اخبار العالم العربي
العقوبات البريطانية على مسؤولين سعوديين.. ما الرسائل للرياض؟
لم يكن إعلان وزير الخارجية البريطانية دومينيك راب فرض عقوبات على 49 شخصية -من بينهم 20 سعودية، ومنهم أسماء مقربة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان- بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة؛ قرارا مفاجئا، خاصة أن راب عندما كان محاميا حقوقيا استغرق سنوات من العمل من أجل اعتماد قانون يفرض عقوبات على شخصيات متورطة في جرائم حقوقية.
وكان ملفتا أن تضم قائمة الخارجية البريطانية شخصيات سعودية على صلة باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بالنظر إلى العلاقات الإستراتيجية التي تجمع بين لندن والرياض، لكن ذلك ينسجم مع تصريحات سابقة للخارجية قالت فيها إن مسؤولين رسميين سعوديين يقفون خلف جريمة اغتيال خاشقجي.
ولعل هذا الموقف الرسمي البريطاني من اغتيال خاشقجي هو الذي طغى على قائمة معاقبة المتورطين في الجريمة، عبر تجميد أي أصول لهم في بريطانيا، ووضعهم في قائمة سوداء، حيث إن لندن تريد استهداف “الأشخاص وليس الدول”، وهو ما دفع وزيرة الخارجية في حكومة الظل البريطانية ليزا لاندي إلى أن تطالب الحكومة بألا تكتفي فقط بإعلان أسماء الشخصيات السعودية التي وقع عليها العقاب، بل تخرج بخلاصات واسعة وعميقة عن تحالفها مع المملكة العربية السعودية أيضا.
تغيير السلوك
ويظهر أن الحكومة البريطانية تعلم أن مثل هذه العقوبات ستؤثر على علاقاتها مع السعودية، عندما أقر دومينيك راب بوجود قلق من تأثير القرار الجديد على العلاقات الثنائية لبريطانيا مع الدول التي يخضع مواطنوها للعقوبات، لكنه اعتبر أن “هذه العقوبات هي الجواب الأخلاقي الصحيح الذي ينبغي اتخاذه”.
ولا تعتبر قائمة الشخصيات السعودية الواردة في القائمة السوداء نهائية، رغم وجود أسماء كانت تشغل مناصب سامية في السعودية، مثل المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، وأحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات السعودية، حيث أكدت الخارجية أنها منفتحة على إضافة أسماء جديدة في حال ثبت تورطهم في انتهاكات حقوقية.
وعلى هذه النقطة تحديدا تعوّل العديد من الجمعيات الحقوقية السعودية المتواجدة في بريطانيا، التي تعتبر أن هذا يفتح الباب أمامها لتقديم قضايا حقوقية جديدة أمام المحاكم البريطانية.
ويفسر دومينيك راب استهداف القائمة للشخصيات وليس الدول بالخشية من إجراءات عقابية أو انتقامية من قبل هذه الأنظمة ضد فئة معينة داخل دولها، ولذلك فالهدف هو تغيير سلوك هذه الدول من خلال استهداف رجالها الأقوياء، ولجم حركتها، ويزيد من قوة هذه العقوبات أنها تأتي بالتنسيق مع القوائم السوداء التي وضعتها الولايات المتحدة.
ومن خلال وضع أسماء كل من سعود القحطاني وأحمد عسيري وضباط في المخابرات السعودية؛ تكون الحكومة البريطانية بعثت رسالة إلى الرياض بأنها ترفض المسار الذي أخذته محاكمة هؤلاء في المملكة، بل إن الخارجية البريطانية اعتمدت تقريبا الأسماء نفسها التي تضمنتها لائحة الادعاء التركي في هذه القضية.
وتصر الخارجية البريطانية على أنها في أي انتهاك حقوقي جسيم ستضع أسماء الشخصيات الأكثر صلة بالملف، ورغم ما قد يواجه هذه القوائم من مشاكل قانونية، وحتى دبلوماسية، فإن راب أكد أن هذه العقوبات الهدف منها هو الحث على سلوك حقوقي أفضل، وفي حال اقتنعت الحكومة بأن هناك تغييرا في السلوك الحقوقي للدول، فيمكن تخفيف هذه العقوبات.
وتتحرك الحكومة البريطانية في هذا القانون مدفوعة برغبة في إيصال رسالة حتى للأوروبيين، ومفادها أن بريطانيا قادرة على التحرك وحدها، ومعاقبة منتهكي حقوق الإنسان بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولهذا فهي تسعى لإنجاح هذا القانون، وإظهار فعاليته، حيث لم يكن في السابق يحق لبريطانيا أن تسن وحدها مثل هذه العقوبات أو القوائم السوداء إلا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.
ضغط غير مسبوق
ويرى الناشط الحقوقي السعودي يحيى العسيري أن هذه العقوبات “تزيد الضغط على السلطات السعودية حتى من أقرب حلفائها؛ بريطانيا وأميركا”، ووصف هذا الوضع بأنه “ضغط دولي غير مسبوق، ولن تستطيع السلطات السعودية الصمود أمامه”.
ويؤكد رئيس منظمة القسط لحقوق الإنسان أن بريطانيا أرسلت رسالة واضحة مفادها أنها “غير مقتنعة ولا مكترثة بالقضاء السعودي الذي برّأ سعود القحطاني وأحمد عسيري، وتجاوزت بريطانيا تلك البراءة مصرة على قناعتها”.
وبإقرار هذه العقوبات، فإن العسيري يعتبر أن السلطات السعودية “لن تستطيع إغلاق الملف، والقرار البريطاني يعيد للأذهان مسودة أوروبية كانت هي جزء منها، تلاها قرار مشترك من 37 دولة -بينها جميع دول الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزلندا وكندا وغيرهم- تلاه قرار آخر من 24 دولة؛ وكلها تصر على تحقيق دولي في القضية، وترفض الجريمة والتعامل الرسمي، وترفض أيضًا انتهاكات أخرى كالتعذيب والاعتقالات التعسفية وغيرها”.
من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي محمد العمري أن القرار يعد “صادما للسعودية”، مفسرا هذا الوصف بالعلاقات الإستراتيجية التي تجمع البلدين، “بل إن بريطانيا تعد حليف النشأة للمملكة السعودية، وهو ما يفسر غياب أي رد فعل سعودي سريع كما فعلت روسيا عندما ردت على هذا القرار”.
ومن خلال مطالعته تفاصيل هذا القرار يؤكد العمري أن “الباب ما زال مفتوحا أمام إضافة أسماء أخرى، خاصة إذا كشفت التحقيقات التركية عن تفاصيل جديدة في قضية اغتيال خاشقجي”.
وتوقع العمري أنه في مثل هذه الأزمات “يتم جبر الخلافات عبر صفقات الأسلحة الكبرى وصفقات تجارية تحصل عليها بريطانيا”
وكشف العمري عن أن المنظمات الحقوقية السعودية “تدرس حاليا إمكانية رفع قضايا في المحاكم البريطانية ضد المشاركين في انتهاكات في السجون، فهذا القانون يفتح لنا هذا الأمل”.