الرئيسيةمقالات

لا حل عسكري للصراع الفلسطيني \الاسرائيلي

بقلم / البروفيسور مناويل سركيس حساسيان

البروفيسور مناويل سركيس حساسيان السفير 
السفير الحالي لدولة فلسطين في المملكة الدنماركية

إن الحدث المأساوي الحاصل حاليا في جنين يمثل دائرة جديدة من العنف الذي يستهدف المدنيين و يهدم البنية التحتية في المخيم, تحت ذريعة أن المخيم هو مأوى للإرهاببين.

نفذت القوات الهجومية الاسرائيلية عملياتها مستعينة بألف جندي و العشرات من المدرعات الآلية و الطائرات المروحية, مما أدى إلى تدمير كامل للأرواح و البنى التحتية. لطالما كانت جنين رمزاً للمقاومة و الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي, و لطالما جابهت جنين الاحتلال الصهيوني بكل طرق المقاومة المشروعة.

إن الهجوم على جنين بتلك الفترة هو الثاني على المخيم منذ عام 2002 , ويأتي هذا العدوان كتتويج للسياسات العنصرية الممنهجة لحكومة المستوطنين بقيادة الثلاثي نتنياهو, بن غفير, و سمورتريشت.

لا مجال للتساؤل أن هذا الصراع التاريخي بين الفلسطينين و نظام الفصل العنصري الصهيوني هو وصفة كاريثية للسلام والأمن و الاستقرار في الشرق الأوسط , و يمثل الانعكاس الفلسيطيني للأمل الذي تحطم من قبل حكومة الرئيس بايدن وجهاً آخر على الدعم القاطع لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأميركية , لذلك فإن حالة المراقبة من قبل الولايات المتحدة الأميركية هو بمثابة تفاقم للعنف المستمر و عمليات القتل ضد الفلسطينييين الأبرياء خارج نطاق القضاء ,فيما اعتبروه جريمة السعي إلى التحرر من الاحتلال اللاإنساني , و هي الأقدم في التاريخ الحديث.

إن حالة الفوضى و التطورات العنيفة تتطلب موفقاً واضحاً من المجتمع الدولي لإدانة الفظائع اليومية الممارسة من قبل القوات العسكرية الاسرائيلية بحق الفلسطينيين الأبراياء. إن قرارات الإدانة المقدمة من قبل المنظمات الدولية ليس كافية لردع العدوان الاسرائيلي, لكن ما هو مطلوب هو تدخل مادي و فعلي لحماية الفلسطينيين خلال هذه الاوقات الحرجة و إنهاء هذه الاحتلال بشكل نهائي. إن الحكومة الاسرائيلية برئاسة بيبي نتانياهو هي استمرار لسياسات قديمة يتبعها النظام في تواصل تعزيز عدوان المستوطنين الاسرائيليين في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

إن الوضع اليوم أكثر من أي وقت مضى محفوف بالمخاطر في أحسن الأحوال و يمكننا وصفه بالجلوس على برميل بارود لابد من تفجيره على الفور لأن تداعياته واضحة لأي مراقب منتبه و ضارة على جميع المستويات . لقد بات من المعروف الآن أنه لا يمكن تحقيق السلام و العدالة و الأمن إلا من خلال إيجاد حل طال انتظاره لهذا الصراع. سبعون عاماً من صراع طويل الأمد شكل عدم استقرار للشرق الأوسط منذ الجزء الأخير من القرن التاسع عشر, مروراً بالانتداب البريطاني حتى يومنا هذا من الاحتلال الإسرائيلي.

لم يتم عمل أي شيء حتى الآن لحل الصراع, و سببه المتجذر هو ما أدى إلى عدم الاستقرار و انعدام الأمن و العدالة في منطقة الشرق الأوسط بالكامل. لقد مضى قرابة الثلاثة عقود على على بدء إتفاقيات أوسلو و التي جلبت نتيجة لذلك المزيد من النكبات و العنف ضد الشعب الفلسطيني الذي تعرض لعدوان سافر في الضفة الغربية, القدس و غزة. يكمن لغز السلام في الشرق الأوسط في حقيقة مفادها أن الجميع يعرف الحل و لكن للأسف لاتزال العقلية الإسرائيلية في عالم الصراع الصفري , و بالتلي لازال السائد هو عملية سياسية غير مجدية رغم مرور ثلاثة عقود تقريباُ.

إن عجز المجتمع الدولي و انعدام الإرادة و التصميم في حل الصراع , ناهيك عن الكيل بمكيالين في التعامل معه ,إضافة إلى تعقيد الوضع و تفاقم الشوفينية السياسية الاسرائيلية , و القمع المستمر لأمة بأكملها من خلال الاحتلال الوحشي و المعاملة اللاإنسانية و الظالمة ضد الشعب الفلسطيني ليست إلا وسام عار على صدر المجتمع الدولي لأجل غير مسمى. هذا المجتمع الذي يقف مكتوف الأيدي و يراقب عمليات القتل اليومية دون أي موقف سياسي للتعامل معها فما بالك بحلها.

من المفارقة أن المجتمع الدولي يمثل نزعته السياسية المبتذلة بمعاييرها المزدوجة و ديمقراطيتها المزيفة و التي هي ليست سوى نفاق في الحقيقة. إن القوانين الدولية و القواعد واضحة على الورق لكنها تفتقر إلى الشجاعة و الجرأة في التنفيذ على اسرائيل, لأن الأخيرة تعتبر فوق القانون ومحمية و مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية بإداراتها المختلفة سواء كانت بقيادة الحزب الديمقراطي أو الجمهوري على التوالي.

وفي عام 1988 توصل الفلسطينيون إلى حل وسط تاريخي بإعلان استقلالهم و اكتساب مسار المفاوضات السياسية و السلام و إنهاء الصراع من خلال الاعتراف باسرائيل في أكثر من 78% من فلسطين التاريخية.

من المؤسف أن تستمر وسائل الإعلام بشكل منهجي في إلقاء اللوم على الضحايا لمقاومتهم الاحتلال و سعيهم من أجل الحرية , و أن تكون منحازة حتى التحزب للصراع أكثر من أن تمارس دورها بأن تكون فرعاً موضوعياً و حقيقياً للديمقراطية, بحيث يمكنها أن تعكس الصدق و عدم الانحياز من خلال نقل الحقائق كما هي على الأرض.

يتعرض الفلسطينيون بشكل يومي للقتل و التعذيب و السجن, و مع ذلك فهم لازالوا ملتزمين بالسلام من خلال الحوار و المفاوضات. لكن الحكومة الاسرائيلية ليس لها أي نية للعمل باتجاه توافق سياسي , بل على العكس فهي تضافر جهودها نحو بناء المزيد من المستوطنات و تقديم المزيد من الدعم للمستوطنين في تدنيس المسجد الابراهيمي في الخليل و المسجد الأقصى في القدس و مؤخراً كنيسة القيامة.

إن هذه السياسات الاسرائيلية لا تعكس أي نوايا واضحة من أجل مواصلة المفاوضات أو إيجاد حل سياسي للصراع, و تلخص الأحداث الأخيرة المتكاشفة الحقيقة المثلى لهذه الحكومة في التصرف كدولة عنصرية . علاوة على ذلك فهي تستغل الوضع في أوكرانيا الذي بات الأولوية الأولى لاهتمام العالم, لتنفيذ سياسات القهر و استعراض العضلات في حق الشعب الفلسطيني.

ماعدا التعاطف الأخلاقي من الدول العربية و الأسلامية, فإن لا شيء ملموس على الأرض لوقف المذبحة المستمرة في القدس و الضفة الغربية و جنين و غزة في الآونة لأخيرة. و لكن اسرائيل ستفشل فشلً ذريعاُ لأنها تتصرف كدولة فاسدة و تستخدم إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين, من أجل تحقيق هدفهم المتمثل بتنازل الفلسطينيين عن الضفة الغربية و القدس الشرقية لاسرائيل.

رغم عقد العديد من القمم و الاجتماعات لتقييم الأحداث المتفجرة في القدس و الضفة الغربية, إلا أنها كانت دون جدوى في تغيير مناخ العنف و القمع تجاه الشعب الفلسطيني. و لم تحترم اسرائيل أبداً القانون الدولي و قرارات الأمم المتحدة و تدفع بإملاءات سياسات القوة في تحقيق أهداف سياستها التوسعية و في تحدي الوضع الراهن للمقدسات الدينية . و إن التوغلات الأخيرة و الاعتداءات على المؤمنين المصلين في الأقصى و كنيسة القيامة , ليست سوى إشارة و دليل واضحين على عدوان اسرائيل و موقفها العدائي.

و بغض النظر عن مثل هذه السياسات , فإن الفلسطينيين يقومون بثبات بالدفاع عن مقدساتهم ومزاراتهم. إن القوة العسكرية لن تجلب أي هدوء لاسرائيل , وقد بات واضحاً الآن أن هذا الصراع لا يمكن أن يحل عسكرياٌ , و إن عدم التوصل إلى هذا الاستنتاج هو أمر أساسي للمجمع الصناعي العسكري الاسرائيلي و أجهزة المخابرات المختلفة.

إن إطالة أمد هذا الصراع الذي هو طويل في الأساس, سيساهم في استمرار زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بما تحمله من تداعيات واضحة على المشهد السياسي العالمي. و من المفارقة أن المجتمع الاسرائيلي الذي تحول إلى اليمين المتطرف, لايدرك أن العدوان سوف يرتد يوماً ما و عندها سيكون قد فات الأوان على الندم.

أسقط الصراع الحالي في أوكرانيا قناع أوربا و الولايات المتحدة الأميركية و العالم الغربي , و ذلك من خلال عكسه لمعايييرهم المزدوجة عندما يتعلق الأمر بقضايا الإسلاموفوبيا و احتلال فلسطين و الصراعات الإقليمية الأخرى, وذلك ما يضع مصداقيتها كدول ديمقراطية موضع تساؤل و انتقاد.

لايمكن التغاضي عن الحروب القومية في تاريخ أوربا, و بالتالي فإن الدعوة إلى الديمقراطية في العالم الإسلامي و العربي هي سياسة عبثية و فاشلة , لأن الصدقة تبدأ من أهل البيت كما يقال ,و إن من الفضيلة الاعتراف بالأخطاء و تصحيحها بشجاعة. إن الفلسطينيين ليسوا أبناء إله أدنى, إذ يمكنهم التباهي بأن الديانات التوحيدية انبثقت من الأرض المقدسة التي هي فلسطين..

يجب إنهاء هذا الاحتلال الذي طال أمده ليسود الأمن و السلام و العدالة للجميع. نأمل أن يسود العقل و ليس العنف من أجل إنقاذ العالم من المزيد من الحروب و المصائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق