
نجاح الدروبي.. فنانة الخط العربي
-من مواليد دمشق 1965.
-حاصلة على شهادة إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق 1991.
-حاصلة على شهادة دبلوم تأهيل تربوي من جامعة دمشق 1993..
تلقَّيتُ قواعد الخط العربي في معهد أحمد وليد عزت بدمشق، ومعهد الثقافة الشعبية في مدينة حمص، ثم توَّجتُ دراستي بحصولي على شهادة في الخط العربي من وزارة الثقافة السورية بدرجة جيدة. كما ثابرت على التدريب وشحذتُ موهبتي التي خُلقَتْ معي منذ الصغر من خلال كرَّاسة الخطاط العراقي هاشم البغدادي لتكون بمثابة المعلم الأكبر لي. كذلك تأثرت بالدرجة الأولى بالخطاطين الأتراك أمثال: “حامد الأمدي، عبد العزيز الرفاعي” اللذين برعا في كتابة الخط العربي، وتمكَّنا من إبرازه بشكل مدهش فأثروا الإبداع الخطي وأثَّروا في الأجيال اللاحقة، مُقدِّمين أعمالاً تحمل في طياتها قصصاً وأفكاراً تُمثِّل تاريخاً بأكمله، إضافة للوحات الخطاط السوري بدوي الديراني البارع في الخطوط جميعها، وخاصةً التعليق والثلث والديواني إذ كانت الكلمات المرسلة تظهر بين يديه منسَّقة إلى أبعد الحدود.
كنت دائماً أنشد لأسلوبي التميُّز لذا وسمته بالمرونة وسعة الخيال عند استخدام الكتابة العربية المتصلة هندسياً من خلال المدِّ والرجع والاستدارة والتشابك والتداخل والتركيب لا سيَّما في الثلث الجلي فقد دبًّجتُ من خلاله تعابير تشكيلية صعبة اقتنتها بعض الجهات الرسمية من خلال المعارض التي نظَّمتُها ووضعتها في الصدارة، وكذلك بالإضافات الفنية على اللوحة بحيث تكتسب إبداعاً خاصاً يُميِّز قصبتي عن بقية الخطاطين. أما الديواني الجلي فمرونته توصلني إلى الإبداع..
كذلك شاركتُ في مسابقات الخط الدولية التي تنظمها منظمة إرسيكا الدولية في اسطنبول بإشراف منظمة المؤتمر الإسلامي، وحصلت على شهادة في خط الثلث الجلي، وحصدت جائزة في مسابقة عبد الحميد الكاتب المُنظَّمة في مدينة الرقة السورية.
وكلنا يعلم أن للخط العربي الأصيل ارتباطاً وجدانياً وروحياً عميقاً بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية الشريفة والأقوال المأثورة، لذا كنت أتمنى أن أخطَّ بيدي آيات قرآنية تعلو قباب المساجد وصحون الجوامع، مخلِّدةً جمال الخط العربي بروحٍ من الإيمان والوفاء، وفقاً لرأي الباحث التاريخي والمختص بالفنون الإسلامية الأستاذ “فيصل شيخاني” عندما قال: «أنا أتابع أعمال الخطاطة نجاح الدروبي منذ سنوات وخاصة أنها تهتم بشكل كبير بتخطيط الآيات القرآنية، وقد لاحظت خلال السنوات الأخيرة أنها بدأت تستخدم عدداً من التقنيات في عدد من الخطوط أهمها خط الثلث، وهي تعتبر بذلك أحد المطوِّرين بفن التخطيط وخاصة في مدينة حمص، ويمكن الاستعانة بخبراتها لرسم وتشكيل عدد من الزخارف في بعض الأماكن الأثرية أو الدينية في سورية».
إنَّ الزخرفة في اللوحة تُعتبر لبوسها المناسب، وتُضيف بتفاصيلها الدقيقة جمالاً إلى جمال، لذا زيَّنتُ أغلب لوحاتي بشقَّي الزخرفة: “النباتي أي الأرابيسك والهندسي”؛ وابتعدتُ عن النوعين الآخرين وهما: “الخطي والكوفي”، ثمَّ لوَّنتها فنياً بحيث مزجتُ مع كلِّ لون قطرات من “الأبيض” ليغدو أكثر صفاءً ونقاءً، إيماناً مني بأصالة الفن وكوني أحبُّ إعطاء اللوحة حقها من الجهد والعمل الدؤوب ولو استغرقت شهوراً طويلة كي تغدو مثالاً يُحتذى وتدخل تاريخ الأصالة، فتمدُّ الناظر بالغذاء الروحي، مُثيرةً التأمُّل والإعجاب الشديد في نفسه.
أيضاً اعتمدتُ في تنفيذ لوحاتي على خطوط: “الرقعي، النسخ، الفارسي”، أما خطَّي الجلي الديواني، والثلث الجلي المركَّب فأوليتهما أهميةً كبيرةً في التكوين التشكيلي، وحرصتُ على تضمينهما شروط التوازن والتناظر بحيث يتساوى في اللوحة البياض مع السواد، مُستفيدةً من ليونة بعض الحروف واستدارتها، ومن شموخ بعضها الآخر واستقامته، لأُحقِّق بلاغة المعنى وروحانيته، وهنا تأتي الإضافة كمرحلة متقدمة من مراحل الفن بهدف إيجاد جماليات غير موجودة في قواعد الخط، ليتحقق التجدُّد والإبداع باستمرار.
واليوم أُشارككم لوحات دبَّجتها بأكثر من خط لأدلَّ على الخبرة ومدى الصبر الذي تتميز به الأنثى، خاصةً في خطي النسخ والثلث اللذين يحتاجان إلى نفَس طويل ويد ثابتة وإحساس عالٍ بالحرف أثناء الكتابة، مثل تدبيجي لبعض الأبيات الشعرية الناطقة بالموعظة والحكمة، مُوثِّقةً بذلك لحظة من لحظات الإبداع الخالص؛ حيث تجلّى الجمال في حضرة من أتقن تجسيده.
إنها لوحات يجتمع فيها الحرف مع الروح، وتُشرق فيها صوفية المعاني، لتطبع في ذاكرة المشاهد ملامح التفرّد، وتورِّث الجمال للأجيال حرفاً وإبداعاً.


