اقلام حرة

الحضور المغاربي في الفضائيات العربية بين الهوية والغواية: «الجزيرة» تلم الشامي على المغربي والأمازيغ عرب في «أم بي سي»!

الحضور المغاربي في الفضائيات العربية بين الهوية والغواية: «الجزيرة» تلم الشامي على المغربي والأمازيغ عرب في «أم بي سي»!

لينا أبو بكر

يا للمغاربة، أبناء الكوكب العربي المجهول، الذي أعاد الإعلام اكتشافه، على طريقة جواسيس العيوب، بين موس الحلاق وشبرية «أبو عنتر»، وبعيدا عن وشومهم الأمازيغية تحت التكشيطة والقفطان، هكذا يبدو الأمر، بعد أن كان الإعلام المصري رائدا في احتواء المغرب العربي، وطاقاته الإبداعية والفنية، قبل أن يخطف الإعلام اللبناني الراية، ليسلمها فيما بعد للفضاء الخليجي، بكل فخامته وأبهته ورحابته، حيث انضم المغاربة كمذيعين ومعدي برامج ومحررين وناقدين فنيين واقتصاديين ورياضيين ومحللين سياسيين وأصحاب جولات إخبارية مزلزلة ، حتى ليستولوا على جزء كبير من المشهد بجدارة، متجاوزين ثقافة الانتشار أو الاستئثار، ليتعدوها إلى حقل «لنكولن»، الذي لا يرعى فيه سوى الذئب وعنزته والصياد… وعمّي يا صياد، كيف استطعت أن تغير أسرار الميزان في حنجرة الشرق، بلا فيثاغورث ولا جاليليو ولا حتى إخوان الصفا، مكتفيا بخديجة بن قنة ومحمد كريشان وعبد القادرعياض وفيروز زياني وليلى الشايب والحبيب الغريبي، ثم تأتي البقية على «أم بي سي» و«العربية» و»سكاي نيوز» و»دبي»، حتى لكأن الأرض بتتكلم مغربي وجزائري وتونسي… فطوبى للمغاربة!

الحروب المشوهة

لأننا أبناء الحروب، التي لم تُيَتّمْنا بقدر ما تَبَنّتْنا، تجد فضائيات عربية كبرى، تبرع في إنتاج حروب مشوهة، تحابي فيها بين مشرقي ومغربي، ولأن «واكل الراس يرمي في البير عظامه» على قولة المغاربة، فإن الثرثرات، التي يمكن أن تتسرب إليك عن هذا خفيضة أو سرية، لكنها لا تخلو من فتنة، تتشظى شراراتها كلما تعلق الأمر بالنساء، وللأسف تجد من يلتقطها بخبث ويلعب على وترها باحتراف، ليتحول الأمر إلى مجرد سياحة فضائية تستقطب مشاهد متعطش للهوية، لأنه مأخوذ بمواصفاتها السياحية لا المهنية، وهو ما تم توظيفه في الدراما الخليجية وأثار حمية المغربي، الذي بدأ يدرك أن تجار السوق الإعلامية، يفتحون الأبواب أمام المغرب العربي ليس انطلاقا من التفاعل المشترك أو الاعتراف بتفوقهم الإبداعي، بقدر ما هي متطلبات تفرضها ثقافة إباحية إعلامية، على الرغم من أن مسلسل «شير شات» السعودي، لم يسئ للمغربيات بقدر ما فضح التشوه الكامن في المجتمعات المشرقية، والنظرة الإيروتيكية للمغاربة، وهي ذاتها النظرة التي حملتها هذه المجتمعات للظاهرة اللبنانية من قبل!

مماحكات الهوية وخصومات الولاء

«أحلى صوت» برنامج المواهب و«عرب آيدول» على «أم بي سي»، تعاملا مع المغاربة من جانب إبداعي لا يخلو من البعد الدعائي والربحي لهذه البرامج، ولكنه ظل في إطار محترم وراق، وضع المغاربة في الصف الأول أمام مشاهد متكبر، لم يتوقع أن يتنافس أهل المشرق وأهل المغرب على القدود الحلبية والمواويل الجبلية وإيقاعات الرومبا الخليجية، وتقاسيم عود موسيقار الأجيال، أو بحة كوكب الشرق أو روائع حليم، لا بل حتى شعبيات عدوية، فلمن كانت الغلبة؟
المماحكة هنا على الهوية، ليست بدافع وطني أو حتى مهني، بقدر ما هي قبلية فنية، و«اللي ما عندو سيدو عندو لالا».
في «الجزيرة» يلتم الشامي على المغربي، ضمن خارطة فضائية تتسع للمشرقين وللمغربين، كتوليفة متوازنة، لا يخفى عليك لسانها المغاربي، ودمها الإفريقي الحار، ويحضر فيها المغرب العربي كمشهد إعلامي موحد، ومحتفظ بأصالته وصورته الرزينة والمؤثرة، والفاعلة بعيدا عن شراهة الاستثمار، وجنون التجار، الحالة مختلفة تماما هنا، فالشاشة تعكس لك صورة مغايرة، للمغاربة، بعين ترقى وترتقي بهم، لا تستغلهم لدغدغة المشاعر، ولا لإغواء المشاهد، لأنها لا تزج بهم في مزاد فضائي ولا تجردهم من كبريائهم الذهني ولا تمارس تحرشا إعلاميا بهم، يهين كرامتهم وعروبتهم… ويحارب ولاءاتهم السياسية أو العرقية!
الهوية بين المشهدين واحدة، وأهل المغرب العربي هم ذاتهم، بثقافتهم وروحهم ولهجاتهم وأشكالهم، ولكن الذي يختلف هو نظام تبني هذه الهوية في سياق احترافي ووطني سامٍ وليس رخيصًا!

من قال إن الأمازيغ ليسوا عربا؟

لولا «أم بي سي»، ربما لم نكن لنتعرف على هذا الإبداع المغاربي العظيم، فأطفال ««أحلى صوت»» فاجأوا الدنيا، بمواهبهم وأصواتهم الواعدة، وإلمامهم بالموسيقى العربية، وتأثرهم بمشرقهم العربي، في الوقت ذاته برزت أسماء فنية وإعلامية في «أم بي سي»، كان لها الدور الأكبر بتشجيع المغاربة لدخول هذا المشرق، فاتحين ومحررين من لعنات عدة على رأسها العزلة والغرور والجهل!
لم تعد السوق الإعلامية والفنية تتعامل معهم كبضاعة، بقدر ما هم ذخيرة، لأنهم نجحوا بإسقاط السقطة الفضائية، وأسسوا وعيا جديدا لدى المشاهد قوامه: الأصالة والعروبة، ولكن ماذا عن الأمازيغ؟
الحقيقة أن هذا الأمر ليس شائكا ولا هو جدلي، ولا يمكنك أن تعده مختلفا عليه، فالحقائق التاريخية والعرقية تؤكد عروبتهم، ولهذا حديث مفصل في مقالة مقبلة، غير أن ما يلفتك، هو تنامي ظاهرة التعريف بالهوية الأمازيغية على حساب الهوية المغاربية، وهو ما لا تجده في الغرب، لأن الجنسية الممنوحة أدعى للتقدير، فما بالك لو لم تكن كذلك؟! بما أن الأمازيغ عرب مثلنا!
البركان كله على فم فوهة، والآتي خطير، يتجاوز المشارق والمغارب، والحروب المشوهة التي قوامها الفتنة، لم تستعر نيرانها هناك بعد، إنما تغلي ببطء على قدر تختلط فيه الأعراق والهويات بدم الشرارات السرية، التي تندلع من العقول وليس العروق، ويلاهْ!
لم تزل تجد من ينكرون عروبتهم من الأمازيغ، وتجد أيضا من ينكرها عليهم من العرب، وكل من يخبرك أن الأمر تحت السيطرة، ليس أكثر من أخصائي تخدير، فكلما تعمقت أكثر في النقاش والخوض في هذه المسائل، كلما هالك حجم الفجوة النارية التي تفغر فاهها لالتهام الجميع في وجبة دسمة… على مائدة الفتنة!
يبقى أن نقول إن المغرب العربي لم يكتشف بعد – مشرقيا – فكل ما فعلناه أننا وجهنا دعوة إعلامية له وقد لبى دعوتنا، لكن متى نتوجه إليه، إلى عمقه، تفاصيله، نسبر أغواره ونعترف أمامه بعقوقنا، وجفونا؟ متى نعتذر للمغاربة عن غرورنا، واستغلالنا، ونشاطنا السياحي المشبوه، وضيافاتنا الإعلامية الساقطة؟ متى ننتمي إلى المغرب كما يصر المغرب العربي على الانتماء لنا؟
هذا الشرق الذي تحول إلى مغارة دم، لن يستطيع الفرار من خطيئته سوى على قبر غراب، فكيف نداوي العروبة من سوءة الفرقة والفتن، ونحن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من فتنة مغاربية على شفا النشوب… وكمان ويلاهْ!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق