مقالات

فضفضة / بقلم فاطمة كمون / تونس 🇹🇳

عجزت ان أخلع رداء الغيم في مساء يقين، ذاك الحلم مازال يطاردني، يمد لي مشطا اسنانه مبعثرة ويصر عليّ ان أمشطَ شَعر الحياة وأجدله بخيوط الشمس،..ثم يسكب في قلمي ترابا ويأمرني ان اكتب عن وطأة الحروب وعناقيد الوجع قصيدة موزونة ،يمكن لموسيقي هاو تلحينها بايقاع المعنى لترقص غانيته على الغبار…
لا أدري لما طالت غفوتي ولم استطع ان ابرح هذا الذي يكبل ارادتي ويدعو ضيوفه لشرب نبيذهم على نخب ذاكرة مهشمة وكأنهم يجلسون في شرفة مصح مرعب مجهول العنوان…
قلت لست بشاعرة لأنفذ لك ما طلبت ، سمعت قهقهة أقرب لصهيل تلاها صوت اجش :
عليكَ أن تجهزّي حواسك وتتمعني في كل الوجوه العابرة في قوارب الموت في بحر انتحرت أمواجه حزنا، بعد ان ابتلعت كل الأسماء المقذوفة من فتاوى الشيوخ،
عليك ان تتعلمي ممارسة السحرِ فبلادك تصدرت خطابات الكائنات الجهنمية حتى صار المقدّس والمبعثر والمستجد فيها نشوة السكارى ودردشة النسيم.
لا تلوثي البراءة أو تدنّسي الصمت،نحنِ أمام الليل نستعد لجنائز المدينة فقد تنساكم الصبح كل جوازاتكم الليلية مختومة بالهجرة ضمن مخططات عرابيّ ثقافتكم …
ثم أضاف إياك والبكاء فجدران الحلم مطلية بالدموع الحمراء بمختلف مذاقاتها ،
تجاوزي مطبات المسافة وقيد النظرية ، اسبحي عكس النبع وتدثري بمصابيح الأنهج المشتعلة قبل ان يعوي ذئب آخر الليل وتظطرين للهرولة…
أكتبي بكثير من الخشوع قبل ان تتكسر روحك من القهر، فلاتعثري على العناوين الممزقة ، اكتبي عن تلك الفتاة الموؤودة التي لم تفارق الحياة…اكتبي عن تلك العجوز المخضبة بالحناء تنتظر النصيب ، اكتبي عن حكمة الضحك وتكرار الغباء،..اكتبي عن الملل ،عن الجفاء في مصب القناعات ،عن الظلم الساخر عن تلك النهود الطازجة المعروضة على الأرصفة تبحث عن الكرامة،…
اكتبي عن تلك المزرعة التي يسوسها قرد وحمار ومتأسد يصبغ لحيته ويجترّ الخسّ ويحرسها غراب ..اكتبي قبل ان تستيقظي ربما بعد ذلك تتذكرين بعض الكلمات لتكدسيها في مناسبات البحث عن وظيفة…
اكتبي على الجدران المنسية دون ان تتسلقي النوافذ، على صحراء الورق بلغة البداوة، سيقرأ العابرون ما كتبته من وهم عن زمن العبودية وما لونته بالفحم على جثة حكاية ماتت جدتك قبل ان تنهيها ، ذاك هو ميراثك فقط فلا تحاولي ان تتحرري من زغردة العجائز المولولة ، ولا من قيد صوت تلك الطفلة المعلقة في سقف الأمنيات، …
لن تستيقظي قبل الربيع ، حين يهترئ ما بقي من الغيم ويختبئ في قارورة الكحل لتتكحلي به كلمّا دغدغتك نسائم الذاكرة،…
ألم تقولي يوما أن حياتك كاملة وانت تتصنعين ابتسامة لعدسات التصوير،؟ ألم تقري ان زمن النبوءة بعصر ذهبي قد دهسته عربة الزمن ، ألم تحلمي بعشق يركب أجنحة النوارس ولا يهاجر ؟ ألم ترتشفي قبلة بجسارة لتعلني انك قد منحت حكمة القلب وارتويت بعد ضمأ وتخلصت من جنون العقل؟ ألم تندفعي لتحضني حبيبك وترسمي بأصابعك على صدره زهرة الياسمين..؟
إذا اخلعي اسمك وأيقظي ذئاب الطريق وعبدي مسالك الجبال و اعدّي قدرا لطبخ طرائد الصيد من أغنام الصدفة وعدلي مزاج الوقت وأعدي سرير الصبر لدفع التعب، واغلقي مصائد الفئران واتركيها تضاجع الصراصير…
وقتها استيقظي وستجدين القصيدة منحوتة على جليد الروح واعبري شوارع المدينة بصمت بلا جواد فلست في زمنه ،ولا تتوقفي لتنصتي لعربدة الغاوين فلست في زمن الأطلال ولا تصدقي انك من كتب عجزا او صدرا في ذكرى ميلاد امرأة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق