مقالات

صفحات مُشرقَة مِنَ السِّيرَة النبويَّة الشريفة: (إعداد كاتب هذه السطور) النّاقَةُ الْمَأْمُورَةُ

أ.د. لطفي رياض منصور

عندما أُمِرَ ِ، أخَذَ يُجَهِزُ نفسَه بعدَ أن أخْبَرَ صديقَهُ أبا بكرٍ، ابتاعَ ناقتينِ مِن خِيار إبِلِ مكَّةَ. ركِبَ النبيُّ واحِدَةً كانتْ تُدْعَى القَصْواءَ لِصِغَرِ أُذُنَيْها.
لمّا عَلِمَ أَهْلُ الْمَدينةِ بِقُدومِ مُحَمَّدٍ وصاحِبِهِ، أخَذوا يُعِدُّونَ الْعُدَّةَ لِاسْتِقْبالِهِ، وَتَنافسُوا فيما بينَهمْ؛ أيُّهُمْ يستضيفُ النبيّ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ.
فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْمَوكِبُ مِنَ المدينةِ، خرجتِ الرّجالُ والنِّنِّساءُ والْوِلْدانِ لِمُلاقاتِهِ والاحتفاءِ بِقُدومِهِ.
وكانَ مِنْ بينِ الْمُسْتَقْبلينَ شُيوخُ القبيلتينِ المسلمتينِ: الأَوْسِ والخَزْرَجِ ، ووفدٌ مِن يهود الْمَدينة، بزعامَةِ شَيْخِهِمْ عبدِ اللَّهِ بنِ سَلّام، والْمُهاجرونَ مِنْ مكّةَ الَّذِينَ سَبَقوا النبيّ بالهِجْرَةِ، وكانوا يُنْشِدونَ النشيدَ المعروفَ:(مجزوء الرَّمَل)
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنا مِنْ ثَنِيّاتِ الْوَداعْ
وَقَدْ هَمَّ زُعَماءُ القبائِلِ أنْ يُمْسِكُوا بِزِمامِ ناقَةِ النبيِّ القصواءِ، ويسوقوها إلى بُيُوتِهِم. فقالَ لَهُمْ النبِيُّ: “دَعُوا القصواءَ فَإنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَأَرْخُوا لَهَا زِمامَها، فَحَيْثُما بَرَكَتْ يَكُنْ هُناكَ مَنْزِلي”.
بقيَ النبيُّ راكبًا عليها، وسارَتِ القصواءُ لا يقِفُ في طَريقِها أَحَدٌ، وهيَ تَشْتَمُّ الأرضَ بينَ الفَيْنَةِ والأُخْرَى، وتَلْتَفِتُ يَمينًا وَشِمالًا، ثمَّ بَرَكَتْ وَأَخَذَتْ تَزْحَفُ وتدورُ، وَلَمْ تَسْتَقِرَّ في مكانِها، ثمّ نَهَضَتْ وسارَتْ.
فقالَ الْقَوْمُ : حَلَأَتِ الْقَصْواءُ.
فقالَ النبيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ: لا ما حَلَأَتْ، دَعُوها فَإنَّها مَأْمُورَة، وَتابَعَتْ سَيْرَها وهيَ تشتَمُّ الأمْكِنَةَ حتى وَصَلَتْ إلى بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصارِيَّ. فَبَرَكَتْ وَأَلْقَتْ جِرانَها.
فَنَزَلَ الرسولُ عَنْ رَحْلِها، وَدَخَلَ ضَيْفًا عِنْدَ أبي أيُّوبَ.
……………
حَلَأَتْ : عانَدَتْ مِنَ التعبِ.
مع اللقاء في صفحات أُخرى مُنيرة من سيرَةِ نبيِّنا الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق