مقالات
ما بين العمل الوقفي والمسؤولية المجتمعية
أ.د يوسف ذياب عواد مدير مجلس المسؤولية المجتمعية للجامعات العربية

يعتبر العمل الوقفي أحد أبرز مكونات المسوولية المجتمعية لأنه يسهم بشكل كبير في ضمان توفير فرص مواتية للأجيال القادمة باستدامة متكاملة … إن العمل الوقفي ورغم مظلته الدينية التي ارتبط بها عبر تاريخ طويل، إلا أن الحداثة والعصرنة أضفت إليه آليات وإجراءات أكثر عمقا وشمولية من اقتصار العمل الوقفي على كفالة الأيتام وإطعام الفقراء …ألخ، لإن حياتنا الحالية أصبحت مكتظة بالتحديات والصعوبات، وباتت المؤسسات الخيرية كضرورة ملحة حاضنة للأعمال المجتمعية لصعوبة الفصل فيما بينهما، فالشباب ومشكلاتهم وانتشار البطالة، كما أن الطفولة في وضع الخطر وانتشار الأمراض فرض واقعا جديدا على العمل الوقفي للخروج عن الوضع التقليدي. بحيث أصبحت الاستجابة لهذه التحديات واجبا ملزما لا مناص منه. خذ على سبيل المثال لا الحصر، تنامي انتشار ظاهرة الإعاقة وضرورة الاستجابة لاحتياجاتها بإنشاء مراكز تأهيلية وتدريبية وتعليمية، إلى جانب تأمين المواصلات وكوادر بشرية متخصصة.إن المسؤولية المجتمعية التي جاءت متأخرة عن العمل الوقفي أو الخيري، إلا أنها ما لبثت أن التصقت به ليصبح العمل الوقفي جزءا رئيسا وبارزا من ممارساتها.
تعد المسؤولية المجتمعية بقطاعاتها الثلاثة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية نقطة تحول في تاريخ البشرية عموما والجامعات خصوصا، باعتبار الجامعة ليست مؤسسة تعليمية أو بحثية فحسب، بل هي مؤسسة مجتمعية تنبض بنبض المجتمع وتسهم في تشخيص مشكلاته ومعالجتها بصفتها بيت الخبرة والاختصاص، لطالما أنها تعلم الكوادر وتخرجهم لإدارة التغيير في المجتمع وقيادته بأمان، إن الجامعات اليوم لم تعد منسلخة عن المجتمع بل تتماهى فيه وتنخرط في تحقيق توقعات المواطنين بقدرة الجامعات على توظيف خبراتها. ومن هنا أسهم العمل الوقفي في دعم الجامعات ماديا ومعنويا في سبيل تحقيق أهداف مجتمعية ريادية ومنها العدالة في التعليم كمساعدة الطلبة المعوزين أو دعم الإبداع والتميز، أو إنشاء بيئة تعليمية جاذبة ومحفزة لتخريج كفاءات واختصاصات يحتاجها سوق العمل ، والرأي أصبح بكل قناعة أن صياغة العمل التنموي يتم بالشراكة وبدعم مجتمعي يحتل العمل الوقفي فيها حصة الأسد. إن المجتمع الذي نراه بلغة الحاضر والمستقبل ما هو إلا بوتقة تتفاعل فيها المدخلات من شتى المجالات كي تنتج مخرجات تحقق الرفاهية للإنسان وكرامة تظلل حياته فيها، وتشعره بأهميته ودوره كمواطن صالح يعظم الايجابيات ويحارب السلبيات كواجب مسؤول يقحمه بالايجابية التفاعلية ويضعه في محك المجريات ليذود عن مصالح المجتمع ويوفر للأجيال القادمة مقومات الحياة الراغدة.
إن المجتمعات التي لا تعطي المسؤولية المجتمعية استحقاقها تعد في ذيل القافلة وهي متخلفة عن امم سبقتهم وجعلت منها نقطة انطلاق نحو واقع مفعم بالنشاط والحيوية والانصهار الجاد في قضايا المجتمع الذي يتعاون فيه الجميع لأجل الجميع.
وفي الختام أشكر المجلس العربي للمسؤولية المجتمعية بالقاهرة ممثلا بالأمين العام أ.د راندا رزق على تعاونهم واهتمامهم بتطوير الثقافة المسؤولة مجتمعيا وما لذلك من دور تنموي رشيد يعزز المكتسبات ويطور الاهتمامات نحو إيجاد مجتمع مزدهر مبني على الشراكة وتكامل الأدوار. ومن هنا أرى في هذا المؤتمر أهمية بالغة على أكثر من صعيد، ومن الضرورة انعقاده في هذا الوقت بالذات لسد فجوات وبؤر توتر تعصف بالحياة. ولا يسعني إلا أن أحيي هذه القامات والهامات التي تقف وراءه وتشرف على تنفيذه وتحقيق أهدافه.

