مقالات

الثورة الحقيقية «بين المادة والمعنى»إبراهيم أمين مؤمن/مصر

                                             سأله دهشا

: «كيف ذاك؟»

أجابه: «كما قلتُ لكَ، لن يُكبل أيّ نظام حاكم فاسد إلابحلقات تصنّع من ضمائر حية، ونفوس طيبة

– «يبدو أنك جُننت، أين السلاسل؟»

– «اسمع قصتي وستعلم أني عاقل

                                                  إمضاء/ إبراهيم أمين مؤمن                 

                                                ***

                              القصة          

لقد استبشر الإله الدعيّ عندما تيسر له الطعام أكثر عما كانعليه من ذي قبل، وبدأ يستعيد بعضَ عافيته، وظن أن الأموربدأت تسير في صالحه، فأحيت (الأمور) الأملَ بداخله.

ولقد كان أمله في محله فعلا، فقد جاءه إبليس، دخل عليه منباب الكهف ذي القضبان الحديدية من خلال الريح، وفور أنانتصب أمامه أعاد عليه الدعيّ نفس الطلب حيث قال: «فكّقيودي أيها الإبليس.. صديقي

قال إبليس: «قلتُ لك مرارا وتكرارا بأني لا أستطيع، وأزيدقولي بأنه لا يزال ثمة من يسجدون ويسبحون لله

تجهم الدعيّ، وانتفخت أوداجه واصطكت أسنانه، وقال وهوفي حالة ثوران شديد: «وهل علمت من إله غيري أيهاالإبليس اللعين

انقلب وجه إبليس على الفور، وأراد الفتك به، فتشكل علىهيئة وحش مخيف ثم أقبل إليه وهمّ بالتهامه، عندهاارتجف جسد الإله، وقال: «لماذا؟»

قال إبليس: «من تظن نفسك أيها الطيني الحقير؟ أصدقتأكذوبتك؟ يسعدني أن تدعي الألوهية لتضل بني آدم، لكن أنتظن نفسك إلها عليّ وأنا من كلمتُ الإله الحق، اخشع ليأيها الصلصالي الحقير

نكس الدعيّ رأسه تصنعا، وارتجف جسده بشدة رغما عنه،وأعلن له موالاته له بصوت خاشع متململ.

عندها قال إبليس: «ثمة أخبار جديدة

فرفع الدعيّ رأسه وقال: «اِئْتُني بها أترجاك

قال إبليس: «تفشت الأحقاد والكراهية والأطماع فيهم،والأرض على وشك الانفجار

قال الإله الدعي: «استشعرتُ بذلك، فقد استرددتُ بعضعافيتي، وتيسر طعامي عما كان عليه من ذي قبل

قال إبليس: «فحسب؟»

قال الإله الدعي: «وهل ثمة شيء آخر

قال إبليس: «قيودك

دهش الدعيّ، ونظر إلى قيود يديه فوجدها قد رقت، ثم أمالرأسه للأمام ونظر أسفله فوجد قيود قدميه رقت هي الأخرى.

قال إبليس: «وقيود رقبتك أيضا رقت

سكت إبليس لحظة ثم استدرك: «أرى أن وشم جبهتك الذيطمسوه بدأ يبرز من جديد، ووشم المجرات الكونية أيضا،طمسوه من يديك وبدأ يظهر هو الآخر

نظر الدعيّ إلى يديه فانفرجت أساريره، ثم نظر إلى صدرهفوجد أن وشمه بدأ يظهر فيه عرشه العائم فوق الماء.

قال إبليس: «وستذوب كل قيودك ويعود إليك كل وشمك بعدأن يفسد الناس جميعا

قال الدعي: «وأتباعي؟»

أجابه: «ما زالوا في تلك الكهوف اللعينة، يحترقون شوقالعبادتك، لأنك تيسر لهم كل الملذات على من كنت تحكمهم منقبل، ويحدث لهم ما يحدث لكَ الآن

                                                          ***

صمت الإله متفكرا فيما حدث له منذ القدم، وتذكر فيمخيلته كل الأحداث بكافة تفاصيلها.

وقد تألم كثيرا عندما تذكر لحظة القبض عليه هو وأتباعهوإلقائه في الكهف القابع فيه، ثم ما لبثوا أن فرقوا بينهوبين أتباعه إمعانا في مذلته.

فلما طال الصمت قال له إبليس محدسا: «تفكر في الماضيالعتيق؟»

هز الدعي رأسه بالإيجاب.

عندها قال إبليس: «انظر إلى قيودك مرة أخرى

دهش الدعي وسأله: «انظر مرة أخرى؟ لم؟»

قال إبليس: «لأذكرك لم كنت حرا بالأمس، ولم أنت اليوممقيد

قال الدعي: «أحب أن أسمع رغم مرارة الذكرى

قال إبليس: «أنت وأتباعك نظام، نظام حاكم عام، فعلتم ماكان يحلوا لكم في محكوميكم لأنهم فسدوا، فسد كل شيءفيهم، فلما أصلحوا من أنفسهم مكنهم الله من رقابكمجميعا

قال الدعي: «وكروا علينا على قلب رجل واحد، فقتلوا منا مَنبارزوهم، وقبضوا على مَن استسلموا، وأمسكونيوكبلوني، ثم نفوني وأتباعي في تلك الكهوف اللعينة

قال إبليس: «لذلك، ما الكهوف التي حبستم فيها، وماالأغلال التي غللتم بها ما هي إلا من أنفسهم التي صفت،وضمائرهم التي استيقظت، وما طُمستْ الوشوم علىجبهتك ويديك وصدرك إلا بكلمة منهم. »

هز الإله الدعيّ رأسه وقال: «كنت إلها لما فسدوا، وبتُّ حقيرالما صلحوا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق