مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية السّلطان وغصن الرمان من زمن الخيال تعويذة في وشاح الأميرة ( الحلقة 13 والأخيرة )

بقلم فارس رامي

كانت غصن الرّمان تحاول تنظيم أفكارها ،فهي تعرف كثيرا من الأهازيج القديمة التي يردّدها البدو عند خروجهم للرعى ،وأيضا السّجع ،المشكلة أنّ لغتها غير مفهومة ،وفي النّهاية إعترفت بعجزها ،وكان فرحان خلال ذلك الوقت يتفرّس في الوشاح المطرّز بنقوش غريبة ،والتي عرف فيما بعد أنها كتابة قديمة منقولة عن بعض الآثار ،فسألها : من أين أخذت تلك النقوش ؟ إستغربت غصن الرّمان، وأجابته :من عمود مكسّر قرب المعبد !!! زاد إهتمام فرحان ،وقال: لقد لاحظت أن الكتابة المطرزة تتكرر، لكني لا أرى بقيّة النصّ ،فخلعت الأميرة الوشاح ،وبسطته على الأرض، صاح فرحانّ هذا مدهش فنفس الفقرة تتكرّر ثلاثة مراّت ،ألا يذكّرك ذلك بشيئ ؟ قطّبت الأميرة حاجبيها ثم قالت: التّرتيلة يجب قولها ثلاثة مرات ،لكن هذا لا يعني شيئا ،وقد يكون مصادفة ،أجابها فرحان: من وضع هذا النقش أراد أن يعرفه الناس عبر الزّمن ،وهل هناك أسهل من ثلاثة فقرات متطابقة قرب المعبد ؟ أجابت البنت :هذا صحيح ،وحين كنت أتجوّل هناك لفت نظري لأنه سهل فطرّزت الفقرة الأولى، ولمّا عدت إلى دارنا قمت بتطريز الباقي ، وأعترف أنه أثار فضولي ،الآن عرفت أنّك محق تماما في فكرتك لكن كيف سنقرأه فأنا لا أعرف هذا الخط القديم ،وكم من مرة تساءلت عن معنى تلك الفقرة العجيبة ،قال فرحان : لقد ذكرت أنّ البدو يحفظون بعض الأهازيج القديمة ،فهل من بينها ما تتكرّر عباراته ثلاثة مرّات ،قالت غصن الرّمان :نعم ،ثمّ وضعت إصبعها على الفقرة الأولى، وبدأت ترتّل بصوت شجيّ يأسر القلوب :
أيتها النّار التي في العمود
صانعة البرق والرعود
لقد فتح الكتاب في أيّام سود
فاحرقيه بأمري وليكن لجهنّم وقود
لما تحين الساعة ويأتي اليوم الموعود
ثم وضعت إصبعها على الفقرة الثانية وأعادت التّرتيل ،ثم الثّالثة حتى أتمّت النّص المطرّز على الوشاح ،وفي تلك اللحظة ظهر من شق الحجرة بريق خاطف ،ثم سكن كلّ شيئ ،نظرت الأميرة إلى فرحان ،وقالت له هل تعتقد أننا قد نجحنا ؟ أجابها : لا أعلم ،وسنعرف ذلك لمّا نخرج ،وأرجو أن يصدق ذلك الرّجل الضّئيل، وإلا متنا جوعا وعطشا هنا ،ثم وضع رأسها على صدره ،وشرع يداعب خصلات شعرها الأسود الطويل ،وتنهّد قائلا :
كم سهرت مع طيفك
وناجيتك في الليالي المقمرة
يا غصن الرّمان
وقبلت في الأحلام شفتيك
وأنشدت لك شعر حبّ وألحان
نظرت إليه بعيونها الواسعة وقالت له ويحك ،لم أكن أعرف أنّك تحسن الشعر، أجابها :جمالك هو من جعلني أنطق وفي هذه اللحظة سمعا ضجّة في الجدار ثم إنزاح حجر ،وأطلّ ذلك الرّجل الضّيل وقال لهم : كفى عشقا وغراما ، والآن أخرجا بسرعة قبل أن تأتي تلك السّاحرة ،والله لو رأيتها لخنقتها بيديّ !!! كان الثقب صغيرا ،وبعد عناء خرج فرحان وغصن الرّمان ،وجريا في الأروقة وفجأة وجدوا السّاحرة أمامهم وقد إمتقع وجهها ،فنظرت إليهم بحدة وقالت :إذن أنتم من دمّر الكتاب لقد كان في يدي ،وفجأة خرج بريق أبيض حوّله إلى كومة رماد أمامي ،والآن سأقتلكم جميعا ،ثمّ رفعت عصاها، وبدأت تهمهم ،لكن في تلك اللحظة جاءت صفيّة وراءها ،وطعنتها بخنجرها فجحظت عينا العجوز، وسقطت دون حراك ،وقالت: لقد إنتهى كل شيئ هذا ما كان من أمر فرحان وغصن الرّمان، أمّا الوزير محمّد فأدرك أنّه لن يقدر على ردّ جيش العظام ،وأنّه هالك لا محالة، لكن فجأة رآى بريقا ،وبدأت الهياكل تتهاوى على الأرض ،وتتقطع أوصللها ،،وكبّر النّاس، وحمدوا الله على سلامتهم، ثم واصلوا طريقهم إلى المعبد فوجدوا السلطان وغصن الرمان بخير ففرحوا وعانق الوزير محمّد مولاه فرحان، وهنّأه على شجاعته في تلك المحنة الصعبة .
ومن بعيد شاهدوا غبارا عظيما ،وانجلى عن الشيخ جابر ،ومعه كل عشائر البادية وقد جاءوا في خيلهم وجمالهم لإنقاذ الأميرة وتعجّبوا لمّا رأوها واقفة ومعها أهالي المدينة ،والساحرة مطروحة أمامهم غارقة في دمها ،فبدأوا يهلّلون ويكبّرون ،فقام الوزير وقال :لقد إجتمعنا اليوم لإنقاذ المملكة من بلاء كاد أن يحلّ بها ،وقاتلنا كرجل واحد ،وبذلنا أرواحنا ،والآن هلم بنا إلى مضارب عشيرة جابر لنحتفل بزواج السّلطان و الأميرة غصن الرّمان ،وبعد الخوف ستحلّ الأفراح في كل مكان .وفي المساء إمتلأت أرض العشيرة بالضّيوف وذبحت الذبائح ،ودارت الأشربة، وكان الرّجل الضّئيل جالسا جنب السّلطان ومعه فتاة جميلة خطبها له جابر ، وقال له :نحن نعرف كيف نجازي من أحسن إلينا !!! كان الجميع سعداء ،والزّينة ظاهرة في كلّ أنحاء المملكة ،وفجأة جاءت امرأة تخفي رأسها إلى المعبد فوجدته مهدّما ،والساحرة معلّقة في شجرة ،وقد أكلت الغربان عينيها ،فأنزلتها من بين الأغصان ،ودفنتها ،ثمّ أقسمت على الإنتقام من السّلطان ،وما لا يعرفه أحد أنها بنيّة وجدتها السّاحرة على قارعة الطريق ،فأخذتها عندها وربّتها ،وعلّمتها كلّ ما تعرفه من سحر،والمملكة أبعد من أن تعرف الرّاحة بعد الآن ،وستتواصل مشاكلها مع السّاحرات لأجيال طويلة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق