اقلام حرة

الدكتور سمير محمد ايوب ومن أجمل ما قرأت ( النص الثالث والأربعين – بتصرف ) نبع الحب وأم المواسم …

إنها شقيقة بغداد اللدودة ، ومصيدة بيروت ، حسد القاهرة ، وحلم عمّان ، ضمير مكة ، غِيرة قرطبة ، مُقْلَةُ القدس ، مِغناج المُدن وعُكَّاز التاريخ .‏‏‏‏‏
إنها سبع مستحيلات ، وخمسة أسماء ، وعشرة ألقاب . مثوى ألف وليِّ ، ومدرسة عشرين الف نبي ، و خمسة عشر إله خرافي . يتيمة الدهر الأقدم ، ملتقى كل حلم ونهايته . بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومثابة الشعراء.‏‏‏‏‏ تحملت الجميع . رَضَّعت حتى جفَّ بردى . فسارعت بدمها ، بشجرها ، وظلالها .
إنها قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم . تمنح لقب الشيخ ، لكل من لبس صندلا ، وإعتمر دشداشة . ولكنها لا تعبأ باثنين ، الجلادين والغزاة . تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي ، على شكل منمنمات . تزين بها جدرانها ، أو أخباراً في صفحات كتابها المحفوظ . تتقن كل اللغات ، ولا أحد يفهم عليها ، إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.‏‏‏‏‏
دمرَّ هولاكو بغداد . وصار مسلماً فيها. حرر صلاح الدين القدس . وطاب موتاً فيها . قَدَّمَ لها الحسين إبن علي ، ويوحنا المعمدان ، وجعفر البرمكي ، رؤوسهم كي ترضى .
متغاوية ، تشاغب عشاقها . ولا تعبأ بكارهيها من الغرباء . وتتفرغ ، لكل الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ، ليستفيقوا فجأة ، وإذ بهم عالقين تحت أظافرها .‏‏‏‏‏ لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها ، فتحيله مُتَذَرْذِراً على جسدها .‏‏‏‏‏
لديها من المآذن ، ما يكفي ليتنفس ملحديها عبق الملائكة . ولديها من الوقت ومن الصبر ، ما يكفي لتنتشي بالنصر . ومن الأحذية المعلقة في سوق الحميدية ، ما يكفي لملاقاة كل الغزاة . ‏‏‏‏‏ولديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للمتأمرين . ومن الشرفات ما يكفي أحرار العالم ، ليحتسوا قهوتها . ويدخنوا سجائرهم على مهل .‏‏‏‏‏ لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية ، ومن الأجنة ما يكفي لإعمارها من جديد . ولديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد كل العاشقات والعاشقين . لا فُضولَ لها . ثابتة على هيئة لغز . يَلهثُ الكل ، يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك ، إلى حيث قد يصلون .‏‏‏‏‏
إنها مكان واحد ، لا تُقسم إلى محورين . فليست كبيروت غربية وشرقية ، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي ، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ، ولن تكون كعمّان فيصلي ووحدات ، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم .
لا تتعب نفسك معها ، ولا تحتار . فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها ، ومن يهدد بترويضها . تود أن تعانقها أو تهرب منها . تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً ، مدافعا أو ضحية ، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة .‏‏‏‏‏
أشعل لفافتك ، بأعواد ثقابها ، وَرَدِّدْ مع قاسيون ، جملة واحدة :
(إنها دمشق ) .، شقيقةُ بغداد اللدودة ، ومِصيدةُ بيروت ، حسد القاهرة ، وحلم عمّان ، ضمير مكة ، غِيرة قرطبة ، مُقلةُ القدس ، مغناج المدن وعكاز التاريخ.‏‏‏‏‏
الأردن – 16/1/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق