مقالات

السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري؛ نجم تألق في أفق العلوم

السيد عبد الرحمن إمبج كوي العيدروسي الأزهري القاسمي، شريف وسيد وعالم وكاتب ألمعيّ أشمّ، آتاه الله بسطة من العلم والحكمة، ومنحه فرصة في العمر، فكان عطاؤه هائلا، وأسلوبه بديعا باهرا، وصدق الله وهو أصدق القائلين ‘كُلّا نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ولد السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري في نسل مبارك، ينتمي إلى السيد عبد الله  العيدروس بن السيد أبي بكر السكران بن عبد الرحمن السقاف بن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي بن الفقيه المقدم بن علي بن محمد صاحب المرباط بن علي قالع قسم بن علوي بن محمد بن عبيد الله بن  علوي بن أحمد المهاجر رحمهم الله.

فجده عبد الله العيدروس المسمى أوّلا بالعيدروس ولد سنة 811 الهجرية ولقّبه جده عبد الرحمن السقاف بالعيدروس، توفي والده في عمره العاشر، فتربى في حضن الشيخ عمر المحضار، وتلقى عنه وعن عدد من العلماء الأعلام في حضرموت واليمن والحجاز، وقد ألّف بعض الكتب والرسائل في علوم مختلفة، وكان جوادا ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، توفي سنة 865 الهجرية[1].

آل العيدروس وولاية كيرلا.

كما نفهم هناك قبائل عديدة في نسل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجلها آل العيدروس، وهو أسرة عريقة فائقة الشهرة ذائعة الصيت في مجال العلم والسياسة والخدمات الاجتماعية، أنجبت كثيرا من العباقرة الذين بذلوا جهودهم للعلم والمجتمع، وانتشروا في حضرموت وجنوب الجزيرة العربية والحجاز والإحساء ومناطق الجزيرة العربية والعراق والهند وماليزيا وإندونيسيا[2].

أول من تقدم إلى الهند من هذا النسل المبارك هو السيد الشيخ بن عبد الله  بن شيخ بن عبد الله العيدروسي، باعلوي الحسيني، التريمي مولدا والهندي وفاة، حظيت بلدة تريم بولادته سنة 919 الهجرية الموافقة للعام 1513 العيسوي، تلمّذ من أساتذة عديدة من تريم وعدن حتى من الشيخ  ابن حجر الهيتمي من مكة المكرمة، وأبي الحسن البكري. دخل بلدة غجرات واستقر في أحمدآباد، وأكرم بحفاوة نادرة من قبل الوزير عماد الملك، وأقام هناك مدرّسا، وبعد إقامته في الهند اثنين وثلاثين عام قد لبّى نداء ربه سنة 990 الهجرية الموافقة عام 1582 العيسوي[3].

وقد تلاه في القدوم إلى أرض الهند عبد الله بن أبي بكر العيدروسي، ومحمد بن عبد الله العيدروسي، وجعفر الصادق العيدروسي، وعلي بن عبد الله العيدروسي، عبد الله بن علي العيدروسي، وجعفر الصادق العيدروسي وغيرهم.

أول من قدم من بلاد تريم من قبيلة العيدروسية  إلى ولاية كيرلا سيد القطب عبد الرحمن العيدروسي من سلالة السيد حسين العيدروسي ثالث أبناء السيد عبد الله العيدروسي المذكور آنفا. ولد عام تسع وتسعين وألف الهجري في بلدة تريم وتلقى مبادئ العلوم من مسقط الرأس، ووضع عصاه عن منكبيه في كاليكوت سنة خمسة عشر ومائة وألف الهجرية، تزوّج من الأسرة المخدومية، وأنجب السيد محمد، والسيد عبد الله، والسيد مصطفى والسيد أبوبكر،

وقد وصل إلى كيرلا فرع أخر من القبيلة العيدروسية، وقد وصل السيد علي العيدروسي من بلاد سورة من غجرات ، توفي عام سبعين ومائتين وألف ودفن في بدلة ولِيَنْكود. وينتمي نسل السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري إلى السيد عبد الرحمن العيدروسي المدفون في فنان، أصل القبيلة العيدروسية  في ولاية كيرلا من طرف.

ولادته ونشأته

ولد السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري سنة إحدى وعشرين وتسعمائة وألف الميلادية[4] في قرية مَرَتًّم كود’ قرب كُنًّم كُلَم، في مقاطعة تريشور في كيرالا، ووالده السيد محمد كوج كويا كان عالما بارعا ماهرا، وهو أول من ارتحل من السادات إلى كلية باقيات الصالحات ب”ويلور” في تاملناد سنة عشرين وتسعمائة وألف الميلادية للدراسة العليا، وحصل على شهادة المولوي الفاضل الباقوي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في كيرالا، دفن في مقبرة مسجد الجامع ب “فَنّْتَّدم”، وقد أنجب أربع أولاد، ثلاث بنين وبنتا واحدة، السيد محضار فوكوي، والسيد عبد الرحمن إمبج كوي، والسيد موتو كوي، والسيدة شريفة كنجاتَّ بيوي، كان مأوى الناس وملجأ الأنام، ولد في سنة تسعمائة وألف العيسوية وتوفي سنة تسع وسبعين وتسعمائة وألف العيسوية.

لمّا حظي بهذا الابن النجيب قد شاطر هذا الخبر السار مع السيد مُلّاكوي الوركّلي، الذي كان بينهما علاقة وطيدة، فسمى السيد الوركلي الطفل عبد الرحمن إمبج كوي.

ينتمي نسله إلى السيد عبد الرحمن العيدروسي الفناني، فنسبه هكذا.. السيد عبد الرحمن إمبج كوي الأزهري القاسمي، ابن السيد محمد كوج كوي بن السيد عبد الرحمن المحضار بن السيد مصطفى بن السيد محمد بن السيد عبد الرحمن بن السيد محمد بن السيد عبد الرحمن العيدروسي الفناني، فهو الولد الثامن والثلاثون من أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم،

رحلاته العلمية

تعلم المبادئ الدينية من منزلته وقريته، وأكمل الدراسة عند كبار المشايخ في المليبار، مثل محي الدين كوتي مسليار الكيجِرِي، ومحمد مسليار الكلّوري،  ومحمد مسليار الكرنغفاري، والتحق للدراسات العليا في المعهد الديني الشهير في جنوب الهند  كلية الباقيات الصالحات سنة سبع وأربعين وتسعمائة وألف، وقد تلمّذ هناك من العلماء العباقرة الجهابذة مثل الشيخ آدم حضرت، وشمس العلماء أبوبكر مسليار، والشيخ حسن حضرت، والشيخ أبوبكر حضرت، وتخرّج بالشهادة مولوي الفاضل الباقوي سنة تسع وأربعين وتسعمائة وألف العيسوية بالدرجة الممتازة.

وبعد ذلك كرّس حياته كَمُدرس في المسجد الجامع ب”تلكّدتّور” في مقاطعة مالابرم، وكان ذلك المسجد مأوى الطالبين منذ سنوات قديمة، وقد درّس فيه عباقرة من المدرسين المشهورين في الولاية. وفي أثناء اشتغاله كمدرّس في تلكّدتور تعطّل عن التدريس وركب على جناحيه إلى دار العلوم في ديوبند، وكمّل دورة الأحاديث الشريفة، وتبحّر في فنون عديدة، وتمهّر في اللغة الأردية والفارسية، وقد تزوّد من العلماء المهرة مثل السيد حسين أحمد المدني، والشيخ محمد إعزاز علي الأمروهوي، والعلامة الشيخ محمد إبراهيم البلياوي،  وتخرّج حاملا شهادة “القاسمي” وآب إلى المسجد الجامع في تلكدتور كمدرّس أيضا.

لم يكتف بهذه الشهادات والمؤهلات العلمية، بل صار قلبه يشتاق إلى معين العلوم الدينية، فواصل رحلاته العلمية من كلية إلى كلية ومن جامعة إلى جامعة أخرى. ومما يدل على عبقريته ومهارته في كتب الشريعة أنه قد انتخب عضوا في هيئة المستشارين لجمعية العلماء لعموم كيرلا، واختير عضوا للجنة تعليم الدين الاسلامي لعوم كيرلا  في الخمسيينيات، ثم صار رئيسا لهذه الجمعية.

إلى مهد الحضارة والثقافة

وفي السنة السابعة والخمسين وتسعمائة وألف حج بيت الله الحرام، وبعد أداء الحج والمناسك ركب على جناحيه إلى أرض مصر أرض الحضارة والثقافة، وكعبة العلوم والحكمة، وقد اتفق للسيد من كلية دار العلوم أثناء التعلم ملاقاة مع الدكتور عبد المنعم النمر، وعبد الآل العقباوي العالمين المصريين، وهذه الملاقات ألقت في قلبه رغبة الدراسة العليا في القاهرة،

وكان الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر آنذاك، التحق في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، فتحت الجامعة لديه أبواب العلوم وآفاق الأدب، وتمكن من تطوير المهارة في اللغة والعلوم الدينية،  وانتهى من مرحلة الماجستير في أربع سنوات، ووطّد في هذه المدة العلاقة مع كثير من النبغاء مثل الشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، والدكتور عبد الحليم محمود، والدكتور نائل. وقد انتهز الفرص في مدة الإقامة في مصر لزيارة الصوفيين والصالحين، وارتحل إلى بغداد وسوريا وسائر الأماكن التاريخية،

وبعد فترة التدرس في الأزهر التحق في جامعة القاهرة أيضا وتخرج من كلية الآداب فيها، وكتابه المشهور الذائع الصيت ‘العرب والعربية’ ‘وتاريخ النحو وتطوره’ من منتجاته البحثية المعدة للشهادة من درجة الماجستير، وفي تلك الحقبة اطلع على علم المكتبات والمعلومات، وعلم الفلسفة، وعلم النفس وما إليها وحصل على شهادات فيها من شتى الكليات في مصر وإدارة رابطة العربية، والتحق أيضا في معهد الدراسات الإسلامية الذي وضع أساسه ثلة من العلماء في مصر، وكان الشيخ أبوزهرة الحنفي رئيس هذا المنبر العلمي، وأتم الدراسة من هذا المعهد أيضا على وجه الكمال، حتى صار بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى.

وكان من هدفه الميمون أن يحصل على شهادة الدكتورة للدراسات الأكادمية، واستأهل جميع المؤهلات العلمية للتسجيل  للدكتورة، ولكن توليته منصب المحاضر في جامعة علي السنوسي  في ليبيا سنة ثلاث وستين وتسعمائة وألف أجبره لترك هذا الحلم في أثناء الدروب.

ومن الجدير بالذكر أنه لم يُضيِّع فرصة أتت إليه للحضور في نادي الأدباء المصرييين، وقد شارك في أمسياتهم وشاطر معهم ، وكان دائم الحضور في النادي الأدبي لطه حسين يوم الأربعاء، وكان له علاقة عريقة بنجيب كيلاني، وحسين هيكل، ومصطفى محمود العقاد وغيرهم من النجوم اللامعة، حتى تألق أيضا في أفق الأدب العربي. وقد انتخب رئيس المندوبين من مصر إلى المملكة العربية السعودية لحمل كسوة الكعبة، وما تأتى له ذلك إلا بعلاقته الفائقة بذوي السلطة والحكومة.

 

حياة كرّست للتدريس والتصنيف

بعد ما ملأ كنانه بالعلم وجعبته بالحكمة كرّس حياته للتعليم، وقد أكرم بحفاوة نادرة، وُكِّل بمنصب لا يناله إلا ذو حظ عظيم أنه كُلّل بمنصب المدرس في جامعة الأزهر،. واستمر في ذلك المنصب فترة من الزمن ثم صار محاضرا في جامعة محمد علي بن السنوسي في ليبيا، وبعد ثلاث سنوات وُظِّف معلما في معهد تدريب المعلمين في محافظة وادي الدواسر في منطقة الرياض في المملكة العربية السعودية، ومنذ سنة سبعين وتسعمائة وألف اشتغل كمدرّس في كلية تابعة للجامعة السعودية بالخُليص في محافظة مكة المكرمة، وامتدت هذه الخدمة لمدة طويلة زهاء 16 سنة، من سنة 1970 إلى 1986 العيسوية،  وفي هذه السنوات المديدة أتيح له الفرصة لتأسيس العلاقة مع العباقرة وتلمّذ منه كثير من الطلاب العرب الخلّص من القبائل العربقة، ومُنح له الفرصة لأداء صلاة الجمعة كل أسبوع في الحرم، وأدى أكثر من ثلاثين حجا في عمره المديد،

وكان السيد عبد الرحمن العيدروسي همزة وصل بين العرب وعلماء مليبار، وقد جدّ جهده المتواصل في بنية العلاقة بينهم، مثل الشيخ حسن الخزرجي، والسيد علي الهاشمي. وقد أتى السيد علوي المالكي إلى ولاية كيرلا إثر محاولته،

مساهماته العلمية

قال بعض العلماء: كتب العالم أبناؤه المخلّدون، إذا خلّف عالم كتابا يخلد ذكره على مرّ الأيام والأعوام، وكان السيد الأزهري كاتبا ماهرا أكرم بكرامة الإبداع، تناول اللغة مع سهولة الألفاظ وجمالية التركيب حتى أعجب العرب، كان يكتب في الجرائد والمجلات الصادرة من شتى البلدان العربية، مصر وعمان ودبي وما إليها.

وقد خلّف السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري من الكتب والرسائل والكتيبات والمقالات  ما يذيع صيته ويخلّد ذكره على كر الدهور والشهور، من أشهرها وأجلها ‘العرب والعربية’ و ‘من نوابغ علماء مليبار’. وقد خلّد تاريخ بعض نبغاء المسلمين وغيرهم بسرد سيرتهم الكاملة في السطور، مثل  السيد علوي المنفرمي، والسيد فضل فوكوي بن السيد علوي، وعمرالقاضي البلنكوتي، ورَبِينْتر نات تاكور، وأبو الكلام آزاد،

وقد سطّر تاريخ علماء وسادات مليبار بقلمه السيال حتى كتب شتى نواحي حياتهم إثر وفاتهم، مثل صدقة الله مولوي، وك.ك أبوبكر حضرت، وشمس العلماء إي.ك أبوبكر مسليار، ورئيس المحققين أحمد مسليار، وعبد الله مسليار الكتيفرمي، و حسن مسيار إي.ك، كُنْجِ عبد الله مسيار كيزني، ومحمد مسليار باني كلية دار السلام العربية، وجمال الدين مسليار ك.سي، والسيد عمر بافقيه، والسيد محمد علي شهابـ، والدكتور بشير محي الدين وغيرهم. وكذلك قد ألف بعض الرسائل في شتى الموضوعات والشخصيات، وبعض مصنفاته لم تطبع حتى الآن. وله عدد هائل من الأشعار فيها من المرثيات وغيرها، كان يرثي كل من له باع طويل في نشر العلوم ودور هام في الدعوة الإسلامية، من أروعها مرثية قائد القوم السيد عبد الرحمن بافقيه، ومرثية شمس العلماء أبوبكر مسليار. كفى لنا شاهدا على نبوغه في سرد الأشعار بعض السطور من مرثياته عن السيد عبد الرحمن بافقيه، يقول:

ويبقى إله الخلق حقا وغيره                    لأعمالهم يوما لديه مقول

لقد ضاق عنا الأرض من هول ما جرى     كما الشمس في عز النهار أفول

فقدنا عظيما من سراة زماننا                   له كلّ أحزاب البلاد قبول

عزيز لدى كلّ الشعوب هنادك                فعن مسلميهم قس ترى ما تقول

حوى من زعامات البلاد عديدها              ورابطة الاسلام منه تعول

وتاريخه جنات عدن نعيمها                   وَزدها فلا شيء عليه يهول

وفي آخر البيت قد ضمن تاريخ وفاة عبد الرحمن البافقيه وفق حساب الجمل يعني جنات عدن نعيمها فلا شيء عليه يهول، حسابه الجمل 1392، وفي تلك السنة الهجرية انتقل إلى رحمة الله.

العرب والعربية

وهذا الكتاب الذي خلّد ذكره على سطور التاريخ وقلوب الأنام من باكورة السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري. كما يبدو من الاسم يبحث الكتاب عن العرب واللغة العربية، قام على ساقيه ولبس نعلين من الحديد في تكميل هذه الخطوة حتى ظهر الكتاب ثمرة جده المتواصل وسعيه المتسلسل وثمرة ذهنه الثاقب وفكره الحاد وعبقريته النادرة ومهارته اللغوية. قد تعجب العرب بمضمون هذا الكتاب وأسلوبه الرائع وأبدوه في أقوالهم وتقاريظهم، يقول الدكتور الشيخ عبد المنعم خفاجي[5] في تقريظه للكتاب: ‘‘إن هذه الدراسة القيمة جدير بالذيوع وبالتقدير معا، وأود أن تطبع بلغتها العربية وأن تترجم إلى لغات كثيرة وخاصة الأردية السائدة في الهند قبل تقسيمها مع أن لغة مليبار لها حروف خاصة، ليتمكن ملايين المسلمين من قرائتها والإفادة منها[6].

يقول الشيخ محمود النواوي في مقدمة الكتاب:‘‘وما كنت أعتقد أن يخرج بهذا الكتاب في بيان عربي فصيح لعجمته واستعصاء الأسلوب العربي المبين على مثله، ولكنه جاء منذ أيام فعرضه عليّ لقرائته، فإذا كتاب في اللغة العربية وآدابها لا يقدم على مثله إلا فحول الأدباء والباحثون الفاحصون من رجال اللغة العربية الأصيلين، وبعد مجهود لا يعرفه إلا من مارس الأدب وزاول التأليف فيه بعد أن توفر على دراسته سنين عددا وقلب مراجعه وتذوّق أساليب العرب وآدابها’’[7]

قسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تحتوي كل واحد على عدة أبواب يبحث شتى نواحي الموضوع، القسم الأول الأمة العربية. وهذا القسم يتضمن عدة أبواب. والقسم الثاني اللغة العربية بين اللغات وهذا القسم قد طال كثيرا في 120 صفحة تقريبا تبحث عن اللغة العربية ولهجاتها المختلفة وما إليها. والقسم الثالث أقسام الكلام العربي يضم النثر والشعر ومنزلة الشعر عند العرب،

ومما لا ينتطح فيه عنزان أنه يظهر في أثناء المطالعة أمام القارئ شخصية المؤلف في حسن عرضه للموضوع بأسلوب أنيق مع عبارة فصيحة جذّابة سهلة، وتخيّر موضوعاته ودقّته في العلم وأمانته في النقل وجما العرض، ومن الجدير بالذكر أنه قد جمع المواد من المصادر المختلفة تبلغ إلى مائة وخمسين كتاب، وهمّش كلاّ حسب الموقع يمكّن القارئ الخوض إلى عمق الموضوع حسب الحاجة، لم يصادف أمرا غريبا إلا عرّفه أو مبهما إلا وضّحه حتى فرّق الغث والسمين.

وفي صفوة القول إن هذا الكتاب للسيد عبد الرحمن سيد محضار العيدروسي المليباري دراسة شاملة عن الأمة العربية ولغتهم العربية، في عبارات سهلة وألفاظ فصيحة يستفيد منه الطالب والعالم والباحث، لا يقدم على مثل هذا العمل إلا عالم عربي ماهر في اللغة والموضوع، لم ينقل شيئا إلا بالتدقيق ولم يترك شيئا للخلف حتى بيّن كل شيء.

من نوابغ علماء مليبار

وفي الحقيقة هذا الكتاب سيرة عالم فقيه محقّق في مليبار،وهو ويران كتي مسليار من قرية كَيْبتا، وقد أسرد في الكتاب مع سيرته تاريخ الإسلام ونشأته وتطوّره في ولاية كيرلا، ونظام التعليم العلمي ودور المدارس والمكاتب الدينية في دعوة الدين. وقد بين فيه خدمات العلماء العباقرة في مجال العلم ومكافحة الاستقلال الهندي مثل زين الدين المخدوم، والسيد علوي المنفرمي وابنه السيد فضل، ومهاتما غاندي، وآل مسليار، وَميْتومولوي، والحاج كنج أحمد واريمكنّت وغيرهم. لا شك أن قارئ الكتاب لا ينتهي منه إلا على إلمام تام عن المليبار وشخصياته البارزة وتاريخ بزوغ الإسلام في دياره وربوعه.

 

قائد جمعية العلماء لعموم كيرلا وعميد الجامعة النورية العربية

بعد ما تقاعد السيد عبد الرحمن العيدروسي عن خدماته العلمية في المملكة العربية والسعودية آب في السنة السادسة والثمانين وتسعمائة وألف إلى مسقط رأسه وانحنى على صلبه في مجال الخدمات الدينية والعلمية في الولاية. فضلا عن سن التقاعد قد شد مأزره وشمر على ساقيه بالنشاطات، وبنى بعضا من المؤسسات الدينية وشكّل لها المناهج الدراسية حسب متطلبات عصر الحديث مثل كلية مالك دينار الإسلامية في مقاطعة تريشور.

وقد انتخب نائب رئيس لجمعية العلماء لعموم كيرلا في السنة الثالثة والتسعين وتسعمائة وألف العيسوية، وبعد سنتين صار رئيس الجمعية عقب وفاة الشيخ ك.ك. أبوبكر حضرت، واستمر في ذاك المنصب العالي الذي لا يولّى عليه إلا العالم التقي الموفّق إلى سنة أربعة وألفين العيسوية، ثم استقال منه بأسباب صحية. وفي فترة رئاسته تولّت الجمعية عمارة مسجد ومقام وَرَكَّلْ الذي يرقد فيه السيد مُلاّكوي الوركّلي، ودفن فيه الأمين العام السابق شمس العلماء أبوبكر بكر مسليرا رحمه الله.

بعد وفاة العالم العلامة ك.ك أبوبكر حضرت رحمه الله الذي كان رئيس جمعية العلماء لعموم كيرلا وعميد الجامعة النورية العربية، انتخب السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري عميد الجامعة.  وكان توظيفه في هذا المنصب العالي القدر باعث حيوية في رحاب الجامعة بين الأساتذة والتلامذة، كان معلما زائرا في الجامعة يأتي في بعض الأيام ويخوض في بعض الصفوف ويحاضر لديهم محاضرة بليغة في اللغة العربية واللغة المليبارية أحيانا، كانت تلك المحاضرات محاضرة مشتملة على النكات المهمة في العلوم الدينية، ومتضمنة للبحوث النحوية وما إليها. يحث جميع التلاميذ على الجد والاجتهاد. كان يعترض في شؤون التلاميذ، شؤونهم الصحية والعلمية وما إليها. كان لا يأخذ الراتب الشهري على محاضراته، بل أنفق مالا هائلا في شؤون طعام المتعلمين.

وكان ذلك العصر العصر الذهبي في تاريخ الجامعة، زخرفت بالعلماء العباقرة مثل محمد مسليار الكمرمفتوري، ومحمد مسليار الكالمفادي، ومحمد مسليار الجيلكادي، ومحي الدين مسليار الكوتُّمَلِي، وعلي كوتي مسليار الذين جلهم بل كلهم من أبرز أعضاء جمعية العلماء لعموم كيرلا.

 

د. محمد إسماعيل الهدوي

نائب العميد، كلية إصلاح العلوم العربية

 

 

 

 

 

 

 

[1] ) السيد شريف عبد الرحمن بن محمد بن حسين، شمس الظهيرة، عالم المعرفة، جدة، ج 1، ص 93

[2] ) نفس المصدر السابق، ص 95

[3] ) د. أبوبكر محمد باذيب، اسهامات علماء حضرموت في نشر الإسلام وعلومه في الهند، دار الفتح، ج 1، ص 102

[4] ) وهناك آراء مختلفة في تاريخ السنة للولادة، في بعض النسخ يرى أنه ولد سنة ثلاثين وتسعمائة وألف، وفي بعض سنة إحدى وعشرين وتسعمائة وألف، والأوفق للصواب سنة

  [5]  ولد عام 1915 في تلبانة مركز المنصورة بمصر، عمل أستاذا وعميدا لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعضوا بمجلس جامعة الأزهر والمجلس الأعلى للفنون والآداب وغيرها، حصل على عدة جوائز مثل جائزة شوقي في الآداب(1950)، وجائزة رابطة الأدب الحديث(1960)، كما نال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، له مؤلفات عدة، توفي سنة 2006

[6] ) تقديم كتاب العرب والعربية، فضيلة الدكتور الشيخ محمدد عبد المنعم خفاجي، ص 5

[7] ) مقدمة الشيخ محمود النواوي، العرب والعربية ص 7

 

إغلاق