أو الشراب، وآخر يجدها في جمع المال أو إحراز الشهرة أو في دنيا يصيبها، وآخر يجدها في تولي منصب أو مكانة، وآخر يجدها في عمل الخير والإحسان إلى الآخرين وإصلاح شأنهم، وخامس يجدها في العبادة والتقرب إلى الله سبحانه…
وهكذا فإن الناس بشكلٍ عامٍ تختلف رغباتهم وحاجاتهم عن بعضهم فنجد منهم من يركز في ليلة القدر في طلب حوائج الدنيا ولذاتها، ومنهم من يطلب المغفرة والعفو من الله عزّ وجلّ، ومنهم من يطلب الجنة بما فيها من اللذات وهذا يعود لدرجة الإيمان والمعرفة، وهنا يمكن القول أن لكلّ مجتهدٍ غاية ونصيب.
– ولكن في المقابل هناك لذة لا يشعر بها الإنسان بحواسه المعروفة، وإنما بحاسة أخرى باطنية عميقة هي الحاسة الروحية المعنوية، لأن هذه اللذة ليست مادية لها طعم أو لون أو رائحة، وإنما هي لذة روحية تتغلغل في أعماق النفس الإنسانية وتسبح في آفاق الروح الفطرية، فيشعر الإنسان بغبطة وسعادة عظيمتين، وهي لذة العبادة والمناجاة لله سبحانه وتعالى ولا يتذوقها إلا من يعرفها، ويصحّ هنا قول: “من ذاق عرف ومن عرف غرف” ويمكن هنا طرح السؤال الآتي: هل تركت هذه اللذة الروحانية في تلك الليلة المباركة أثر تغيير فيما بعدها… والاجابة تختلف من شخص لآخر ومن غايةٍ لأخرى.. نسال الله العفو والعافية وأن يجعلنا ممن تقبل منهم الطاعات.
– مقالة رقم: (1565)
ضمن سلسلة:(رمضان أقبل بالهُدى، فاغتنِم نفحاته)
27. رمضان. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد، ورمضان كريم
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق