بارعات العالم العربي

نقطة بلا حرف

بقلم. الإعلامية ضحى عبدالرؤوف المل_ لبنان.همسة نت

نقطة بلا حرف…
ضحى عبدالرؤوف المل_ لبنان

يكفيه أن يضع يده على يدي، ليدرك إحداثيات نقطة ثابتةمتمركزة لم يلمسها، ولم يستطع نقشها على حرف عربي، فرؤوس الأصابع تحمل خلايا لمسية، تجعلنا نشعر بالآخر، آمنه..ارتباكه..خوفه..ويقينه كنقاط اتصال مخفية في جسد هو سر… ما زال كما تلك النقطة في كلمة عرب، التي لا تحتاج إلا لنقطة ثابتة تفرض وجودها في حقل بصري يجعلها في حالة راحة وخمود، ما يجعل الصراع البصري قويا ليراها متحركة وهي ثابتة تحت حرف يجمع خطاً مستقيما من نقاط مختلفة..

إن تطور العقل العربي خلال القرون الماضية!.. جعل من الغرب نقاطا متوزعة في أطياف لونية تهدف إلى بناء فكر إنساني معصرن، ولعل عصرنته هو جعله قادراً على العيش في بؤرة شبكية بصرية تجعله يتخبط، فلا يحيا كما ينبغي له في موطن عاش فيه ابن خلدون، وابن سينا، وهذا كاف ليعرف أن النقطة هي السبب الأول لظهور كل الأشكال، فانقاط في كلمة غرب تكفي لرسم خط مائل صلب يسبب انكساراً ضوئيا قابلاً للتحرك خلال نقطة واحدة سابحة في الحياة..
لا أعرف…لماذا اخترت المغامرة معه!.. وعين العقل تدمع تذمراً من مشاعر واهنة تصيب البعض ، فتجعلني أصاب بفتور انفعالي يخفف من وعي مدارك فهمي للحياة ليصبح فهماً ذا كثافة في منبع ضوئي يصب في غسق محا تمردي..خوفي رهبة قدر يشاكسني وكأن العتمة تتغلغل أمامي في ضوء يلفع سطوعه من يراه….
التقطت لونا مؤثراً في عينيه جردني من تفاصيله الأخرى ، وجعلني أشعر ببقايا كحول في دماغه المعقد. حددتها كبقعة ضوء انطلقت منها لمعرفة فكر متماوج ذي روافد ثقافية تائهة بين غرب وشرق، والذكاء يشع من أناقة وعطر ألق ملأ حواسي سكينة ، وهويبحر في احترام أنثى ترافقه في كل مرة برغبة منها ، كأنه يشعل ذكريات شهريار في مجتمع أنهكته القيود والموروثات ، لكن في زمان ومكان مختلفين وكينونة هي أشبه بتقاليد شرقية عشائرية لا تمت للعرب بصلة، إنما هي مأخوذة من حضارة رومانية بيزنطية وربما بربرية بقيت متغلغلة في عقول الكثيرين..
أدار مفتاح السيارة، لينطلق بي عبر طريق يشيه حياتي ، ما جعلني أشعر أنه طريق متعرج حرصا منه على ألا يراه أحد مع امرأة وكأنه يحتجب عن عيون الناس كي يبقى في نظر نفسه رجلا عصاميا..
برزت مساحة فكره أمامي، كما برز قوس قزح تاركا أثراً في رؤية اعتصرت ألوان الزمن في وهج ضوء شمس يتحلل خلال قطرة ماء، ليرسم نصف دائرة تجمعت فيها ألوان شفافة سحرتني من خلال انكسار ضوئي مائل في نقطة ماء عكست وجود الشمس والقمر في تلك اللحظات…
اختار زهرة الكاميليا التي يصعُب الاعتناء بها رغم أنها ذات ألوان إخاذة متنوعة تنبت في الشتاء تعيش في الظل ولا تحب ضوء الشمس، فلونها الأبيض يجعلك تشعر بنشوة السماء التي تحتضن غيومها الصافية التي تخط ملامح الحياة ولونها الأحمر المتأجج الذي يشبه لونا يستفيق من غسق يزقزق على هديل الطاحونة الحمراء الشهيرة…
ما زال يحتفظ في ذاكرته بحكايا شهرزاد المرتبطة بمواطن خلل في أسطورة يرى فيها البعض فوز الأنوثة على ذكورية قاسية يقال إنها قساوة شرقية، وهو ينفي في الوقت نفسه شخصية شهريار وترجمته لها من خلال تصرقاته الطفولية والرجولية في آن معا..هذا ما جعلني أشعر لأول مرة أن شهريار هو شخصية غربية بامتياز لأنه ذو فكر معاكس عند دخوله في حياة أنثى ليتربع في زاوية رؤيتها، كأنه خط انعكاسي شفاف مائل لا يستقيم..
– هل تخافين؟..
تجمدت من سؤاله ومن فعل يبث أشباح خوف تلتقط كوابيس مغامرة مليئة بعلامات التساؤل..
– ومم أخاف ؟..
– هل تثقين بي؟..
– نعم أثق بنفسي، ثقة تجعلني أدرك أن خسوف القمر يعني أن يحتجب نوره خلف الشمس فلا يعكس ارادتها ولا يثير حزنها ..أنا على يقين من هذا..
– أنا مؤمن أن الحب نمارسه في شغف ليلة واحدة، وقصيدة نكتبها على أنفاس صدر يلهث وذاكرة تبكي ماضيها..
– أنا أؤمن أن الحب أبداً هو لكل الليالي والايام، كحكايا شهرزاد التي تاهت أمامك في طيارة ورقية ولا أجنحة لها تنازعتها ريح قوية لفحت كل وجه أنثى عرفته..
– آه شهرزاد هذه الحكاية التي لم أعش تفاصيلها على صفحات عمر أيقظ شهية جسد ظامىء لأنوثة حب أفتش عنها في جيوب النساء..أحببتها لكنني أحببت الرقم واحد في حياتي، فكنت أسابق الأرقام كلها ونسيتها في مهب الريح وحيدة مع زهرة الكاميليا التي أحبها، فلم تسافر في أحلامي بل جعلت من لهفتي واشتياقي أجزاء ملونة وكل جزء تمسك فيه أنثى مختلفة..
– هل تعبت..
– من الحب؟..لا بل تعبت من فكر عربي ينقصه التحرر..
– ألست متحرراً، وفي عروقك صهيل حياة تناقضت بك ومعك بين عرب وغرب!؟. وأنت من يعاشر النساء في كل ليلة ويمارس معهن الحب؟..
– لا…ما زلت أخاف شهرزاد..أخاف رحيلها مع رجل غيري.. أخاف النساء اللواتي عطرهن في فراشي ..لماذا أنت محجبة؟..
– احتراما لك..ولي
– هل لي برؤية شعرك؟ ..
– وهل تحتاج لرؤية مادية تجعلك تشعر برجولة تشتاق أن يفوح طيبها أمام أنثى يجري في عروقها حسن الحياة ويتناهى في فؤادها وهج نفس بلغت ذاتها؟.
– نعم، أحب رؤية مفاتنك، لأسكن بين أهداب صبح وضلوع ليل يتأوه في جفون طير غريد يزهو ويمتلىء شبابا..
أحببتَ زهرة الكاميليا، ولم تشم عطر الورود المغناج حين يضوع شذاه على خدي أنثى تعانق فجراً يترقرق ضوؤه وجداً..
كنت أتأمل كلماته الغريبة، وكأنني أضع عليها النقاط كي أستطيع القراءة بشكل جيد…
أنفاس..حبسها غضبا مع أغنية فرنسية يدندن بها، فيلتقطها سمعي لنستقر في صدر أرهقته أنات واهنة مر الدهر عليها فأصبحت كجذوة من مجمر يخور فاح سناه..
أحسست كأنني في رحلة انحراف ضوء عن مساره بين فراغ روحي ومادة ملموسة جعلتني في ظلام لف أرجائي وحب يغشاه قلبي يطلبه حثيثا لرجل لا أعرف حتى عناوين حياته، لعلها أنفاس الحياة التي تتصارع به، فأتصارع مع خطوط تتشابك مع أحرفي الحزينة على أوراقي..
للحظات…سألت نفسي؟. ماذا أفعل معه؟.. لماذا قبلت دعوته؟..أين وطنه؟. أين زوجته؟. أين هو؟. شعرت كأنه طفل يبحث عن أمه وهي في صورة بعيدة عن عينيه..
ربما حجابها الذي أنكره!..وهي نجمة ذات شال أبيض تظهر أمامي وتختفي. جعلتني أسمعها كأنها تقول لي :” هذا مني وأنا منك ومن حواء أمنا، فانتبهي”…
ارتجف حين قلت له أمك محجبة؟..قال : أمي تضع شالاً فقط على رأسها؟..
كادت ضحكاتي ترتفع لو لم أسكها.. أيعقل أنني المجنونة الوحيدة في العالم التي تمسك سنابل لغة بقوة فراسة تمنحني جمالا محتجباً عن عيون تقرأ ولا تستنتج وتموت ولا تحيا..
لا بد أنني عنيدة جداً لاقبل بمغامرة أثبت فيها قوة المرأة بين متحرك وثابت وبين ماض وحاضر، بين رغبتها وحبها وعين العقل التي تجعلها في زاوية قلب مهجور يتأرجح بين أطلال الماضي والحاضر ومستقبل غامض أخافه..
لكنني لم أجد أجمل من حب رجل واحد في حياتي وهذه نعمة كبرى أخاف فقدانها..
شعرت كأني أربكت عقله الملىء بالمفاهيم الغربية، وهي مفاهيم احترمها، فالأخذمن كل شىء جزء يسير هو معرفة متينة تحملني نحو واحات العلم والأدب لأتجمل واستبدل الحجاب بشال ولكن على رأسي شال من مادة مصنوعة من خيوط حريريو هي جزء من شرنقة ستطير حتماً..يا الهي أصبت بالجنون مؤكد..
– هل تشتاق أمك؟..
– صمت استظل الشفاه التي عضت على الأنامل حزناً..أحسست بدمعة أحرقت قلبه، وكأنه يوم غادر الى فرنسا لم يشعر باحتياجه لأمه، فالفتيات كن يتبادلن أدوارهن في سريره، كأنهن جاريات شهريار في زمن عولمة معصرن..
تثاقلت خطواته..أمسك كوب الماء الفارغ من أنفاسي يستنشف رأئحة نبيذ يشتاقه..رائحة امرأة يعشقها يضىء شموعه العشر لها..جعلتني أشعر بحضورها وهي غائبة عنه، فزادتني حنينا لأراها، لعله تهوره خلق فيه نزعة هجر تفيأت في مفاتن وجوه تعددت والأنثى واحدة فقط. شهرزاد أحبها..
احتار ماذا يفعل..وكيف يتخلص من إحساس بالهزيمة، لأني لست شهرزاده..أمسكت بكوب الماء الجميل المصنوع من زجاج التقط من روحي ما جعلني أشعر ببريقه، وكأنه عاد إلى الحياة حين شعرت بأنوثتي الطاغية في ذاتي، وشربت آخر قطرة فيه كأنني ارتويت من حياة جعلتني أرى كل شىء حي بي..أقفلت كتابا بين يدي، وضعته على الطاولة أمام لوحة فيها صورة أمه..
تأملتها بعمق وكأنني رأيته جاثيا أمامها يطلب منها أن تسامحه وهو يبكي كل امرأة أحبها..احتضنها…وفقدها..
نظرتُ اليه ..لم أجده كأنه يبحث عن نفسه بين امرأتين أمه وأنا..
أيقنت أن العالم جوهر من صنع خالق واحد، وإن تعددت اللغات، فالمشاعر الانسانية تولد في أحضان أم عاشقة تبث الحياة من أنفاسها عطراً لا تمحوه أحزان شهريار..
تساءلت ما الذي يعيق العرب والغرب على ارتباط واحد!..ربما الارتباط يصيبنا بالعقم لأنه يجعلنا في خط مائل لا يستقيم بينما النقطة هي الحرية المفقودة التي نبحث عنها دائما فنضعها لحرف عين في كلمة جعلتني أشعر بعروبتي وأفتخر بها..
ابتلعت آخر حرف لكنه تمرد في حلقي وأراد الخروج بهمسة تحجرت بين شفاهي لتترك رعشة غربة في قلب رجل غريب في وطنه..يبحث عن هوية جديدة..
سألني هل سأراك؟.. خيم الصمت الساكن قلبي والحياء يعلو محياي في جرأة اندفعت من شفتي بقوة؟..
نعم متى تشاء، لكن على أكف الحياة المفتوحة في طبيعة لا تحتجب عنك وعني..تحت قطرات مطر تغسل خطيئة كون جعلنا نتمرد عليه، أو في طبيعة تمد أصابعها لكل طفل تائه يبحث عنك وعني..
قال بسرعة أدهشتني كأنه مذعور من كلماتي..
” بدك يقولوا محمد مع امرأة محجبة؟..”
بحثت عن نقطة على حرف..فلم أجد وكأنني عدت من حيث أتيت والمغامرة لم تبدأ ولم تنته..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق