إنجاز فلسطينمقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

دور الأسرة في ترسيخ قيم التوازن بين الدين والعصرانية (1)

– في بداية هذه المقالة لا بد من تعريف مصطح العصرانيّة:
العصرانية حركة فكرية تسعى إلى تحديث المفاهيم والأفكار لتواكب التغيّرات في العالم المعاصر، وتهدف إلى إعادة تفسير بعض المعتقدات والتقاليد القديمة أو مراجعتها بما يتناسب مع متطلبات الحياة الحديثة، مع المحافظة على جوهر تلك القيم والتقاليد؛ -مع تحفظي على هذا التعريف- ويُطلقُ في السياق الديني، على مصطلح العصرانية أنه محاولات لتفسير النصوص الدينية، أو إعادة تأويلها بطريقة تتوافق مع مستجدات العصر، ويرى مؤيدوها أنها تسهم في تحقيق توازن بين التمسك بالأصول والانفتاح على التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية..
– ولكن ذهب آخرون إلى أنها حركة تأثرت بالحضارة الغربية وهدفها إلحاق الضرر بالعقيدة الإسلامية وإقصائها عن حياة الناس، وتبني كل ما جاء من الغرب في هذا العصر.
– إن ظهور مِثلَ هذه الحركات ليست بالجديدة على العالم الإسلامي، ولطالما ظهرت مذاهب وأفكار وحركات إقصائية، لقد ظل المسلمون يقاومون آثار هذا التردي الفكري والسلوكي الذي عم في العصور الأولى وكذلك في العصور المتأخرة، ولم يبلغوا الهدف المطلوب، ولم يستطيعوا مقاومة الأمراض الوافدة على حياتهم، ولم يستطيعوا معالجة ما خلّفته هذه المبادئ الدخيلة من تشوهات وآثارٍ سلبية معالجة تامة، فالصراع دائم ولا يزال محتدم، ولكن الفرق بين ما كان يحدث في العصور الأولى والعصور المتأخرة أنه كانت هناك دولة وخلافة وحاكمية لله، على عكس ما يحدث في الواقع وما حدث في آخر هذه العصور الحديثة، ولذلك فإن الحاجة مُلحّة إلى تكثيف الجهود والتركيز الأكبر على التربية والتنشئة والتوجيه في شتى مجالات الحياة خصوصً إلى قطاعات الشباب المختلفة.
– على كل حال أصبحت العصرانية واقعًا ملموسًا في حياتنا، مما يتوجب على المسلم أن يتحمل مسؤولية كبيرة أمام هذه الحركات والأفكار الدخيلة حتى لا يذوب المسلم في هذه المذاهب التي ظهرت بعد نهضة أوروبا الصناعية وتراجُعِ المُسلمين، وبما أن الحاكمية لم تعد لله في العالم العربي والإسلامي، والتي استبدلوها بأحكام ونظُمٍ دخيلة أدت إلى إقصاء الإسلامي كشريعة وحاكمية من واقع المسلمين، لم يعد أمام المسلمين الغيورين على دينهم وعقيدتهم سوى الالتحاق بالصحوة الإسلامية التي هي رمز النهضة المرتقبة لهذه الأمة، ولكن وبالرغم من توسعها أيضًا، وإستقطابها الكبير لكافة أصناف الناس، والتحسن المتزايد في داخلها، إلّا أنه ينبغي لها أن تعي أنها تسعى للإرتقاء بأمة قد أُنهكت أديمَها ضربات النّظم الفاسدة، والأفكار المنحرفة، والإستغلال البشع لمقومتاها من قبل أعداء حاقدين، وأبناء مخدوعين.
– وبما أنني وضعت عنوانًا لهذه المقالة يتعلق بدور الأسرة، فإنني أؤكد على دورها المركزي في الحفاظ على نسيجها ودورها في إعداد أفرادها إعدادًا فكريًا وتربويًا جيدًا، في الوقت الذي غابت فيه الحاكمية لله، واستُبدِلت فيه الأنظمة، وتغيّرت فيه مناهج التربية والتعليم، وسيطرت التكنولوجيا الحديثة على مجريات حياة الناس، ولذلك لم يبقَ سوى الأسرة كخط دفاعٍ أخير، والتي يجب أن تأخذ الدور المركزي في عملية التربية والتنشئة لأبنائها حتى لا نضطر إلى قراءة فاتحة الكتاب على مستقبل أجيالنا… انتظروا المزيد في مقالة الغد بمشيئة الله تعالى.
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: (1772)
05 جمادى الأولى 1446هـ
الخميس 07.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق