مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #سعيد_الجان_وقُميرة_البان الجزء الثاني

لمّا نهضت قميرة البان ،وجدت نفسها نائمة في فراش ناعم ،وعليها فستان من الحرير الوردي ،ففركت عينيها لتتأكّد أنّها لا تحلم ،وحين إلتفتت حولها رأت فتى يلبس جبّة مطرّزة بخيوط الذّهب ،وعلى رأسه عمامة زرقاء ،لكنه يخفي وجهه ويديه ،فصاحت :ويحك من أنت ؟ وإياك أن تكون قد إقتربت مني !!! أجاب الفتى إسمي سعيد الجان ،وأنت في داري معززة مكرّمة . صرخت الفتاة : يا فضيحتك يا قميرة البان، ماذا سيقول أبي وأخواتي لمّا يعلمون أني أمضيت الليل مع شخص غريب؟ ثم قالت له :أرجع لي ملابسي ،واتركني أعود إلى دارنا قبل أن يسمع كل أهل الزّقاق بما حصل ،ثمّ بدأت تصيح ،وتلطم على وجهها ،جلس سعيد الجان على مقربة منها وقال: إعلمي أن نيّتي سليمة ،وأنا أريد الزواج منك ،وسأكسوك بالحرير والجواهر !!!لكنها ردّت : إسمع ،لا أريد منك شيئا ،ولن تغريني بمالك ،ولو كنت حقّا تريد الخير ،فارجع بي إلى أخواتي ،وانتظر رجوع أبي من سفره ،هل فهمت ؟
زاد إعجاب سعيد بالفتاة ،وعرف أنّها من يبحث عنها منذ زمان ،فلاح الرضى على وجهه ،وقال :سأفعل ذلك يا قميرة البان ،لكن دعني قبل ذلك أقصّ عليك حكايتي ،بدأت الفتاة تحس بالإطمئنان فسعيد يبدو لطيفا للغاية ، وأعجبها الفستان الذي ترتديه ،وأناقة الغرفة التي تجلس فيها ثم أومأت له برأسها موافقة قال سعيد :تحت الحديقة هناك قبر أحد ملوك التبابعة العظام الذين حكموا اليمن في الأيام الغابرة وفيه كنز كبير من الذهب والجواهر والتيجان ،وقد دفنه الكهنة في هذه الدّار المهجورة التي يسكنها أهلي من الجان ،ودام ذلك الحال زمنا طويلا ،حتى ضاع أثر القبر، ونسيه النّاس. أحد الليالي الباردة لمّا كنت طفلا صغيرا ،أتت امرأة فقيرة رثّة الثّياب ،و طرقت الباب، فعطفت عليها أمّي ،وأطعمتها، وكستها ،وصارت تأتي كلّ يوم ،وتأخذ ما كتب الله من الرّزق ،وتعوّد الجميع عليها إلا جدّي الذي لم يكن مرتاحا لها، فلا أحد يأتي لذلك المكان الموحش أين يرتع الجان ،وتنعق الغربان ،وبدأت المرأة تتلطّف معي، وتظهر لي الودّ حتى علمت مدخل المقبرة ،وهو بئر قديم ليس فيه ماء .
وذات يوم خرجت أنا وجدي للغابة ،ولما رجعنا وجدت أنّ أبي وامي وأقاربي قد ماتوا جميعا ، وأكتشف جدّي أنّ أحدهم قد دسّ سحرا في الخضر المزروعة التي نأكل منها ،وعرف أنّ المرأة هي من فعل ذلك ،لكنّها إختفت فجأة ،حتى اللحظة التي سمعنا فيها صياحا يأتي من تحت الأرض ،وقال جدّي :يا لها من حمقاء !!! فمن يدخل القبر ينغلق الباب وراءه ،ولا يفتح إلا بكلمة سحريّة توارثها آباءه جيلا بعد جيل ، ولقد عمل الكهنة لعنة تصيب كلّ من يكشف سرّ القبر ،وبما أنّني من حدّث تلك المرأة عنه، فقد أصابتني تلك اللعنة ،وسأموت حينما يبلغ عمرى خمسة عشرة سنة . ثمّ أشار إلى شجرة كبيرة فيها سبعة ورقات، وقال لها : أنظري !!! لم يبق لي سوى سبعة أيام لأعيشها ،ويجب أن أتزوج ليأتي بعدي نسل يواصل حراسة القبر ،لهذا كنت أمتحن أخواتك لأعرف من فيهنّ تكتم سرّها .لكن لا أحد منهنّ فعل ذلك .
كانت قميرة البان تستمع بانتباه ،وقد راقت لها الحكاية ،ونسيت ما هي فيه من ضيق ،وسألته :لكن لماذا تخفي وجهك ويديك؟ أجابها: منذ أيّام أصبح شكلي بشعا ،فقد نبتت لي مخالب ،وطال شعري، وبرزت الأنياب في فمي ،وحالتي تسوء كل يوم ،والآن هل تقبلين بالزّواج منّي وكلّ ما في الدّار من خيرات وكنوز ستكون لك وأبناءك !!! صمتت الفتاة ،وفكّرت مليّا ،لكنّها أجابته: الحقيقة أنا لا أقدر على ذلك ،ولا أطيق أن أعصي أبي ،و أرى الغضب في وجهه ،وكلّ ما أعدك به أنّ سرّك سيموت معي ،ولن يعلم به أحد . بدأ سعيد بالبكاء ،ثمّ نزع اللثام عن وجهه وكشف يديه ،وقال: لم تعد هناك حاجة لإخفائهما ،فقريبا سأموت ،وينتهي كلّ شيئ ،ثم رافقها إلى الباب، ووضع لها الفستان الوردي الذي كانت ترتديه في سلّة ،مع كثير من الثّمار، وصرّة من المال ،ثمّ ودّعها، ودموعه تجري على خدّه …

يتبع الحلقة 3

 

عن قصص حكايات واقعية من العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق