الرئيسيةمقالات

ابتسامتان في بروكسل للرابحين والخاسرين في صراع ميزانية الاتحاد الاوروبي

كتب الاعلامي هاني الريس / الدنمارك 🇩🇰

عندما توجهت رئيسة الوزراء الدنماركية،ميتي فريدريكسن،لحضور قمة دول الاتحاد الاوروبي،التي ناقشت في بروكسل،في الفترة مابين 17 و 20 تموز/ يوليو 2020،ميزانية الاتحاد الاوروبي،وصندوق الانعاش للدول المتضررة من تفشي وباء كورونا الفتاك،وهي تحمل رسالة اصرار الدنمارك على تخفيض ميزانيتها لصندوق الانعاش،للسنوات السبع القادمة،والتي ستستفيد منها دول جنوب اوروبا،التي تضررت بشدة من تفشي الوباء، ودول أخرى لاتحترم سيادة القانون،وتتعاطى أنظمتها بخفة،مع أوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان،رفعت لها الغالبية الساحقة من الدنماركيين،اشارات الاعجاب والقبعات،وعندما عادت إلى البلاد،بعد أربعة أيام من تلك المفاوضات الصعبة والمرهقة،ومواجهة زعماء كبار، تمرسوا في أحتكار الحلول والقرارات الصعبة،في مختلف مؤسسات الاتحاد الاوروبي،وقدمت بالمثل مع دول أخرى متشددة مثل السويد وهولندا والنمسا وفنلندا،بعض التنازلات الصعبة،من أجل ضمانات وحدة الاتحاد الاوروبي،ومستقبل القارة الاوروبيةالمنشود برمتها،وهو أمر قاتلت من أجله طوال أيام المفاوضات،قال البعض انها خضعت للضغوط،وعادت إلى الدنمارك،بخفي حنين،ولم يستطيع الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها وأمام المجتمع، حول تخفيض ميزانية الدنمارك بالنسبة لصندوق الانعاش،الذي قالت عنه أنه ضروري للغاية،وأن الخصم البسيط التي حصلت عليه،من خلال تلك المفاوضات لايؤذي الغرض،وأن الدنمارك سوف تدفع بموجب الخطة الجديدة والاتفاق الجديد،قرابة عشرين مليار كرونة دنماركية،من ميزانيتها الوطنية سنويا لصندوق الانعاش الاوروبي،وهو أمر ربما قد يقلق دافعي الرسوم والضرائب الدنماركيين،الذين ظلوا يأملون بتحسين أوضاعهم المعبشية اليومية، في ظل الحكومة الاشتراكية الديمقراطية الحالية .

هكذا جرت حقيقة الامور، في الدنمارك،قبل وبعد،مشاركة رئيسة الوزراء،ميتي فريدريكسن،في المفاوضات الماراثونية الصعبة والمكثفة،التي استمرت تحث الخطى على مدى أربعة أيام كاملة في مقر الاتحاد الاوروبي،بين مد وجزر، مع 27 زعيم دولة من دول الاتحاد،أختلفت مواقفهم حول صياغة مشروع مشترك لصندوق الانعاش الاقتصادي وميزانية الاتحاد الاوروبي للسنوات السبع القادمة، وذلك قبل حدوث بعض التسويات المهمة، والتنازلات الطفيفة خلال القمة،والتي أعطت بدورها في اللحظات الأخيرة،أولوية مطلقة لضمان وحدة دول الاتحاد الاوروبي، والنظرة المستقبلية لعموم أوروبا .

أما بالنسبة لرئيسة الوزراء،ميتي فريدريكسن،فأن الامور قد اختلفت في واقع الصراع، الذي حدث على أرض الميدان، واعتمد على الائتلافات لكي يتمكن كل ائتلاف من العمل على التصويت لصالحه على الاتفاق،وذلك قبل الخروج من الشلل الذي قد تسبب فيه المجلس الاوروبي لمضاعفة ميزانية الاتحاد وصندوق الانعاش .

وقالت في تصريحاتها للصحفيين:” أنها ظلت متأنية في مواقفها وتحركاتها عن الدول،التي ارادت أن تحتكر الحلول والسياسات الصعبة،وأنها قدمت كل ما كان يتوجب عليها فعله من أجل تقليص نسبة الاموال الدنماركية لخزينة الاتحاد الاوروبي وصندوق الانعاش الاقتصادي،التي ستظل تستفيد منها دول لم تستطيع أن تدير أزماتها بنفسها، وأخرى ظلت تخرق الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان،ولا تحترم سيادة القانون،ولكن الاتفاق التي أبرمته 27 دولة اوروبية مجتمعة،لم يكن سهلا واستغرق وقتا طويلا، وانتهى به المطاف،إلى موافقة جميع الاطراف، على وضع حلول معقولة،واتفاق يصون وحدة الاتحاد.

وأضافت:” بطبيعة الحال ربما قد يكون هذا الخصم الطفيف من ميزانية الدنمارك،موضع انتقادات البعض،ولكن الاهم بالنسبة لي وللدنمارك واوروبا،انه أتفاق جيد “.

وهذا القول كرره أيضا،رئيس المجلس الاوروبي، شارل ميشال،الذي قال”: أن الخطة الضخمة، التي توصل لها جميع الاطراف بشق الانفس،تعتبر جيدة،وأنها أظهرت،أن دول الاتحاد السبع والعشرين،تمكنت من الوقوف صفا واحدا معا بايمان مشترك نحو مستقبلها،وتركت من وراء ظهورها، مجمل الصراعات، التي كان من شأنها،أن تؤجل قرار التوقيع الجماعي على الاتفاق الجديد، وطي صفحة الاختلافات،التي حدثت منذ وقت طويل”.

والاتفاق،الذي كان غير مضمون حتى اللحظات الاخيرة من القمة،ينص على تخصيص ميزانية كبيرة لمساعدة الدول الاوروبية،التي تضررت أضرار بالغة من وباء كورونا،وبلغت بمقدار 750 مليار يورو،والتي سيتم توزيعها على شكل منح بقيمة 390 مليار يورو،وقروض بقيمة 360 يورو،كما أنه ينص على آلية تسمح لأي بلد لديه تحفظات على خطة أصلاح أي بلد آخر مقابل هذه المساعدات،أن يفتح خلال “ثلاثة أيام” نقاشا بمشاركة الدول ال 27 أما في المجلس الاوروبي،أو في مجلس وزراء المالية في الاتحاد الاوروبي “إيكوفين” وتعد هذه المساعدات،هي الأكبر في تاريخ الاتحاد الاوروبي .

وهكذا أنهى الزعماء الاوربيين،قمتهم الاخيرة،في بروكسل بروح التسامح،وبابتسامات عريضة،رغم الجدل الحاد الذي دار بينهم في أروقة القمة،والتي تخللت جوانبه بعض التحفظات،والكلمات الغاضبة،والتوترات البسيطة،وما اصاب بعضهم بنوع من الاحباط،وقد أصبحوا ينظرون،الى أين يمكنهم،أن يضعوا أقدامهم للمستقبل .

هاني الريس

22 تموز/ يوليو 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق