مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مفتاح الصندوق الخشبي من الفولكلور السّوري قصر فيروز (حلقة 6 والأخيرة)
بقلم أستاذ أ. س حميدي / باريس(حقوق التأليف للكاتب )
ابتسمت فيروز، وردّت :ومن قال لك أني لست أميرة ؟ فلم يفهم مقصدها ،وجلس على الطاولة يأكل ، ويذوق من كلّ الأطباق حتى شبع ،وجاء الشّاي ،فشرب ،ثمّ قالت له زوجته: لن نرجع لذلك البيت الحقير، وهذه دارنا ،أجابها :ولكننا لا نقدر على ثمنها ، وفوق ذلك يسكنها الجان !!! رمت له صرّة من الذّهب، وقالت: أعتقد أنّ هذا يكفي لثمنها ،أمّا فيما يخص الجان الذي يظهر في الليل ،فقد إنصرف ،على كلّ حال شكرا لك لتركي وحيدة مع الأطفال في دار مسكونة ،وأنت حقا جبان !!! حاول أن يجد الأعذار ،لكنّها رمقته بنظرة حادّة، جعلته يصمت ،وقالت له: هذا ليس وقت العتاب، فغدا تجيئ بالبنائين لرفع سور كبير، وتجعل له بوّابة من الحديد ،وسنوّسع الدّار حتى تصبح قصرا، ونستعمل في البناء الأحجار ،والأعمدة المتناثرة ،كلّ شيئ يجب أن يرجع كما كان في الأصل ،هل فهمت ؟ إستغرب الصّياد من اللهجة التي تكلّمه به إمرأته ،فلقد كانت مطيعة لا تجرأ على رفع رأسها أمامه ،والآن تأمره كأنّه أحد عبيدها ،و فكّر أنّ الجان قد لبسها ،ولم يتجرّأ أن أن يسألها من أين أتت، بكلّ ذلك الذّهب .
لم يكن الرّجل متعوّدا على النّوم في سرير وثير ،فأخذ غطاء فرشه على الأرض ،وبات ساهرا يفكّر في ما حصل ،فكلّ ذلك خطأه ،فما الذي دهاه ليحضر أسرته إلى دار يسكنها الجان ،وأخيرا قال: أليس هذا ما تحبّه إمرأتي ؟ ،ألم أحقق لها رغبتها ؟ ثمّ لعن حظه السيّئ وما يدريه أنّ الأطفال لم يسكنهم أيضا الجان فقد كانوا مؤدّبين على غير العادة ،ولم يصدروا ضجّة حين دخل عليهم هذا المساء ،وربّما سيكون الدّور عليه هذه الليلة ،وبقي يتقلّب ،ويصغي لكلّ حركة ،وهو مرعوب حتى طلع الصّباح ،فأخذ صرّة الذّهب ،ودفع ثمن الدّار للتّاجر صاحبها الذي نظر إليه بدهشة ،فكلّ من بات فيها ليلة، فرّ هاربا ،فلماذا لم يحصل شيء لهذا الصّياد وأسرته ،دون شك وراءه سرّ ،وهذا ما يجب أن يعرفه .ثم أرسل وراءه أحد خدمه.
ما لا يعرفه الصّياد أنّ ذلك الرّجل ساحر، سمع عن كنز في تلك الأرض، ولكي يحفر دون أن يهتمّ به أحد تظاهر ببناء دار مكان الخرائب ،وبعد بحث طويل لم يجد شيئا ،فقال في نفسه :لكي لا يذهب تعبي سدى سأواصل بناء تلك الدار، وأسكن فيها !!! لكن لمّا إكتمل بنائها، ظهر له جان مخيف في الليل ،طرده منها ،وبقيت مهجورة حتى إشتراها صيّاد السّمك وإمرأته فيروز. وفي الغد جاء العمّال، وبدأوا في توسيع الدّار، وزخرفتها ،وكان الخادم يأتي كل يوم وينقل لسيده كلما يرآه ويسمعه من أخبار ،فيزداد شكّه ،وحين ذهب لجيران الصّياد في حارته القديمة، وسألهم عنه ،أخبروه أنّه رجل فقير معدم ،وصبيانه جوعى،فقال في نفسه : والله لا يوجد سوى تفسير واحد، هو أنّه درويش يكلّم ملوك الجان، وهم من دلّوه على مكان الكنز . بعد مدة إكتملت الأشغال في تلك الدار ،وتحوّلت إلى قصر فخم كما كان في الأيّام الخوالي ،يحيط به سور مرتفع، وكلّ من يراه ،يتعجّب لجماله، ودقّة زخارفه ،ومافيه من تحف ونفائس .
أمّا الصّياد ،فلم يعد يخرج للبحر، ،وصار تاجر سمك يملك عدّة دكاكين في سوق دمشق ،ولم يعد أصدقاءه يعرفونه لمظاهر الثراء التي صارت عنده ،وكانت المرأة تذهب لجاراتها في الحارة من حين لآخر،وتفتخر عليهنّ بما تلبسه من ذهب وحرير ،وكفّت الجارات على السّخرية منها ،وأصبحن يثنين على جمالها ،وعلى زوجها الذي صار كبير المعلّمين في سوق السّمك ، لكن أحد جاراتها حقدت عليها بعدما صارت أحسن منها حالا ،وكان السّاحر يعلم ذلك ،وإتّفق مع الجارة أن يدبّرا لها مكيدة ،وفي نيّته خطفها حتى يدلّه زوجها على الكنز ،وفي اليوم المحدّد قادتها تلك الجارة للفسحة في الغابة القريبة ،فخرجتا، وما كادت فيروز تبتعد ،حتى خرج السّاحر وبرفقته أربعة من العبيد يحملون كيسا، لرميها فيه، فصاحت المرأة :
أيها الخادم مصباح
يا حارس المفتاح
الأميرة تناديك ، لتطير إليها
على ظهر الغيوم
و أجنحة الرّياح
و في تلك اللحظة سمعوا ضجّة عظيمة ،وخرج لهم رجل طويل ،يحمل هراوة ضخمة ، وقالت له: دونك الرّجال ،أمّا الجارة فاتركها لي، وبعد قليل كان الخمسة رجال مطروحين على الأرض، رفع السّاحر رأسه وقال لمصباح: لقد كنت أحمق لمّا إعتقدت أن الصّياد هو الذي يكلّم الجان، والواقع أنّها تلك المرأة : أجاب الجان: إعلم أنها الأميرة فيروز، حفيدة السّبعة ملوك ،وأنا في خدمتها ،ثم ضربه بهراوته ،فهشّم عظامه ،أمّا الأميرة فأمسكت بخصمتها من شعرها ،ثمّ لطمتها على وجهها ،وقالت :هذا جزائك على سخريّتك منّي ،لمّا كنت فقيرة ،ثم دفعتها وسط كومة من روث الخيل، وقالت: وهذا على غدرك، ثم أصلحت من حالها ،ورجعت لدارها ،وقد إنتقمت من أعدائها ،وبقي سرداب الملوك السّبعة في مكانه، لم يمسسه أحد ،وذلك القصر مازال قائما إلى الآن ،لكنّه صار الآن مدرسة إسمها قصر فيروز .
…
إنتهت أرجو أن تكون قد نالت إعجابكم أعزائي
بقلمي أستاذ أ. س حميدي / باريس(حقوق التأليف للكاتب )