ثقافه وفكر حر

مقارنة نقدية حول قصيدة ” منفذ النور “للشاعرة سامية القاضي / بقلم الناقدة والأديبة سنية القابسي

إذا كانت الكتابة إبداعا، سواء كانت نثرا أو شعرا فإن الإختلاف و إنتهاج منهج بصمة، هو إبداع في الإبداع.
فكيف سيكون النص ساعتها؟ و كيف ستكون صوره و معانيه؟ و أي العوالم سيحتفي بهذا الخلق الجديد للنص الفني و وسائله؟
“منفذ من نور”، قصيدة للشاعرة سامية القاضي هي زيادة على أن تكون إبداعا و هذا مفروغ منه لما عرفت به هذه الشاعرة من تميز في الكتابة و حصدها الكثير من الجوائز و شهائد التقدير لما تكتب، فهي قصيدة يمكن أن أطلق عليها طلب للرحيل عن هذا العالم المعتم، عالم بلا ضياء، بلا وضوح، بلا شفافية، بلا منارات تضيء القيم، إلى عوالم أخرى لا تعرف الركون و الركود دائبة هي حركتها، جلية هي معالمها مشرقة هي أركانها، نبيلة متعففة عن الدناءة و التدني.
فكيف السبيل إلى رحلة مثل هذه، تحقق الضياء تحقق المعنى تحقق “مساحات النور الفسيحة”؟
وجدت الشاعرة ضالتها في راحلتها التي ستحقق بها هذه الرحلة راحلة معنوية، ذاتية روحانية وجودية راحلة رمز، راحلة قدتها من “روحها الحرة”، روحها المنعتقة، الطليقة، بلا قيود تكبلها، بلا أقفال تعيقها لا تأبه بالمسافات، مهما طالت و لا بتشابك “الإتجاهات” مهما صعبت و استعصت و لا تعترف بالهزيمة و التسليم بل ستعيد الكرة مرة أخرى و ثالثة و رابعة تقول الشاعرة: “رحلتي روح حرة، لا تهددها المسافات
و لا طول الطريق
سأطوي الإتجاهات الأربعة
حتى أقبل جبين الأفق”
هذه هي الروح الحية المثابرة غير العابئة بالصعاب
الروح التي ترنو إلى الأفق إلى أعالي الأمنيات إلى المنشود من القيم إلى أسمى ما في الحياة رفعة و قداسة و جلاءا
تقول: “لن أترك روحي
في مقابر الموتى تنام”
روحها هي روح جديدة متجددة هي روح متحركة لا جمود فيها لا جحود يعتريها ،هي روح لا تقبل بجمود الموتى و الجثث المحنطة و مومياءات البشر، روح تكره الموت في ذات المكان، و في ذات الزمان، تمقت التردي في عمق السبات، تكره عشق أصنام متحجرة ،و فكر مجمد في ثلاجات معقدة البناء ،معفنة الهواء ،مكتضة بالترهات ،و في المقابل تعشق خيوط الشمس المشرقة ضياءا، تتبع خطى “أبولو” الداعي إلى النور، إلى النير من الفكر، الداعي لدحض الظلمة بالضياء فتميط لثام السواد لتنشر سبائك ذهبية وضاءة فتورق الحقيقة و يسطع ضوءها ليخلص ما ذر في الأعين من رماد، ماغاص حد الغياب، ما إندثر و إنعدم
تقول الشاعرة: ستنهض (الروح الحرة) من غفوة الكفن
… فتشرق الرواسب الغائرة
و تتدفق ينابيع الإحتمالات كالعباب
و تؤرق مضجع حارس الظلال
و قطيع مبتور الرؤى
سيفيق الوجع ،وجع الوعي ليرمي عنه آلامه و يعانق آماله و يغتال حارس أعمدة الظل التي قدت من صمت ،من حجر من جليد ،و تمحي عتمة الليل التي كانت تكسوه و تغرقه في وشاحها الأسود المدلهم ،حينها فقط تسطع خيوط شمس الحقيقة و تلمع الرؤى و الأذهان ،التي كانت واجفة راجفة مرتجفة، تنصع الحقيقة في فجر جديد وضاء نوره، تلفح الروح نسيماته فتزيدها حياة و تغديها ارتواء بالفضيلة بالمجد بالفكر الباني المشيد ،بنيانا تقتدي بها الأجيال، فتنتصر “كوامن الروح” و تلقي إبتسامة سخرية على أهداب طالما غالبها النعاس، طالما انغرست في أحقاب من الضياع من فقدان الوجود من انعدام المعنى، من ذوبان كاد يهلكها لولا صحوة الروح، لولا الإنعتاق لولا رحلة مع الشموس الصادحة بالنور و السبح في ضياءه، بدون خوف بدون رهاب مرضي بدون أي تسليم أو إستسلام يعطل الحواس و يصادر نشوة بلوغ الهدف ،بلوغ النهايات،و شرف المحاولات التي لا تنتهي و تبقى الروح هي المنارة الهادية لخفايا الرؤى هي المنفذ النوراني المعلق في الأفق البعيد ،حيث عرش ناصع الضياء ناصع البهاء يولد من رحم تلك الدروب المشرقة حيث أبواب مفتحة على جنان الأفكار “منفذ من نور” هو نص لا يدل إلا على بصمة من خطته هو نص مغامرة، نص صدمة، نص عوالمه وجودية نص عميق رمزي متعال عن المألوف متناه في خلق العالم الفني لهذه القصيدة، عالم قدته الشاعرة من صور إذا لم تتخيلها لن تفهمها، إذا لا ترسمها و تبروزها في ذهنك لن تصل إلى لذة منظرها هذه الصورتدل على ثبات ريشة من صورها ،و أثر وتأثيرهذه الريشة في الذهن المفكر في الذهن الذي يعيش اللفظ و الكلمة و الحرف،
تقول: أحتاج قلبا أصما ضريرا لا ينزاح “في زمن العقم”
سأتبع نشوة النهايات
لأبلغ مساحات النور الفسيحة
بهذه الكلمات الصور يمكن أن نكون ونبني شرائط من الصور المبروزة بسبائك اللفظ و المعاني، و هنا جعلت الشاعرة الفنون تتناسل فن الرسم و فن الكتابة و الإبداع ،و كذا هي كل الفنون تتناسل بعضها من بعض، و حتى الأقوال المأثورة و الأحاديث، فالعمى لا يقتصر على الأعين و إنما المصيبة الكبرى إذا شمل القلوب لأن القلوب تصاب بالعمى أحيانا، في أي زمن؟ في زمن العقم في زمن الجحود في زمن اللا مبالاة في زمن الأنانية و حب الذات و عدم الإكتراث للآخر و آلامه.

لكي أختم أقول مهما بلغ الزمن جحودا و مهما بلغ المكان ضيقا و النفس تبرما فلا بد من إيجاد منافذ للنور مواطن للإضاءة و مراكز نتخذها نتبوء فيها البحث عن أبواب الجنان التي تكمن في أعماق أفئدة ناصعة البياض شفيفة الصفاء لا دنس فيها و لا خبيث، بالإبداع نرتقي بالإبداع تسموا أفكارنا بالإبداع تكون عوالم خاصة و جميلة و خلاقة جمال كلمة “إقرأ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق